بين التصوف والسلفية في بلاد شنقيط (موريتانيا) /الحلقة الثانية
الاثنين, 27 ديسمبر 2010 18:13

الهادي بن محمد المختار النحوي السلفية :نشاتها ومنهجهاتناولنا في الحلقة الماضية مفهوم التصوف والمدارس الصوفية في موريتانيا ونخصص هذه الحلقة لنشاة السلفية ومنهجها قبل التحدث عن السلفية ونشأتها في موريتانيا سنعرِّج قليلا على نشأة السلفية وأسسها الفكرية ثم حال السلفية في عهد دولة المرابطين. السلفية جماعة ظهرت في القرن الرابع الهجري، وهي تركز في دعوتها على جانب العقائد، وله مسائل خلافية كثيرة مع الجمهور، تتعلق بالعلاقة بين النص والعقل والتأويل والاستغاثة والتوسل. وتعد حسب ذلك المنهج من أكثر الفرق الإسلامية تشددا. وهم ينسبون آراءهم إلى الإمام أحمد بن حنبل. وتجدد ظهورها في القرن السابع الهجري على يد أحمد بن تيمية الحراني، ثم أحياها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري. وهم في منهجهم يعتمدون في العقائد على ظاهر النص دون العقل، فابن تيمية يرى أنه لا سبيل إلى معرفة العقائد والأحكام، وكل ما يتصل بها إلا من ظاهر القرآن والسنة. يقول الإمام محمد أبو زهرة إنهم يجعلون العقل سائرا وراء النقل يعززه ويقويه، ولا يستقل بالاستدلال بل يقرِّب معاني النصوص. وهم يرون أنه ليس للعقل سلطان في تأويل القرآن الكريم وتفسيره وتخريجه إلا بالقدر الذي تؤدي به العبارات وما تضافرت عليه الأخبار. وإذا كان للعقل سلطان بعد ذلك فهو في التصديق والإذعان وبيان تقريب المنقول من المعقول وعدم المنافرة بينهما، فالعقل يكون شاهدا ولا يكون حاكما ويكون مقررا مؤيدا ولا يكون ناقضا ولا رافضا ويكون موضحا لما اشتمل عليه القرآن الكريم من الأدلة. فالسلفيون لا يؤمنون بالعقل لأنه يُضل ولكن يؤمنون بالنص وبالأدلة التي يومئ إليها النص لأنه وحي أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (8)ومن أكثر ما يميز السلفية المعاصرة توسٌّعها في معنى البدعة حتى صار كل مستجد بدعة بغض النظر عن تغير الأحوال وتبدُّل ظروف الناس وتجدد متطلبات الحياة، فكأنما يريدون أن تظل الناس تعيش في جمود ودون تطور مع دعوى اتباع السلف في ذلك. حتى أنك لو طبقت مفهومهم للبدعة فإنك ستجدهم وقعوا في بدع كثيرة حسب قواعدهم. وهذا المنهج جعلهم يخافون استعمال العقل ويتمسكون بالنصوص وفهم السلف ربما التماسا للأمان ومخافة الوقوع في الخطأ فطلبوا السلامة في الاتباع، فلذلك كانت المدرسة الحنبلية قديمها وحديثها تتشبث بالنصوص ولا تمنح العقل نصيبا في الأمر سوى التسليم والتصديق بمن سبقوها فتحولت إلى مذهب ظاهري أو ظاهرية القرن العشرين كما وصفهم الشيخ يوسف القرضاوي. يقول الدكتور مختار الغوث: "المدرسة الحنبلية كانت أكثر ما تعنى به النصوص (الكتاب والسنة)، ومحاولة فهمها في حدود الظاهر. ومن حسناتها العودة إلى نصوص الوحي بدلا من الوقوف عند أقوال متأخري العلماء وترداد ما في المتون والحواشي، لكنها قصَّرت في تعلم العلوم العقلية؛ فكانت أشبه بالظاهرية. وكل ذلك لأنهم خافوا شطحات العقل لكنهم في المقابل وقعوا في شطحات النقل. وبلغ فهم السلف عندهم درجة التقديس مع أن السلف اختلفوا في الفهم وهم ليسوا معصومين كما أنهم على درجة متفاوتة من الفهم. ويضيف الدكتور مختار في هذا السياق: "فالسلف ليسوا مصدراً من مصادر التشريع وإنما فهمهم واجتهادهم هو فهم أهل حقبة مباركة واجتهادهم، وقد يأتي من هو أعلم من بعضهم، فيخالفهم، فلا يكون رأيهم أولى بالقبول من رأيه، لأنهم سلف وليس من السلف. وقد اختلف السلف في كثير من المسائل، فبأي أقوالهم يؤخذ، إذا كانت مخالفتهم لا تجوز؟ هل كلها صواب وقد تكون متناقضة أو مختلفة؟ ثم ما الذي جعل الاجتهاد حقا للسلف دون غيرهم، وهم جميعا مخاطبون بالشرع؟ ... لذلك لا ينبغي أن يحكَّم أهل قرن في علم دون أهل قرن آخر، مهما بلغوا من الفضل، فـ"لم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خصَّ به قوما دون قوم، بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده في كل دهر"، كما قال ابن قتيبة. (9).إلا أن التمسك بظاهر النصوص لا تختص به السلفية وحدها فأهل التصوف ينزعون أحيانا إلى هذا النهج ويجتمعون مع السلفية في بعض الأحوال في التمسك بالنص والتقليد المذهبي مع الاختلاف الشديد على مستوى العقائد. وإن كان هذا الاختلاف ينحو منحى لفظيا في أحوال معينة؛ ولذلك وقعت المدرستان وإن بنسب متفاوتة، في تغليب النص وإغفال العقل وأهميته في فهم النص والتعامل معه. ونحن حين نقول إنها أهملت العقل نريد نريد بمعنى آخر أن نقول إنها غيبت المقصِد الذي لا يدرك إلا بالعقل، ونظرت إلى النص الذي قد يكون في بعض الأحيان مقتصرا على بيان الوسيلة إلى المقصد، وكان اقتصاره عليها في إبان تنزله مسوَّغا بوضوح المقصد، لوضوح العلاقة بينه وبين الوسيلة عند من أنزل عليه الوحي، أما فيما تلا ذلك من الزمان فقد كان النص في حاجة إلى العقل لتبيُّن المقصد الشرعي منه، وما يقتضي تبيُّنه من تطلُّب وسيلة قد تخالف الوسيلة المنصوص عليها، التي إذا استصحبت على كل حال وفي كل زمان تعطل حصول المقصد، وصار النص أقرب إلى الإصر منه إلى دفع المضرة وجلب المصلحة. وهذا هو الجمود الذي تُمْنى به السلفية، ويجعلها غير قادرة على مسايرة تطور الحياة، وهو مظهر من مظاهر عدم الفقه. ولا يصح عزل الوحي عن العقل، فهو المخاطب به، ومتى عزل عنه كان العمل به تطبيقا حرفيا، يصيب المقاصد أو يخطئها من غير أن يدري، ويفهم الأمور فهما بعيدا عن المراد منها، ومن ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم الطائي، حين مال إلى الفهم الحرفي للنص من غير أن يفقه المراد منه، لأنه نظر إلى الدلالة اللغوية للكلمتين (الخيط الأبيض والخيط الأسود)، من غير اعتبار للسياق الذي وردتا فيه، وللغاية المرجوة من الآية، وهي وضوح تميز الصبح من الليل، فقال له: "إنك لعريض القفا"، أي أحمق. وكذلك من توقف عند ظاهر النص، ولم يُعمل العقل فيه ليتبين مقاصده، ويفقهه فقها يوصل إلى مراد الله منه، لا بد أن يضل عن غايته، وإن ظن أنه حين يفعل ما يفعل يكون أقرب إلى التسليم لمراد الله، وتقديم كلامه على العقل الذي ليس بمعصوم.هل تمثل السلفية جمهور علماء الأمة ؟يزعم بعض السلفيين أنهم على ما كان عليه السلف لكنهم انتقوا من السلف أعلاما دون سواهم واختصروا فيهم الأمة وأصبحوا هم المرجع وهم الذين يحتكم إليهم في كل القضايا الشرعية. وغيرهم ليس من أئمة السلف لأنهم إما أصحاب بدع وضلالات أو أنهم ليسوا أهل تحقيق. فمنهم أئمة السلف عندهم؟ يقول الدكتور محمد موسى الشريف: "يذهب بعض الناس إلى أن القدوات هم من كان في زمان السلف الصالح مثل القرون الثلاثة المفضلة فإذا أضاف إليهم أحدا فإنه يقفز قفزة عظيمة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم رحمهما الله , ثم إنه يقفز قفزة أعظم حتى يأتي إلى شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى, ثم يعمد إلى الزمان الحاضر فيختار أشخاصا يقصر الإقتداء بهم (10). وعجيب أن تختزل الأمة بأعلامها العظماء الذين صنعوا التاريخ والحضارة، وكانوا رموزها وواجهتها في كل شيء حتى لا تُعرَف إلا بهم، أن تختزل في بضعة من الرجال! إنه إقرار بأن هذه الأمة التي قال الله فيها: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) أمة مفلسة، والخير فيها قليل، والضلال كثير!

بين التصوف والسلفية في بلاد شنقيط (موريتانيا) /الحلقة الثانية

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox