جرائم الإبادة في موريتانيا... القتل داخل الثكنات
الاثنين, 30 يوليو 2012 02:46

أ.لاعتقالات الجماعية في القواعد والثكنات :

شهدت المخابرات العسكرية نشاطا مكثفا عقب أحداث 1989، بين موريتانيا والسغال.  وكانت ضريبة هذه الأحداث باهضة على مواطني البلدين ، لقد عانى المدنيون الموريتانيين كل الويلات في السنغال كما حصل مع السنغاليين في موريتانيا.لكن حركة القوميين العرب في موريتانيا استغلت الأزمة بين البلدين للانتقام من المواطينين الموريتانين السود الأفارقة "الزنوج" الفلان والسوننكي والولوف. رحلت المدن وأزهقت الأرواح وانزعت الممتلكات واهينت كرامة الموريتانيين الزنوج المسلمين، بسبب عرقهم ولونهم الأسود.

حظيت المخابرات العسكرية  بثقة ولد الطايع الذي سخرلها الأموال وأطلق لها العنان،تحسبا لأية ردة فعل قد يقوم بها الضباط الزنوج الذين ترحل مدنهم وقراهم وتنتهك أعراضهم.

أصبح في الجيش في ريبة وانعدام اليقين، لم يعرف العسكريون الموريتانيون حالة مشابهة من الهستيريا قبل ذلك.

ب.الشرارة:

وفي مطلع أكتوبر 1991 وبعد الدوام، وصل بلاغ للمنطقة العسكرية السابعة في ولاية "لبراكنة" وسط موريتانيا. لقد كان البلاغ متعلقا "بالمال والمحسابة" وجاء في محتوى البرقية :"أن بعثة تفتيش مالية ستصل إلى الولاية قادمة من قيادة الأركان في العاصمة".

لم تكن الشفافية حاضرة في تسيير خزائن المنطقة العسكرية. ارتبك حينها الخازن العسكري مما ورد في البلاغ، وبادر باخطار قائد المنطقة العقيد  محمد ولد محمد صالح. أدرك العقيد والخازن أن الموارد المالية ليست في وضعية مريحة لمنطقتهم العسكرية. وأدركوا أن عواقب هذا التحقيق قد تكون مكلفة.

قرر العقيد محمد ولد محمد صالح الرد على قيادة الأركان وقال في جوابه: يتعذر على المنطقة العسكرية استقبال بعثة التفتيش و المدققين الماليين بسبب الانشغال بتحقيق في محاولة انقلابية يدبرها الزنوج في المنطقة العسكرية السابعة.

بادر العقيد لاعتقال سائقه، وهو عسكري من الزنوج. وهو أول معتقل. و في اليوم الموالي، استدعي جميع العسكريين في المنطقة. وجرد الزنوج من أسلحتهم. وتم توقيفهم  وتقييدهم .ووصلت بعثة من مكتب المخابرات العسكرية لمدينة آلاك تضم كلا من الملازم اعل ولد الداه والحسن ولد مكت.

بدأت  الاعتقالات الجماعية للعسكرين السود في الأسبوع الأول من أكتوبر، في أنحاء الجمهورية، بأمر من العقيد أحمد ولد مينه قائد الأركان.وضع المعتقلون في الثكنات والقواعد العسكرية. وبدأت عمليات نقلهم إلى نواكشو ونواذيبو وأزويرات وإنال وأجريدة...

ج. الضباط الوطنيون


رفض الضباط الوطنيون أمر الانصياع لقرار الإعتقال الأعمى على أساس العرق.

ومن بين هؤلاء الضباط محمد لمين ولد أنجايانا.

ويعتبر المقدم الحرسي عمر ولد بويبكر قائد كتيبة الحرس في النعمة أول من رفض الانصياع لأمر اعتقال رجاله. واعتبر ذلك ظلما وحذر من نتائج التلاعب بالجيش.

الكلولنل شين أنقذ حياة أكثر من 600 عسكري في أجريدة كانوا سيموتون موتا محققا تحت وطأة الجوع والعطش. لقد فك قيودهم وقدم لهم الطعام و الشراب والسجائر. وقال إن الاعتقال حفظ تحت التحقيق وليس القتل، وقال إن اليهود لا يفعلون هذا في الأراضي المحلتة، وصرخ حتى سمع صوته في جميع الأرجاء الثكنة موريتانيا ليست "ليبيرا". وسالت عيناه من الدمع.

هؤلاء الضباط الوطنيون المؤمنون بتعاليم الإسلام و بقيم الجمهورية والولاء للوطن رفضوا العنصرية في وجه ولد الطايع وقيادة الأركان،بكل شجاعة و إيمان وإخلاص.

  ومن الجدير بالذكر أن الضباط الذي رفضوا المشاركة في التصفية العرقية معروفون بالنزاهة والأخلاق. بعضهم كان يرسل مساعدات عينية لأسرالمعتقلين الزنوج.

و حرص بعض الضباط على أن يقولوا للمعتقلين: نحن لن نعذبكم ولن تعذبوا في الساعات التي نكون فيها على المداومة. بحسب شهادات الناجين من أجريدة وإنال.

بقي الرئيس معاوية ولد سيد أحمد ولد لطايع بين خيارين: ضباط وطنيون رافضون للتصفية العرقية، وضباط تقودهم الكراهية والانفراد بالمؤسسة العسكرية و يفكرون في الفرص عند شغور مراكز الضباط الزنوج.

استسلم ولد الطايع لجناح الكراهية تحت تأثير تقارير المخابرات العسكرية وإدارة الأمن الوطني .

وقال ولد الطايع للضباط الوطنيين إن الاعتقالات الجماعية مرتبطة بتحقيقات، وأن كل شيئ سيعود قريبا إلى مايرام.

اعتقل كل الضباط والجنود االزنوج، وحتى الأطباء منهم، ولم يسلم من الإعتقال إلا أنجاكا جينغ أو من كانوا في التدريب خارج موريتانيا.

اختار القادة العسكريون التعذيب . وانتزاع الإعترافات. وقدمت التقارير اليومية لرئاسة الجمهورية.

وأبعد كل من رفض المشاركة في عمليات التعذيب الجماعية.

وبدأت التصفية والانتقام.

وفي هذا المقام نذكر بناءا على شهادات متواترة أن ضابطا  برتبة جنرال، اليوم ،كان يشغل في تلك الفترة منصبا أمنيا كبيرا، سافر من نواكشوط  متوجها إلى أكجوجت ليقتل بمسدسه ضابطا زنجيا "م،ك" كان على سوء تفاهم معه قبل ذلك.وقال الجنرال في حين أطلق النار عصرا على "م،ك" :  "إلى جهنم ،جيب ملفك يوم الآخرة، يوضعك".ورد مسدسه في جيبه. وعاد إلى نواكشوط قبل دفن ضحيته.
ويعتبر الجنرال فلكس نغري أحد  الضباط الناجين من مدينة "ثكنة إنال" شمال موريتانيا.لقد شاهد فلكس نغري القتل والتعذيب ونال صنوف والعذاب والتنكيل  فقد صب الماء الساخن على جسده، وعانى من المرض بعد الافراج عنه،وجسمه يحمل علامات نتيجة للتعذيب.

الضابط محمد سي مؤلف "جحيم إنال"،روى كيف تعرض للتعذيب والإهانة من طرف ضباط شباب كانوا يعملون تحت إمرته. وكانوا ذوي حظوة عنده. لقد كانوا يداعبون ابنته الصغيرة.ويقولون لها  :ابنة ضابط  كريم و خلوق، لكنهم قيدوا أباها وبصقوا على وجهه وداسوا ناصيته بأحذيتهم. وعندما وصل مكبلا إلى إنال قالوا جاء اليوم صيد كبير.


الرائد صالح ولد حنن قال إن: العقيد محمد محمود ولد مختار قائد ثكنة "أجريدة" أمره بتنفيذ الإعدام بالرصاص  بحق شاحنة مليئة من الجنود السود ورفض ولد حنن الانصياع لذلك الأمر وقد جائت شهادته إبان محاكمته في واد الناقة.وقتل كل من كانوا في تلك الشاحنة ودفنوا على بعد كلومتر واحد من ثكنة أجريدة.


د.التعذيب و القتل

 

كثير من الناجين تعرضوا لأشكال مريعة من التعذيب. فقد تواترت الشهادات على أن الماء الساخن كان يصب على أجسادهم وخاصة أجهزتهم التناسلية. كما كانوا يضربون بالهراويل و بالعصي وأيديهم وأرجلهم مكبلة بالأغلال وهم معصوبي الأعين كما داست السيارات بعضا من المعتقلين حتى الموت في "إنال" و"اللوكات " وأجريدة  " والعزلات، وقد روى عدد من فرسان التغيير إبان محاكمتهم الشهيرة في واد الناقة 2005 فصولا من ذلك التعذيب الرهيب الذي مورس بحقد وهمجية على جنود لا ذنب لهم إلا سواد بشرتهم وإرادة النظام إبادة عرقهم. كما دفن جنود أحياء مع آخرين قتلوا بالرصاص أو ماتوا تحت التعذيب .عدد من الضباط زالت عقولهم من هول التعذيب، و آخرين أصيبوا بالشلل بينما تناقصت أوزان الناجين بالأضعاف تحت تأثير العذاب والجوع والعطش

لقد كان التعتيم كبيرا على عمليات التعذيب والقتل، كان القصر الرئاسي وقيادة الأركان وإدارة الأمن الوطني والمكتب الثاني للمخابرات العسكرية يعلمون بحرص على حفظ التقارير اليومية.

بعض الولاة والحكام لم يكونوا على صلة بما يجري في الثكنات فيما كان البعض منهم يشرف بشكل مباشر على المجازر وحلقات التعذيب  خاصة في لبراكنة واترارزة وتيرس الزمور وداخلت أنواذيبوا.

لقد كان التعذيب مستمرا في كل لحظة آناء الليل وأطراف النهار.وكانت الإهانة حاضرة . والدعاية وإشعال الكراهية كانتا الوقود الذي يؤجج به الجنود الذين يأمرون بالتعذيب كانوا يقولون: جماعة من السنغاليين ، لقطاء، أعطيناكم الوظائف والآن تطمحون للسلطة،  الموت أقرب لكم من الحكم." يقسر أعماركم".

في بعض من الأحيان كانت الشكوى من العطش والمطالبة بالماء طريقا سريعا إلى الموت. كذلك كان النوم أيضا جريمة جزاؤها الموت شنقا حين ينادى باسم أحد المعتقلين وهو في سبات.

 

ه. الاعتراف تحت العذيب


اعترف عدد من الضباط والجنود الزنوج، تحت التعذيب ،ومشاهد الموت، بالمشاركة في الانقلاب الذي تصوره قائد الكتيبة السابعة.


لقد حصت أبشع صور التعذيب في "إنال" "وأجريدة" . حين شطر عدد من الجنود بالسيارات. فقد كان الجندي يربط برجليه في سيارتين، ثم تنطلق السيارتان في اتجاه مختلف. فيسمع صوت صراخه وطقطقت عظامه وهي تنكسر .


ودفن بعض الجند أحياءا مع من قتلوا.وحشية مامثلها وحشية.


وقد كسرت أصابع بعض الجند وأيديهم وأقتلعت أظافرهم وأحرقوا بالنار وصعقوا بالكهرباء ولاتزال معالم التعذيب ظاهرة في أجساد الناجين،حتي هذا اليوم.

 

وكانت الاعتراف الذي يطلب منهم توقيعهم يشمل : نعم لقد شاركت في التخطيط للانقلاب أو كنت على علم به ، وكان هدفنا قتل البيظان.

ووصل عدد القتلى العسكرين الزنوج لـ 524 أكثر من 200 منهم في إنال و أكثر 130 في "أجريدة" وحوالي 100 في بابى والبقية في "الكيولمتر 319 والعزلات واللوكات وسوري مالى..... بقيت صور القتلى وأسمائهم ورتبهم العسكرية والمقابر الجماعية شاهدة عليهم. كما بقيت أمهات ثكالى وأيتام وأرامل يبتلعون دموع الحزن و الأسى. وهم يلتقون يوميا بالقتلة في الشوارع والأماكن العامة.وحالة الافلات من العقاب هي الستار الذي أسدلته الدولة الموريتانية على مشاهد الموت والتعذيب.

المراجع:
1.شهادات الناجين وبعض الضباط والجنود الوطنيين

2. جحيم إنال

3.قارير المنظمات الحقوقية، والأعمال الصحفية

4.موريتانيا ليست حرة


يتواصل
رمضان 2012

جبريل جالو: النص العربي

با سلي     : النص الفرنس

جرائم الإبادة في موريتانيا... القتل داخل الثكنات

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox