ويل للعربية من الفيسبوك
الاثنين, 29 أبريل 2013 11:30

 

الدكتور عبد الله الحاجعبد الله الحاج كاتب وباحث موريتاني  elhaj1211@gmail.com

قديما قيل " ويل للشعر من رواته" مع ما يتمتع به رواته في القدم من إتقان في الحفظ ، و معرفة للقواعد اللغوية والنحوية، وحتى العروضية ومع ذلك تبقى الأخطاء أكثر من أن يسيطر عليها الرواة، وفي عصر العولمة  والتكنولوجيا أصبحت اللغة العربية في متناول الجميع ، حيث انتشار المكتبات الإلكترونية ، والترجمة عبر الإنترنت مما طوع اللغة العربية وقواعدها، حتى استفاد منها الجميع.

وإن كان البعض يرى في الوسائل التكنولوجية حربا على اللغة العربية باعتبار أنك في السابق كنت تجلس بعض الوقت لتعد برقية إلى صديقك أو أهلك فتستشهد بكل ما يقتضيه المقام من أشعار وحكم حتى تجذب القارئ وتجعله كأنه يعيش معك بأحاسيسه، مما يدفع بالقارئ في بعض الأحيان أن يجعل هذه الرسالة في إرشيفه الذهبي، نتيجة تأثير الكاتب، تصور مع كاتب يستهل رسالته بقول الشاعر:

سلام وإرسال السلام من البعد = دليل على حفظ المودة والعهد

 وهنا تختلف الرسالة حسب ثقافة كاتبها فهي تعكس ثقافة الكاتب، ولهذا السبب تجد من الناس من لا يستطيع كتابة رسالة لما تتطلبه من تعبير وأسلوب أدبي  قد لا يتمتع بها الجميع.

كل ذلك انقرض مع ظهور الهاتف الذي أصبح بسببه كل يستطيع أن يوصل رسالته لأخيه مستفيدا من الحكمة المشهورة، "خير الكلام ما قل ودل"، نتيجة لأن في التطويل تكاليف مادية قد لا يكون كل شخص قادرا على دفعها ثم إن النتيجة قد تحصل مع قليل الكلام.

ومن هذا المنطلق ، تقلصت المقدمات الأدبية ، بل انعدمت  ، وأصبحت للجاهل مكانته في إيصال رسالته الصوتية ، ولو كان ذلك على حساب اللغة العربية، "مصائب قوم عند قوم فوائد".

لكن مع ظهور الفيس بوك رجعت للغة العربية مصداقيتها  جزئيا ، مع سهولة في الحصول على المعلومة، ولو  لغير المتخصص في اللغة، شأنها شأن جميع لغات العالم ، فأول شيء  يبدو لك على صفحتك الرئيسية في  الفيس بوك: "اكتب أي شيء"، "ما ذا يخطر ببالك"، وهو ما يسيل لعاب الكاتب فترشح ذاكرته، وهنا تبدو لك الآراء المختلفة بحسب ثقافة الكل "كل إناء بالذي فيه يرشح".

لكن ما يثير انتباه القارئ هو كثرة الأخطاء اللغوية التي لا تقتصر على
أخطاء العامة أو غير المتخصصين، وإنما تجدها أيضا من أصحاب الإختصاص، فأي منا لم يقع في هذه الأخطاء القاتلة التي تقشعر منها المسامع ، وهي قد تقلب المعنى المراد إلى ضده، بل قد تعطيك معنى لو اقتطعته من سياقه لما فهمت المراد منه ، وهنا يحضرني ما جرى مرة بيني وبين أحد الأصدقاء في "دردشة"  حيث كتب لي : "أريدك أ ترسل لي بعضا من شعر  الأديب الموريتاني أحمد ولد عبد الله "  فكتبت له في مزاح  "خرجت نون" فرد علي بالقول إنك كثير الانتقاد،  ثم أجبته فكتبت له "إن شاء عند ما أجده سأرسله لك فأجاب "خرج لفظ الجلالة... هذه بتلك...

وإليك نماذج من الجمل اخترتها من بعض المداخلات على الفيس بوك، وتكاد لا تفهم معناها وهي:

لفقد كتب أحد المتصفحين : "منذ أنسبوع تقريبا" لاحظ زيادة النون في الكلمة التي تحتها خط.

- وكتب آخر تعليقا على صورة لأناس يتأملون في شجرة "إنهم يتفكرون في حمة أقامت عشا فوق هذه الشجرة" يقصد حمامة.
- وكتب آخر: "في العاصمة السنية التي كانت إلى حد قريب بعدة كل البعد. يعني بعيدة.

- ونصح أحد المتدخلين صديقه قائلا: "كن حدرا وسرعلى بركة الله، يقصد حذرا بالذال.

- وجمع أحدهم المؤنث قائلا: نطالب السلطات ... وعلي رأسهم فخامة الرئيس".

وسأل سائل: "هل الكزازة عرافة" يقصد ما يعرف عند الموريتانين ب"لكزانه".

وأرسل متدخل رسالة وقد حذفت من صدرها  الألف فقال:

"لى السيد المدير العام...."

 

- واستبدل آخر حرف الشين بالسين فقال "..ماساء الله..."يقصد ما شاء الله.

  إلى غير ذلك من الأخطاء التي شكلت ظاهر  من السهل على الكاتب أن يبرر ها  بالأخطاء المطبعية ، التي طالما حملها الباحثون المسؤولية، حتى قال بعض الباحثين : جزى الله المطابع كل خير، لقد أصبحنا نحملها أخطاءنا".

لا أستبعد أن يكون للأخطاء المطبعية دورها المركزي، ولكن هناك أسباب أخرى من أهمها سيف  الوقت الذي كثيرا ما يكون ضيقا، إما بسبب الالتزامات ، أو بسبب أصحاب مقاهي الإنترنت التي تحسبب دقيقة دقيقة، فتبدأ دقات  القلب تتسارع مع الدقائق، وهناك عامل آخر، وهو الأهم ألا وهو أن الكاتب ينصب كل  فكره حين يكتب على الفكرة في مجملها دون النظر إلى التفاصيل اللغوية ، حتى أنه يقع في أخطاء لا يشعر بها،  بسبب جاذبية الفكرة التي تسيطر على ذهنه نتيجة لجمالها أو لصدورها من  حبيب على القلب أولطرافتها.....

ومن هذا المنطلق، ورغم النهضة التي شهدتها الكتابة جزئيا مع ظهور الفيس بوك، إلا أنه أعاد إلى الذاكرة العربية ،  الفكرة القديمة لدى الكتاب والشعراء : "ويل للشعر من رواته"،  ولكن هذه المرة ، بعبارة أخرى وهي  "ويل للعربية من الفيس بوك". 

ويل للعربية من الفيسبوك

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox