العلاقات الموريتانية البريطانية.. هل كان عُطيْل البطل الشكسبيري موريتانيًّا؟
الخميس, 02 مايو 2013 09:55

صفحة من رحلة الطالب أحمد ولد طوير الجنة الوداني يتحدث فيها عن استقبال الإنجليز له في جبل طارق.صفحة من رحلة الطالب أحمد ولد طوير الجنة الوداني يتحدث فيها عن استقبال الإنجليز له في جبل طارق.سيدي أحمد ولد الأمير

باحث موريتاني مقيم بقطر

لعلاقة الموريتانيين مع البريطانيين في القرون الماضية معنى خاصٌّ ودِلالاتٌ لا أجدها عندَ غيرهم من الأممِ الأوروبية. فيها منافعُ ماديةٌ متبادلةٌ ومتنوعة، وفيها علاقاتٌ تجارية مربحة، إلا أنهالم تقتصرْعلى الجوانبِ التجارية وتبادلِ المنافع بل تجاوزتهما إلى التواصلالدبلوماسي والتأثير الأدبي.

 

البريطانيون والموريتانيون.. احترام وتقدير

 

في حدود سنة 1860 بعثت ملكة بريطانياإليزابيت الأولى هدايا ثمينة للشيخ سيدي أحمد البكاي بن الشيخ سيدي محمد الخليفة الكنتي مع رسالة شكر مختومة بالطابع الملكي، وربما يكون هذا الأمر أولَ مظاهر العلاقة الدبلوماسية لبلادنا ببريطانيا. كان سبب هذا الاحتفاء وتلك الرسالةإكرامَ الشيخ الكنتي للرحالة الجغرافي الألماني "هنريش بارث"، مبعوثِ صاحبة الجلالة إلى إفريقيا،الذي كان ثالثَ أوروبي يصل إلى مدينة تنبكتو سنة 1853.

 

وقد سبق أن زار هذه المدينةَ العريقةَالرحالةُ الإنجليزي "غوردون لاينغ" (Laing) الذي اغتيل في ظروف غامضة في 30 سبتمبر 1826، وزارها قبل بارث كذلك الرحالة الفرنسي رينيه كاييه ("ولد كيجه النصراني" كما يقول الموريتانيون) الذي حل بتنبكتو في 20 إبريل 1828 بعد أن مر بموريتانيا وأقام أشهرا بمنطقة البراكنة.

 

لقي "هنريش بارث"، أو عبد الكريم كما كان يسمي نفسه تخفيا وتخوفا، حفاوة وضيافة من الشيخ سيدي أحمد البكاي بن الشيخ سيدي محمد الخليفة بن الشيخ سيدي المختار الكنتي. وكانت رحلة "هنريش بارث"بتمويل بريطاني وبرعاية مباشرة من صاحبة الجلالة إليزابيت الأولى.وقد تحدث "بارث" باستفاضة عن حفاوة الشيخ الكنتي وضيافته في كتابه "رحلات ومشاهدات في شمال ووسط إفريقيا"

 

إلى جانب اهتمام ملكة بريطانيا بالشيخ الكنتي كان هناك اهتمام إنجليزي خاص بالعلامة الطالب أحمد بن طوير الجنة الحاجي الوداني رحمه الله تعالى. ويبدو أن الإنجليز جمعوا معلومات متعددة عن ابن طوير الجنة أثناء حجته الشهيرةفي ثلاثينيات القرن التاسع عشر، لكن هذه المعلومات التي زودهم بها قناصلهم في المغرب والجزائر، ومصادرهم في جمع الأخبار في تينك الدولتين، كان مبالغا فيها.

 

ترك ابن طوير الجنة موريتانيا سنة 1829 وقضى خمس سنوات في رحلته حيث عاد لمدينته وَدَانْ سنة 1834، وكتب نصا ترك فيه تفاصيل سفره وسماه: رحلة المنى والمنة للطالب أحمد بن طوير الجنة وقد ترجمها إلى الإنجليزية الباحث البريطاني هاري نوريس (H. Norris). كان مرور الطالب أحمد بالمغرب مناسبة هامة ولحظة حاسمة في رحلته حيث استقبله السلطان المغربي عبد الرحمن بن هشام في قصره مرارا، واحتفى به احتفاء منقطع النظير، وكان ذلك الاهتمام وذلك الاحتفاء من أسباب اهتمام الإنجليز بهذا الرجل الموريتاني. إلا أن مروره بمدينة الجزائر سنة 1831 ومعاملة الفرنسيين له، ولم يمرَّ على استعمارهم للجزائر غير سنة واحدة،كان غاية في الغرابة. فقد أكرموا  ضيافته لكنهم راقبوه بحيطة، ومنحوه هدايا وتحفا لكنهم حاولوا في نفس الوقت أن يمارسوا عليه إكراهات حتى يتسنى لهم أن يأخذوا منه بعض أخبار موريتانيا وطبيعة علاقاته هو بسلطان المغرب. كان ولد طوير الجنة في الجزائر بمنزلة الأمير الأسير أكرمه الفرنسيون لكنهم أحاطوه برقابة شديدة.

 

وفي ظني أن الإنجليز الذين كانوا يترصدون بحذر ويتابعون باهتمام بالغ التحرك الفرنسي في شمال إفريقيا ثلاثينيات القرن التاسع عشر، كانت قد بلغتهم معاملة السلطان المغربي عبد الرحمن بن هشام لابن طوير الجنة، كما بلغتهم من بعد ذلك معاملة الحاكم العسكري الفرنسي له في الجزائر، لكن المعلومات التي بلغتهم كانت فيها مبالغة وكان فيها إطناب؛ فتوهموا –فيما يبدو- أن الرجل سلطانَ بلاد شنقيط، وحرصوا على استقباله في مستوطنتهم بجبل طارق استقبال الأمراء. بل إن صحفا بريطانية في تلك الفترة بالغت في وصف الاستقبال الفخم والاستعراض المجلجل الذي خص به الحاكم العسكري البريطاني وممثل الملك وليام الرابع ملك المملكة المتحدة بمستوطنة جبل طارق ابن طوير الجنة، بل ذهبت إلى تسمية ابن طوير الجنة بملك شنقيط (King of Shinqit).

 

يقول ابن طوير الجنة في رحلته ما نصه: "فلما شرعنا في النزول على حاشية المرسى التي هي طرف المدينة ضربوا لنا عشرين مدفعا بلغتهم في المدافع وهي "الأنفاظ" بلغة حسانية بلادنا فرحا بنا وتكريما لنا. وسار بنا ولده إلى داره وصعد بنا الأب إلى علية عالية جدا هي موضع سكناه مع عياله كلهم. وأجلسونا عندهم ثلاثة أيام وأبطلوا البيع والشراء في تلك الأيام الثلاثة؛ وما ذلك كله إلا لتفريحنا وتبجيلنا. وهو في النهار يخرج بنا ليفرحنا بعساكره فيسطرهم سطرين كل واحد في يده بندقية ناصبا له مع رأسه كل واحد قدمه مع قدم صاحبه، ثم يأمرهم فيتفرقون فرقا فرقا، ثم يضربون بنادقهم كأهل الحرب. ثم يأمرهم فيمسكون."

 

ومن المنطقي أن يكون هذ الاستعراض الفخم الذي حرص الإنجليز على أن يراه ابن طوير الجنة وهو في ضيافتهم يعكس جانبا من التنافس الإنجليزي الفرنسي في القرن التاسع عشر، والذي كان القارة الإفريقية أحد أهم ميادينه.

 

هل كان عطيل بطل مسرحية شكسبير من موريتانيا؟

 

 رسم عطيل أو عطيل أو(Othello) بالإنجليزية، بطل مسرحية تراجيديةللكاتب الإنجليزي وليم شكسبيركما أنه عنوانالمسرحية نفسها. في اعتقادي أن ترجمة الشاعر اللبناني خليل مطران ومن بعده الفنان التشكيلي الفلسطيني جبرا خليل جبرا لكلمة (Othello) بعطيل ترجمة غير دقيقة، وفي ظني أن الصواب أن يترجم بمَعْطَ الله. من السهل على من قرأ نص المسرحية بفصولها الخمسة أن يفهم أن عطيلا لم يكن مغربيا وإنما كان حرطانيا موريتانيا؛ فحينمايصف شكسبير (Othello) بقوله في نهايات المسرحية: "رجل إذا انفعل درّت عينه، وإن لم يكن الذرف من دأبها،  دموعا سراعا كما تدرّ أشجار العرب صمغها الشافي"، يجد في هذه الجملة إشارة دالة واستحضارا جليا لموريتانيا. ولأن موريتانيا كانت أهمَّ وأبرزَ مُصَدِّر لمادة العلك نحو أوروبا من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر فمن المنطقي أن يكون المقصود بما في نص شكسبير غابات القتاد "أيروار" المنتشرة بكثرة في موريتانيا والتي كان لاقطو الصمغ العربي "العلك" يعتمدون في استصماغها على ما بات يعرف محليا بـ"سيره". وهي حسب الأديب البحاثة محمد فال ولد عبد اللطيف:"نوع من لقط العلك يعتمد على نزع القشرة عن جذع الشجرة فيسهل بذلك سيلان العلك فيلقط بعد أن يجف على جذوع الشجر. ومن لاقطي العلك من يكتفي بفصد الجذع فيخزه بحربة أو فأس عدة وخزات."فسيلان دمع عطيل أو "معط الله"مدرارا، وتشبيهه بسيلان العلك من شجر أيروار، صورة أدبية لا يمكن في نظري إلا أن تكون مستوحاة مما هو شائع في البيئة الموريتانية. ومن غير المستبعد أيضا أن تكون أخبار الصمغ العربي المستجلب من موريتانيا، وأخبار بلادنا التي كانت على صلة بالتجار الإنجليز وغيرهم،قد وصلت مسامع شكسبير فاستلهم منها بعض فقرات سرده وخصوصا ما يتعلق باسم بطل المسرحية وما يتعلق كذلكبالعلك وظاهرة استصماغه المعروفة بـ"سيرة".

ومعروف أن شخصية عطيل أو "معط الله" في هذا النص المسرحي الشكسبيري شخصية رائعة فهو جنرال عربي مسلم، غالب ظني أنه موريتاني تحديدا، وهو من جيش بمدينة البندقية الإيطالية وزوجته ديمونة ومساعده الملازم كاسيو... ويقدم شكسبير شخصية عطيل أو "معط الله" بنفَس إيجابي على الرغم من كونه عربيا مسلما؛ وهو أمر غير مألوف في الأدب الإنجليزي في زمن شكسبير، حيث من العادة وصف العرب وغيرهم من ذوي البشرة الداكنة بالأشرار المتوحشين.

 

الإنجليز والموريتانيون.. تقارب في فترة الحروب النابليونية

 

علاقة الإنجليز التجارية بموريتانيا قديمة جدا؛ حيث نجد الوثائق تتحدث عن نشاط تجاري إنجليزي على الشواطئ الموريتانية في عهد الأمير التروزي اعلي شنظورة، حين كانت أساطيل شركات تجارية من بريستول ومن لندن ترسو على الشاطئ الموريتاني بآرغين قرب نواذيبو منذ 1703 إلى جانب الأسطول الهولندي الألماني، وقد توقف ذلك النشاط التجاري عندما احتل الفرنسيون جزيرة آرغين وحطموا ما فيها سنة 1724.

 

 رسالة أمير الترارزة اعلي الكوري إلى ملك بريطانيا جورج الثالث. رسالة أمير الترارزة اعلي الكوري إلى ملك بريطانيا جورج الثالث.وبعد حرب السنوات السبع بين بريطانيا وفرنسا أو حرب "العلك" انهزمت فرنسا واحتل الإنجليز مدينة سينلوي فوطدت بريطانيا علاقاتهابالبراكنة والترارزة وذلك في فترتين تاريخيتين مهمتين وكلتاهما مرتبطة بالوجود الإنجليزي في مدينة سينلوي "اندر". ذلك أن البريطانيين طردوا الفرنسيين مرتين من هذه المدينة التي يعتبرها الفرنسيين مجالهم الحيوي والاستراتيجي في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. وفي هاتين الفترتين كانت العلاقة الموريتانية البريطانية مباشرة ومتصلة حين كانت بريطانيا تدير مدينة سينلوي. كانت الفترة الأولى إحدى وعشرين سنة من 1758 إلى 1779، في حين كانت الثانية ثماني عشرة سنة وتمتد من 1809 إلى 1817. وظل الفرنسيون ينظرون إلى الوجود البريطاني بالمنطقة وإلى علاقات الإنجليز بالموريتانيين على أنها أمر غير شرعي حتى استعادوا المدينة السنغالية ووضعوا حدا للعلاقات الموريتانية الإنجليزية وكان ذلك في نهايات الحروب النابليونية. ولم يكن مصرع محمد فال ولد عمير، النبيل التروزي، من طرف إبراهيم والد بن أعمر بن المختار سوى تجسيد للصراع التروزي بين حلفاء بريطانيا (عمير بن سيدي المختار وابنه محمد فال وحليفهم امحمد بن اعلي الكوري) وبين حلفاء فرنسا (أعمر بن المختار ومن معه من الترارزة). وقد قتل محمد فال بن عمير عند الجريدة على الشاطئ الأطلسي في بداية هذا الصراع قتله إبراهيم والد بن أعمر بن المختار في مارس 1822م وبمصرعهنشبت الحرب بين أبيه عمير بن سيدي المختار وطائفته وبين أمير الترارزة أعمر بن المختار وطائفته.

 

كان الإنجليز كذلك يغدقون على أمير البراكنة المختار ولد آغريشي بإكرامياتهم السنوية المتنوعة والمتعددة وكان ذلك قبل 1767. والمختار هذا هو الذي سيوقع مع التاجر الفرنسي جان-بابتيس ليونار دوران (Jean-Baptiste Léonard Durand) اتفاقية بركنية فرنسية في 10 مايو 1785 تنص بصراحة وصرامة على إلغاء البراكنة لجميع التعامل والتعاون المباشر وغير المباشر مع الإنجليز مع منح الأمير المختار مكافأة سخية فيما لو أوقف أي قافلة للصمغ متجهة نحو ميناء هدي (Portendick) على الشاطئ الأطلسي.

 

راسل الأمير التروزي اعلي الكوري المقتول يوم انْگِريْن بمنطقة الكرعان بالترارزة سنة 1786م، ملك بريطانيا جورج الثالث رسالة محفوظة في الوثائق البريطانية بلندن وهي بخط سيدي أحمد بن محمذن بن المختار بن أشفغ موسى اليعقوبي ومؤرخة بسنة 1782. وقد عثر عليها زميلنا الشاب الألماني الباحث فيليب تيل كولترمان ونشرها مع أستاذه ألريخ روبشتوك في مقال لهما مشهور سنة 2006. يقول اعلي الكوري في نهاية تلك الرسال الطريفة: "أنا أخوك شيخ البيضان، نطلب معونتك بهذا. فانجليسيس والترارزة واحد".

رسالة أمير الترارزة اعلي الكوري إلى ملك بريطانيا جورج الثالث تركز ضمن ما تركز على صراع الترارزة مع الفرنسيين وتطالب بحلف تروزي إنجليزي في مواجهة الفرنسيين وضرورة تقوية الصداقة بين الموريتانيين والإنجليز.

 

 

انتهى.

 

 

للاتصال بسيدي أحمد ولد الأمير:

ahmeds@aljazeera.net

ouldlemir63@gmail.com

 

العلاقات الموريتانية البريطانية.. هل كان عُطيْل البطل الشكسبيري موريتانيًّا؟

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox