"الظَّوْمْ".. على طريقة الشعراء:
الخميس, 13 يونيو 2013 11:24

تضرب المبالغة الشعبية الساذجة بين الحاكم و المحكوم بسور تضليل وهمي له باب باطنه فيه السطحية و ظاهره من قبله "حب العافية" !، و تدب حُميا معمول "المبالغة" المسكر حد الثمالة و يسري مفعوله المنوم حسب "زيادة الجرعة" و تبعا لدرجة "التأثير" و مستوى التعاطي.

و بين إدمان التسليم الأعمى و تصلب شرايين الإحساس، تتفاوت خطورة تأثير هذا المشروب السحري "الرسمي".. لكن شعراء ثائرين (زكمتهم –علي مايبدو-نسمات الربيع العربي قبل أوانه !)تمردوا على هذا "الواقع الوهمي!" و قرروا كشف وهن بيت "البرجوازية" العنكبوتي.. فانتقدوا سياسة السلطة و أداء  الحكومة و تصرفات الوزراء.. ناطقين باسم الشعب، حاكين على لسان المواطن، مترجمين عن الواقع المعيش... فهذا ابن عُنَيْنٍ الشاعر "يتهم" رأس السلطة فى الدولة: (الملك العادل الأيوبي) باستغلال خزينة الدولة لأهدافه الشخصية و بمحاربة المواطنين في لقمة عيشهم و مصادرة حقوقهم و مستحقاتهم موافقا "حزب الدولة الحاكم" و أنصاره فى وصف "سيادته" بأنه (سيف قاطع)، مجريا تعديلا أدبيا طريفا في مسار دلالة ها الوصف ليخرجه من سياقه الذي أوردته فيه "الموالاة" و يدخله فى سياق ذي صلة بخطاب "المعارضة" فقال:

إن سلطاننا الذي نرتجيــــــه       واسع المال ضيق الإنفاق

هو سيف (كما يقال) و لكن       قــاطع للرسوم و الأرزاق

و عززت بثانٍ؛ شاعر قرر أن "يظوم" -على طريقته الخاصة- فى الوزير الأول "رأس حكومة" المستعصم العباسي: مؤيد الدين ابن العلقمي الشيعي، و كان "معاليه" قد تولى الوزارة خلفا لرئيسها علي بن الفرات، لكن ابن العلقمي سار فى "الحكومة" سيرة سيئة كرس من خلالها الطائفية و ختمها ببيع الدولة للاحتلال الأجنبي: التتار، فقال فيه الشاعر –فى حرقة و مرارة:

يا فرقة الإسلام نوحوا و اندبـــــوا        أســـــــــــفا على ما حل بالمستعصم

دَستُ الوزارة كان قبل زمــــــانه         لابن "الفرات" فصــار لابن "العلقم"

و وجه "ظومة" الشاعر يكمن في المفارقة الدلالية بين اسمي شهرة الوزيرين: ابن الفرات و ابن العلقمي؛ إذ تدل لفظة (الفرات) على حلاوة الطعم، بينما تحيل لفظة (العلقم) إلى مرارته!

ولا يذهبن عنك -عزيزي القارئ، بعد هذا- أن للنقد السياسي آثارا جانبية تشيل فيها كفة التندر الشخصي الجارح كما حدث مع أحد شعراء الدولة العباسية الذي تندر بــ "رأس الوزارة " ابن مقلة و كان "معاليه"  قد تولى هذا المنصب مرات فى فترات ثلاثة أنظمة حكم متعاقبة و كان –فى كل مرة- يكرم و يعظم و يتسع نفوذه ثم يعزل، قبل أن يحبس و يطرد و تقطع يمينه فى عَزلته الأخيرة، ليعود إلى الوزارة عودا أحمد! حسب الناس أنه لن يعزله منه إلا الموت على فراش المنصب !، فأنشأ الشاعر العباسي –عادلا عن النقد السياسي (من جهة "مزاجية التعيين" و "تولية رموز الأنظمة البائدة المناصب السيادية الحساسة"-مثلا!) مفضلا السخرية الشخصية اللاذعة مبينا أن عزل الوزراء (عادة) طبيعية "تقع فى فترات متقاربة" مشبها اطمئنان ابن مقلة إلى بقائه "على رأس الحكومة" و يأسه من العزل بامرأة أدركها (سن اليأس) قائلا:

.. و قالوا العزل للوزراء حيض        لحاه الله من أمر بغيـــــــــض

ولكن الوزيــــــــــــــــر أبا علي        من اللائي يئسن من المحيض!!

و مع أن الشعراء –إلا الذين آمنوا منهم و عملوا الصالحات.. – يهيمون فى كل واد و يتناقضون.. إلا أن اتهاماتهم (الخطيرة) لـ"ـصناع القرار" بـ"ـممارسة الفساد" و "الاستبداد" و "الخيانة العظمى" بحق المواطن و الدولة و الأمة لا يعقل أن تنشأ من فراغ، فلا جرم قد تجد لها مستوى من المصداقية يعززها، أو –على الأقل- مثقال ذرة من وجاهة يوجهها، ثم إن بينها –عادة-  رابطا وثيقا و قاسما مشتركا يشفع لها بالجواز في مخيلة الجمهور، و يأذن لها بالمرور عبر ذهن المتلقي ذلك هو: روح الوطنية، و استشعار المسؤولية، و حمل هموم المواطن المظلوم، و الخروج من ضيق المنفعة الذاتية  المجردة إلى سعة المصلحة العامة المجهرية ، و كل أولئك قيم إنسانية تعكس صدق الانتماء للوطن و الانحياز للشعب و إنما يؤتى هذا النقد (السياسي/الاجتماعي) من قِبل "التأويلات التسييسية المغرضة" التي تربطه –تلقائيا- بـ( الدعاية الحزبية) و (الاستهلاك السياسي) مع أن الأصل فى ابن الشعب –"الوطني" الحق أنه "معارض بالفطرة" قبل أن يكون (معارضا) أو (مواليا) بـ"ـالتصنيف"!

.. و لئن حملت مثل هذه "الظلامات السياسية" توقيع السخرية و مُهرت بطابع التندر و أودعت طرود الفكاهة.. فذلك بأن: "شر البلية ما يضحك!!

صدر على عجز

إن قال قائل أو كتب كاتب أنني قررت أن "أظوم" –نثرا- فى من "طفگته ثنية الرّْشَ" على طريقة الشعراء فهو و ذاك! على أنها -إن صحت-"ظومة" ابن شعب –وطنيِّ- يدرك شَبَهَ كل "ليلة" حاضر بـ"ـبارحة" ماض نفت النوم عنهما كوابيس المفارقة المبكية و بلابل البلية المضحكة..

اشريف بن محمد يحيي

 

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox