مناقصة فلسطين/الهادي بن محمد المختار النحوي
الخميس, 23 ديسمبر 2010 10:35

منذ أن أعلن السادات أن 99% من مفاتيح القضية في يد الولايات المتحدة بل وقبل ذلك ، أصيب العرب بعمى ألوان الجهات وأصبحت واشنطن هي قبلتهم السياسية وعدلوا ساعاتهم على توقيت واشنطن فإذا نامت أمريكا تحول نهارهم ليلا وإذا استيقظت واشنطن انتفضوا من ليلهم الحالك كأنما نشطوا من عقال...

حاولت واشنطن على مدى اكثر من 6 عقود إفهامهم أنه ليس لها من الحلول سوى ضمان أمن إسرائيل وأن  ذلك لا يجتمع بالضرورة مع الحقوق العربية ...

لكن العرب وفاء منهم لأمريكا وللنسبة لتي منحها إياها السادات لم يقبلوا إلا مبايعة الولايات المتحدة وبنفس النسبة (99%) ليسلموها مفاتيح الحل .. والعرب لهم علاقة متميزة مع نسبة 99%...

بدأت مسيرة اوسلو قبل اكثر من 20 سنة وجرب من سار في فلكها أشكال المفاوضات مع الإسرائيليين ب"رعاية" الأمريكين وسمعوا من الوعود العرقوبية ما الله عالم به .. وطلب منهم من التنازل ما لم يطلب من اليابان والمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وتنازلوا حتى لم يبق أي شيء  يتنازل عنه فطلب منهم التنازل عن التاريخ والاعتراف بيهودية الدولة .. أو بعبارة أخرى الاعتراف بأن الفلسطينيين كانوا يحتلون ارض اليهود...

ذهب الرؤساء والزعماء والوزراء والسفراء وذهبت السلطة وتمسح الجميع بأعتاب البيت البيض واستجدوا ولعنوا المقاومة واقسموا بالأيمان المغلظة أنها الارهاب بعينه ... وقالوا صراحة إن الشرق الوسط لا يصلح إلا بإسرائيل فهي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة فالشعوب في المنطقة بحاجة لحضارتهم ورقيهم السياسي والاجتماعي...

واستمرت "المفاوضات" وتعثرت وانقطعت وسدت أبوابها ... وجاء ميتشل وقبله كلينتون ودانيس روس والقائمة تطول ... والصورة هي هي .. "محاولة إقناع" إسرائيل ب"تجميد الاستيطان""...

وبما أن الراعي الأمريكي لا يريد ان أن "يزعل" إسرائيل فقد اقتنع بان اسرائيل لن تجمد إلا حقوق الفلسطينيين .. ففهم الأمريكان أنهم أساؤوا الأدب على إسرائيل ...وهكذا أقر الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضمنًا بأنه ارتكب بعض الأخطاء في التعامل مع إسرائيل ، مؤكدا مع ذلك أن هذه الاخطاء لم تكن في السياسة نفسها وانما في طريقة نقل الرسائل.

ونقلت الاذاعة الإسرائيلية عن صحيفة "نيويورك بوست" ان أحد المشاركين في اللقاء المغلق الذي عقده أوباما في البيت الابيض الليلة الماضية مع سبعة وثلاثين نائبًا يهوديًا من الحزب الديمقراطي في الكونجرس قال أن أوباما ألمح إلى ذلك.

وعقد هذا اللقاء وهو الأول من نوعه بناء على طلب النواب اليهود بهدف تنقية الأجواء في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية التي "توترت" بسبب الخلافات حول موضوع الاستيطان.

وحرصا من الولايات المتحدة على حفظ التوازن في المنطقة وعدم الإضرار بالمسيرة السلمية فقد

وافق مجلس النواب الأمريكي بالاجماع على مشروع قرار يعارض إعلانا من جانب واحد لقيام دولة فلسطينية بعد بضع ساعات من معارضة مجلس الشيوخ لأي قرار قد يصدر عن مجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطينية.. .

ولم يعجب الأمريكان اعتراف البرازيل والأرجنتين ب"دولة " فلسطين على حدود 1967/

في هذه الأجواء ومع وضوح الصورة .. اجتمعت لجنة المبادرة العربية بعد "تعثر المفاوضات" الإسرائيلية الفلسطينية وقررت رفض عودة المفاوضين الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل إلا بعد تقديم "عرض جاد" يوضح مرجعيات التفاوض وأسسه ويفهم من هذا أن العرب يفاوضون منذ عشرات السنين دون أن يعرفوا ما هي مرجعية مفاوضاتهم...

وتضمن قرار اللجنة أيضا بنودا تدعو للذهاب الى مجلس الأمن لعرض موضوع المستوطنات وطلب وقفها.

وقررت اللجنة أن العرب سيتوجهون الى مجلس الأمن حتى لو كانت الولايات المتحدة ستستخدم حق الفيتو ضد أي قرار يمكن ان يصدر عن المجلس. وفي الوقت ذاته يذهب وزير حرب إسرائيل إلى واشنطن ليبحث امن إسرائيل وتأتي وزيرة الخارجية الأمريكية وبعدها وقبلها جيوش المسؤولين الأمريكيين إلى إسرائيل لتأكيد ضمان الولايات المتحدة لأمن إسرائيل وتلف على العواصم العربية لا تناقش إلا نقطة واحدة هي امن إسرائيل ولسان حالها يقول للعرب ندوسكم أشتاتا وفرادى من أجل أمن إسرائيل..

 

هكذا يواصل العرب رحلة التيه التي أصبحت أطول من تيه بني إسرائيل ... جاءتهم أمريكا وقالت ليس لكم سوى الاعتراف بإسرائيل والتسليم بتفوقها العسكري والتقني ، قالت لهم امريكا لا تصدقوا ما نعلن من تصريحات عن حل الدولتين ففلسطين بالكاد تحتمل دولة واحدة وقد منحناها لإسرائيل فلا تضيعوا وقتكم..قالت لهم هذا في كل العواصم العربية وقالته لهم في قبلتهم السياسية واشنطن .. لكن احدا لم يفهم ...

فهاهي اللجنة العربية تقرر عدم عودة الفلسطينيين إلى المفاوضات ليس لتستبدل ذلك بالخيار الصحيح .. خيار المقاومة وإنما في انتظار تقديم "عرض جاد" من الولايات المتحدة...

لكن الجامعة العربية هددت تهديدا خطيرا عندما قررت أنها ستذهب إلى مجلس الأمن ... مع استحضار أن الولايات المتحدة ستعترض... (مسكينة إسرائيل )...

فما هذا إن لم يكن بلادة سياسية وعبثا بمصير الأمة وبيع كرامتها في مزاد التيه السياسي...

ألم يفهم هؤلاء على مدى 60 سنة وأكثر أن الولايات المتحدة التي سلموها مفاتيح الحل قد سلمت الحل والأرض والحقوق إلى اليهود.. فهذا حق غير قابل للقسمة فإما أن يمنح للعرب وذاك فاتهم أو يمنح لليهود وقد كان...

لم يفهم احد أن أمريكا لا هم لها سوى ضمان أمن إسرائيل ...وضمان أمن إسرائيل كما هو واضح مناف مناقض لأي حق عربي...

فما ذا تريد اللجنة من الذهاب إلى مجلس الأمن وهي تعرف أن مجلس الأمن  دائرة من دوائر الخارجية الأمريكية ولن يقرر إلا ما تريده الولايات المتحدة ؟... فالذهاب إلى مجلس الأمن لن يخرج عن أحد احتمالين أولهما أن يرفض عرض الموضوع والآخر أن يعرض ويستخدم "الراعي النزيه" الفيتو لأن الأمر قد يضر بمسار "العملية السياسية السلمية..."

فلو كان العرب جادين فيما هم فيه لعرفوا أن الطريق إلى استرجاع الحقوق عندهم منه 99% من الحل وليس كما توهموا عند الولايات المتحدة ... لكن الأمر يحتاج لقليل من الإرادة والعزة والكرامة...

ويحتاج الأمر كذلك إلى المصالحة مع الشعوب والجد في سبل النهوض بالأمة ونبذ الفساد وعدم تحويل البلدان إلى ممتلكات خاصة للحاكم بدل أن يتحول هو إلى خادم للبلد ...

ويكفي لنفهم الفرق بين العرب واليهود أن نتنياهو يعمل حوالي 18 ساعة يوميا ويسكن في شقة مستأجرة مكونة من 3 غرف ولديه سيارة مرسيديس موديل 1989م..

قارنوا هذا الوضع باحوال كثير من حكامنا وسنعرف ان تسليم مفاتيح الحل لأمريكا أمر طبيعي..

وقد أعجبني تعبير بيان لجنة المبادرة العربية المتضمن دعوة الولايات المتحدة لتقديم عرض جاد لتوافق على عودة الفلسطينيين للمفاوضات...

هكذا أصبحت فلسطين مناقصة ، تباع وتشترى في المزاد العلني أو السري...

لكن نتيجة المناقصة محسومة .. فقد حسمها البريطانيون منذ وعد بلفور ورست المناقصة على اليهود وتكفل الأمريكان والأروبيون ومن يدور في فلكهم برعاية المناقصة وتنفيذها ... فعن أي عرض يتحدث العرب؟

لقد كان كسنجر صادقا عندما قال قبل أكثر من ثلاثة عقود لأحد رؤساء وزراء إسرائيل : إني أسلمك أمة نائمة لكنها متى استيقظت استرجعت ما فاتها في قرون خلال سنوات... فمتى يستيقظ العرب ليصححوا طريقة ترسية المناقصة؟

مناقصة فلسطين/الهادي بن محمد المختار النحوي

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox