خاطرة أملتها نظرات صديق محظري |
الخميس, 18 أبريل 2013 19:33 |
رمقنى شزرا ثم أرجَع البصر الكرة بعد الأخرى و ارتد إليه نظره قد لا يكون خسئا وربما حسيرا لزمن انقضى ومعرفة سابقة لم تسعفه ذاكرته فى تحديد الأين المكتنف لها مع أن الملامح العامة تشى أن المعارف الذهنية الأوٌل ربما خزنت صورة عن الشخصية الماثلة أمام المتأمل لكن طريقة نسبة الصورة وتركيب أجزائها شكلت حرجا لصاحبى الذى بدت نظراته تخترق خلايا جسمى كما اخترقت أشعة ليزر بيد طبيب عارف جسم مريض أنهكه ورم باطني - عافاكم الله - لم أتمالك نفسى فكسرت جدار الصمت المحيط بالحائر وبادرته القول : أما كفاك تفحصا لست سلعة معروضة للسوم ولا .... فارتبك وبدأ يتلفظ بكلمات لا يفقه معانيها من نحو : لئن كان هو لقد حال بعدنا عن العهد والإنسان قد يتغير. قلت صحيح التغير سنة كونية لكن أي عهد تعنى فبهت وأسقط فى يديه كمن لم يكن يتوقع جوابا بهذا السرعة ثم أردف بأدب يمازجه خجل لا تسئ بي الظن لم أقصد الإحراج إنما أعنى عهود الصبا و مرابع الدرس المحظري ،فسبقتنى عبرة وتمثلتقول الشاعر العراقي : زمن كالربيع حل وزالا ... ليت أيامه خلقن طوالا . يحسب الطفل أنه زمن الهم .... وما الهم يعرف الأطفالا. ليلة بعد ليلة بعد أخرى .... وليالى الهنا تمر عجالا . رحم الله ذلك الزمن الربيعي أيام ندبتنى والدتى - رحمها الله خادجة بنت بلاََل المحدثة التى جمعت بين علمي الشريعة والحقيقة - من بين أبنائها لأحيي ما اندرس فى الحي من علوم المحظرة وصممت على أن أترك الاعدادية وألتحق بالمحظرة ثم صبرت و صابرت على أذية الأهل واتهام القريب والبعيد لها بالجنون وإفساد مستقبل طفل . بادي الرأي إذ كانوا يعدون المستقبل فى المدارس وكانت هي بقوة فراستها الإيمانية ترى عكس ذلك وكان لها ما أرادت وهي الولية الصالحة فأثمرت تجربتها بعودة أجيال بعدى إلى المحظرة وحمد الناس رأيها. استرسلت ذاكرتى فى سيرة والدتى بعد أن ذكرنى رفيق الدرس المحظري بالزمن الجميل الذى من الوفاء لأهله الذين رسموه جنة غناء بالورود والثمار دانية القطوف . من الوفاء لهؤلاء _ إذالة ما يصان بكل عين _ أفاويق الصفاء بها ارتضعنا على مدى حولين كانا كاملين . رحم الله ذلك الزمن وأهله حين كانت والدتي الديجة _ خادجة بنت بلاَّل _ تنتقل بنا أحاديثها وتوجيهاتها الربانية بين القرآن وتفسيره تالية بترتيل وفهم وصية ابراهيم ( يابني إن الله اصفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ). وتارة تحذر من هجر القرآن قائلة ( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا). وبين الحديث النبوي وكتبه الصحاح فتردد حديث معاذ رضي الله عنه " كان الناس يسألون رسول الله صلى عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركنى " وتحذر من الدًخن الوارد فى الحديث وأصحاب البدع الذين هم من جلدتنا ويتحدثون . .. وتقول يا بني احذروا البدع ورسل الدجال فهذا زمنه. وكم كانت تترنم بشعر أقطاب التصوف والوجد الإلهي كلما رأت مشهدا تتجلى فيه قدرة الخالق فأذكر مرة أنى وقفت معها على غدير فتأملته وأنشدت : إذا نزل الغدير على صفاء وجنب أن يحركه النسيم. ترى فيه السماء بلا امتراء كذاك الشمس تبدو والنجوم كذاك قلوب أرباب التجلي يرى فى صفوها الله العظيم . و أعتذر عما وقع فى هذه الأبيات من خطإ و مرة تنشد : تجليت فى الأشياء حين خلقتها فهاهي ميطت فيها عنك البراقع. ولا تتبنى بالطبع قول الحلوليين وإنما كل وجد إلهي يمثل حالة من الشطح مر بها القوم قبل التنزل حسب تعبيرها . لكنها تحذر من سلوك طريق القوم دون شيخ متمثلة أبيات أحد أشياخها: واعلم بأن صربخ العرفان ... خريته الحي الفقيه الفانى . وإلى الآن لم أعرف معنى كلمة صربخ رغم أنها قالت لى أنها كلمة بربرية تعنى الغابة كما أنى لم أعرف نسبة ولا معنى البيت الآتى لأمرئ القيس إلا منها وهي على فراش المرض إذ نادتنى بصوت ضعيف أنت أستاذ لكن سأمتحنك لمن هذين البيتين وما المقصود منهما : وتحسب سلمى لا تزال كعهدنا ... بوادي الخزامى أو على رأس أوعال وتحسب سلمى لا تزال ترى طلا ... من الوحش أو بيضًا بميثاء محلال. فأصغيت ليتا وفكرت مليا قبل الإجابة و لولا الدكتور محمد محمود ولد بلال الفقيه الذى كان فى المجلس وسبقنى للإجابة لرسبت فى الامتحان. سنوات ثلاث مرت على رحيل والدتى المحدثة خديجة بنت بلال وما زالت توجيهاتها تنير لي الطريق وذكراها تنقر فى صدرى كالعصفور الصداح وهي ذكرى حسنة عطرة، لسان صدق وثناء حسنا عند القريب والبعيد وكيف لا ولسانها لا يخلوا من تلاوة دعاء ابراهيم ( واجعل لى لسان صدق فى الآخرين واجعلنى من ورثة جنة النعيم ). و أحسبها كذلك لأنها أحيت سننا كانت مهجورة وغرست نبتا أثمر علماء وفقهاء ومحاظر . وما المرْء إلا حديث بعده كما قال ابن دريد : وإنما المرء حديث بعده فكن حديثا حسنا لمن وعى . رحمك الله رحمة واسعة لم ينطفئ ضوءك حتى أنار سماء كانت تغطيها سدف الجهل والضلالة . وقد كانت أيامك أيام سعد وهناء لى وأقول مع أبى تمام فمرَّتْ سنونُ بالسعودِ وبالهنا فكأنَّها مِن قِصْرها أيَّامُ ثم انْثنتْ أيامُ هجرٍ بعدَها فكأنها من طولها أعوامُ ثم انقضتْ تلك السنونُ وأهلُها فكأنَّها وكأنهمْ أحلامُ . |