مذكرات هيدالة .........قراءة من وجه آخر
الجمعة, 17 مايو 2013 18:22

عنوان المذكرات هكذا وجد الرئيس السابق محمد خونة ولد هيدالة الوقت مناسبا ليروي مذكراته ,ومن هنا يلقي بأضواء كاشفة علي حقائق يجد في نفسه أنه يملك من تفاصيلها أكثر من غيره . خاصة أن فترة حكمه بالنسبة للعاملين في الحقل الإعلامي تعد شحيحة المصادر, وإذا لم يكتب عنها شيء فهي معرضة للغرق في بحر النسيان. 

فترته في الحكم والممتدة من ( 1979 – 1984 ) كانت البداية الفعلية لترسيخ حكم العسكر وهنا سارعت إلي اقتناء الكتاب وقراءته  وهو ما مكنني من الخروج بمجموعة من النتائج حاولت حصرها فيما يلي :                                
أولا :
جاءت المذكرات في التوقيت غير المناسب  28 سنة بعد مغادرة السلطة , الشيء الذي أفقدها بريقها وأثر في وزن قيمتها الإخبارية ولم يساعد في الحفاظ علي قيمتها المالية وحولها بالانتظار من حياة إلي تاريخ.. كان التوقيت المناسب فترة السجن والأيام الأولي لهبوب مناخ الحرية.
لو سارع الرجل إلي تدوين يومياته, لفتح جروحا في جسم النظام الجديد ووفر علي الأمة عقدين من الاستبداد . صحيح أن الكتاب سيتعرض للمصادرة بحكم مناخ الحريات في تلك الفترة , لكن في المقابل سيزداد الطلب عليه وتتضاعف قيمة المعلومات التي يحويها بين دفتيه : فما يعرفه الرئيس هيدالة   عن ولد الطايع .....أجواء العمل التي ربطتهم منذ 1978 حتى 1984, السر وراء الثقة التي منحها له ؟,صداقة قديمة أم كفاءة مهنية أحيتها مصادفة إمساك العسكر بالسلطة ؟’أم جدار الصمت والعزلة الذي أحاط ولد الطايع به نفسه وشكل السياج المنيع الذي حماه من فتك الوشاة؟ .
ثانيا :
العنوان لم يكن دقيقا, فثنايا الكتاب بدأت وأفاضت في مراحل سبقت – القصر  وبالتالي فإن العنوان المناسب له هو : ( كانت فرصة ........).بأوجه متعددة  من أبرزها  فرصة وضع قطار  السلطة  علي السكة بعد أن تسلم مقاليد الأمور بعد الرحيل المفاجئ لولد بوسيف 1979 . وذلك من خلال الإدراك بيقين  أن – خط –  السير المناسب للوصول إلي السلطة بالنسبة لأفراد المؤسسة العسكرية  هو خط – الجنرال ديجول – الخروج من الخدمة العسكرية ,انتظار لشكل التطورات المقبلة حتى تلوح الفرصة المناسبة  لبداية الرحلة في محاولة  الإمساك بمقود السلطة.
ثالثا : قصر المدة في السلطة ( 5 سنوات ): كان نعمة أم نقمة ؟
بحكم خط السير الذي أخذه الرئيس السابق منذ وصوله للسلطة 1979 ,لم يكن مسيطرا علي تفكيره غير ترسيخ دعائم سلطته. لم يكن هناك وعي بالظرفية الدولية المناسبة  ( أسعار زهيدة للطاقة  ..)واقتصاديات الدول المانحة في قمة أيام عزها بما يسمح لها ببسط يدها في الدعم , كلها عوامل مساعدة في بناء تنمية حقيقية. في فترته القصيرة في السلطة  لم توضع خطط محكمة تأخذ من تجارب الغير, تنهل من المزايا وتتجنب الأخطاء وهذا ما أدي إلي تردي قطاعي التعليم والصحة وقطاعات أخري إلي الهوة التي توجد بها.
بكلمة كان قصر مدة ولد هيدالة في السلطة , نعمة بالنسبة للأمة, فخط السير وفريق العمل الذي أحاط هيدالة به نفسه لا يبعث علي التفاؤل ونعمة له هو شخصيا إذ أنه لو استمر في السلطة فترة بمقياس مدة ولد الطايع (قرابة 21 سنة) لزاد ذلك من ثقل حجم مسئولياته  في ميزان تاريخ الدولة الموريتانية.
رابعا : تراكمات التاريخ وثوابت الجغرافيا
من المغرب شمالا وحتى أدغال القارة الإفريقية الفرنسية سابقا, كانت هناك فصول لقصة من تاريخ حديث وجغرافيا لها سلطانها في تحريك عجلة من الانقلابات العسكرية  انتقلت من بلد إلي آخر . انحرفت  عن بلد واحد ( السينغال ), الاستثناء الذي يؤكد القاعدة . لم يقرأ هيدالة تجربتي انقلابي اصخيرات 1971 وانقلاب الجنرال أوفقير 1972 : (الحذر من الأصدقاء مرتين........ ومن الخصم مرة واحدة... ) ومن حسن حظه أن من خلفه علي الكرسي الوثير العقيد معاوية  إن كان قد قرءها وساعدته في الوصول إلي مبتغاه فقد نسيها وهنا كانت نهايته.
 مرة أخري لم يقرأ هيدالة حادثة 16 مارس  بعناية وتوقف عند حدود القاء القبض على المجموعة الانقلابية . لم يفهم أنه بالرغم من حسمه للمعركة وبعد صمت المدافع , أن 16 مارس هزمن صورة النظام ومس من هيبته .وبقيت هناك رسالة صامتة تردد في أذهان المقربين من الرئيس : حان وقت إثبات الذات .....موقع ملائم وتوقيت مناسب , هكذا   مفتاح   النجاح في إزاحة الزعيم الأوحد.
خامسا : الحرب العراقية الإيرانية , كان اندلاع هذه الحرب خسارة حقيقية للأمة الإسلامية فقد شغلتها في صراع جانبي هدر للأرواح والأموال. أما بالنسبة لبلادنا فقد حرمتها من شريك في التنمية فتح ذراعيه منذ وصول الرئيس صدام حسين للسلطة 1979 . لم يدرك نظام هيدالة فرصة الأشهر القليلة التي سبقت اندلاع الحرب ليتقدم بطلبات بسقف حاجة البلاد.
سادسا : العقيد  أحمدو ولد عبدالله , عفة مع المال العام وزهد في السلطة . كان هذا هو الميسم الذي يحمله العقيد الراحل . هذه الخصال الحميدة بدل أن تجلب له التقدير والتكريم , كانت بالنسبة له مجلبة لرحلة من المتاعب والمضايقات ,العزل أحيانا والتعين في مناصب لا تناسب مقام الرجل. هكذا كانت البداية مع هيدالة  وأخيرا جاءت  النهاية  مع ولد الطايع.
اعتذار العقيد أحمدو عن تسلم السلطة وكما ورد علي لسان الرئيس هيدالة ( ص90 )." إنكم ستحرقونني بسرعة ". موقف عتبه عليه الكثيرون  وممن عرفوه عن قرب , لكن الأيام صدقت مخاوفه. تكررت المحاولة واختلف الزمان واختلف الأشخاص وهنا نستحضر   سباق رئاسيات 2007 , دفع المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بشخصيتين ( سيدي ولد الشيخ عبدالله , الزين ولد زيدان ) , تم اختيارهما بعناية ,كاد الشوط الثاني يكون منحصرا بينهما . وتم التخلص منهما تبعا. مرة أخري كانت شكوك العقيد أحمدو في محلها.
العروض السخية في تولي المناصب المرموقة , تحتاج التروي والحذر ممن هبطت عليهم مظلة الحظ.
سابعا : طائرة تجكجة   1980 ثاني حادث يصيب طائرة عسكرية بعد طائرة ولد بوسيف 27 مايو 1979 , لم يرد في الكتاب كلام عن المأساة بالرغم من كون الضحايا نخبة من أفراد المؤسسة العسكرية .  ؟     لم يتوقف ليتأمل أن غياب الضباط ( محمد فال ولد لمرابط ,أبوه ولد المعلوم,سوماري سلمان).  مهد السبيل أمام المتسابقين للكرسي الرئاسي .                               .                                                                                                            
ثامنا: أوفى الأصدقاء مولاي هاشم , لم ينل الرجل حقه من صفحات الكتاب . كان عليه بالأحرى  أن  يركز كلامه بهذا الشأن علي الجانب الإنساني من رحلة صديقه مع السجن ,خرج منه بهدوء بعد سنتين وذلك أوائل 1987 ,ليعاد إليه قسرا في صفقة مشينة مع نظام الرئيس السينغالي السابق عبدو ديوف. هكذا عادت أسطوانة السجن بدون محاكمة من البداية . 
تاسعا : شعار خارج الزمن
أوائل الثمانينات أطلق الرئيس هيدالة سياسة  ( الاعتماد علي النفس ) ,الدولة بمواردها وبجهود أبنائها قادرة علي بناء نهضتها وهنا لا حاجة لاستجداء الدعم الأجنبي .هب الجميع حكاما ومحكومين لتطبيق السياسة لم يسجل أحد تحفظا. هكذا حال الشعب الموريتاني مع  الزعيم الأوحد  منذ أيام الحاكم الفرنسي.
بلغ الزهو بهذه السياسة حد أن حاول أحد الصحفيين أخذ رأي القائد الليبي الراحل معمرالقذافي أثناء زيارة لنواكشوط صيف 1983 : ما هو رأيكم بشأن سياسة الاعتماد علي النفس التي أعلنتها بلادنا ؟ كيف تعتمدون علي أنفسكم وآمريكا التي تملك في باطن أرضها من معادن ما لا تملكه أي دولة في العالم ناهيك عن سهول الميسيسيبي لا تعتمد علي نفسها ؟ ألا ترونها تستجدي هنا وتنتزع هناك . ألم تبن نهضتها علي إغراء علماء الدنيا بعروضها المغرية ؟ راجعوا سياستكم إنها غير معقولة . 

عاشرا: فلسفة التعيين
من خلال ما ورد علي لسان الرئيس السابق من صراعات بين أجنحة اللجنة العسكرية. رئيس أحاط نفسه برجالات من الوزن الثقيل : ( ولد بوسيف , كادير , هيدالة , أحمد سالم , جدو , ) ينظرون إلي منصب الوزارة كمحطة في الرحلة إلي القمة, رئيس أيامه  في السلطة معدودة , ذلك ما حصل مع المصطفي. وهذا ما تفاداه ولد الطايع  عندما جعل حجر الأساس  في فلسفة التعين المعتمدة لديه هو تفادي هذه المواصفات  و هنا مكمن  السر الحقيقي في طول الفترة التي قضاها ممسكا بمقاليد السلطة.
احد عشر : صورة مرعبة
يقول الرئيس السابق وبالحرف ونقلا عن شهادة من طبيب معروف ( افاسا ): بعد إلقاء القبض علي كادير ,فقد روي لي هذا الأخير : أنه وجدهم يضربونه فطلب منهم التوقف ....ص 127 . تجاهل هذه الشهادة وعدم التوقف عندها وتوجيه الأوامر المناسبة في هذا الاتجاه   كانت له  عواقبه الوخيمة علي حياة معتقلين علي ذمة محاولات إنقلابية بعد خروج ولد هيدالة من السلطة .كان بإمكانه استئصال جذور أسلوب التعذيب من أساسها وفي التوقيت المناسب.
أثنى عشر : الصدام مع الحركات السياسية ,حركات لم تكن تنشد أكثر من الاعتراف بالوجود سقف منخفض جدا لا يبعث علي القلق بالنسبة لرئيس يمسك بكل خيط في السلطة .الاعتقالات التي نجمت عن ذلك وفرت سببا أخلاقيا لمن يريد التحرك ضد النظام .
ثلاثة عشر
رئاسيات 2003  : لعل أهم نجاح لهيدالة في رحلته مع السياسة هو عودته لينتزع موقع المنافس رقم – 1    لنظام ولد الطايع بفضل برنامج انتخابي ودعم حركات سياسية وشخصيات مستقلة وهذا ما شكل مفاجأة بالنسبة للنظام السياسي في ذلك الوقت.حيث كان علي يقين تام أن الحياة السياسية لمحمد خونة ولد هيدالة قد انتهت يوم 12  12  1984  كيف يمكن الصعود إلي هذا الموقع دون الاعتماد علي الدعائم المعروفة في الساحة السياسية الوطنية : الجهة , القبيلة , الفاعلون الكبار في دنيا المال والأعمال  أو يد خفية من المخزن؟ . لأول مرة في  تاريخ الساحة السياسية الوطنية يكون للبرنامج الانتخابي جاذبية لدي الناخب العادي وهنا السر وراء ارتفاع مد الطوفان البشري في مقرات حملة المرشح و ذلك ما أفزع نظام ولد الطايع وجعله يفرط في استخدام سلاح التزوير , الشيء الذي جعل الرأي العام ينسي نتيجة  الانتخاب بعد يوم من إعلانها . لوترك ولد الطايع المعركة الانتخابية في خط سيرها إلي شوط ثان لكانت النهاية بشكل مختلف , الخروج من بوابة الانتخابات أكثر كرامة من بوابة الانقلابات.مع مطلع الألفية الثالثة.
أخيرا : الطاقم الصحفي الذي كان له الفضل في إخراج الكتاب, فيما يبدو لمن يكن من ضمنه من ذاق طعم أيام هيدالة في السلطة حلوها ومرها ,فترة زمنية من كان علي دراية بما جري فيها  يمكنه الوصول إلي المدي المطلوب في دقة تصويب الأسئلة  بما يجعل الرئيس هيدالة يخفف الضغط علي الفرامل ويدلي بمعلومات كان يحرص علي تركها في طي الكتمان . الشئ الذي سيكون له أكبر الأثر علي وزن وقيمة المعلومات التي يحويها الكتاب بين دفتيه.
اسماعيل ولد الركاد
22039700.

 مذكرات هيدالة .........قراءة من وجه آخر

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox