هل يعصف التصحيح بمصداقية الباكلوريا/عبد الله السالم بن محمد يحيى
الأحد, 30 يونيو 2013 11:54

رغم الفساد الذي أحرق الأخضر واليابس طيلة حكم نظام العاشر يوليو 1978 الذي استبشرنا في 3 أغشت 2005 بما ظننا أنه نهايته، إلا أن قطاعا واحدا ظل يحافظ على نسبة من الشفافية والمصداقية، إنه تصحيح الامتحانات الوطنية، وخاصة الباكلوريا، وأنا على ذلك من الشاهدين، فقد بقيت طيلة ذلك العهد عصية على الفساد، ويكفي أنه حين تسرب الامتحان سنة 2000 بادر النظام ـ على غير عادته في تحمل المسؤولية ـ إلى الاعتراف بذلك، وإعادة الامتحان، رغم أنه لم تتم أي حركة ضغط عليه من أجل ذلك القرار الذي ربما كان القرار الصائب الوحيد الذي اتخذه. 

ظل أهل الميدان ممن يدرسون الأقسام النهائية هم الذين يحظون بالأولوية في استدعاءات التصحيح، لأن أهل مكة أدرى بشعابها، ولم يكن السخط على موقف الأستاذ الفكري والسياسي والنقابي سببا في إقصائه كما لم يكن تملقه وصلته بلوبيات السياسة ومافيا الوزارة ليمنحاه حقا في التصحيح، فمن "أبطأ به عمله" وكفاءته العلمية والميدانية "لم يسرع به حسبه" في السياسة والنفوذ، فتلك أمور مجالها في أشياء أخرى (الترقية، التحويل، التعيين)؛ قد يتخذ الأستاذ المثالي موقفا لا يرضي المدير أو الوزير أو من فوقهما، فيكون عقابه تحويلا تعسفيا، أو إقصاءه من ترقية استحقها، لكن مهما بلغ به الموقف في المعارضة أو المشاكسة فإن كفاءته ستكون عاملا مساعدا له على أن يكون مصححا للامتحان الوطني الذي يناسب خبرته وكفاءته، حتى يثبت غير ذلك؛ وفي المقابل قد يكون الأستاذ قياديا في الحزب الحاكم وخبيرا في التملق وذا علاقة واسعة بالوجهاء وأصحاب النفوذ فينال تعيينا لا يستحقه فقد يعين ـ وهو الخريج ـ مدير دروس في مؤسسة يوجد فيها أساتذة أكفاء يخدمون منذ 20 سنة، وربما نال أكثر من ذلك، لكن ذلك لا يجعله في قائمة المصححين.

ظل الوضع هكذا إلى السنوات الست الأخيرة؛ فقد غزت الامتحانات، مظاهر جديدة من الفساد، نتيجة ارتفاع العلاوات المخصصة للتصحيح، وتفاقم ذلك خلال هذه السنة، فأصبح من المألوف أن تستدعي الوزارة ـ مثلا ـ لتصحيح مادة اللغة العربية للشعبة الأصلية (المادة أساسية، وبضارب 7) أستاذا لم يدرس أقسام السلك الثاني أبدا في حياته، بينما يقصى زميله الذي يدرس المادة للقسم المعني والذي يمتلك خبرة سنوات عديدة في تدريس الباكلوريا، وفي تصحيحها؛ مع أنهما يدرسان في مؤسسة واحدة، (مثال ثانوية معطى مولانا هذه السنة).

وفي جو كهذا من الطبيعي أن يشتكي التلاميذ عند ظهور النتائج مما يسمونه أخطاء التصحيح، فهذا الهاجس كان يؤرقهم أيام كان في التصحيح بقية أخلاق وشيء من التقوى، والبلاء موكل بالمنطق، فالتلاميذ شكوا في تلك الأيام التي كان التصحيح فيها شفافا، فماذا يقولون اليوم. ولن يفاجئني شخصيا وأنا الذي خبرت الباكلوريا تصحيحا وتدريسا أن ينتهي التصحيح هذه السنة بسقوط بعض نجباء التلاميذ الذين كانوا يتوقعون منحا دراسية في أرقي جامعات الدنيا.

كما لن يفاجئني نجاح آخرين لم يكونوا يحلمون بالحصول على الشهادة ولو في المنام، فقد تقع أوراق هؤلاء وأولئك في مادة اللغة العربية مثلا بيد أستاذ لا يفرق بين جملة صلة الموصول وجملة خبر كان، ولا بين طه حسين والعقاد (ما أتحدث عنه واقعي، ومستعد لإثباته، وأتحمل مسؤوليته غدا أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون)، قد تقع أوراقهم بين يدي من أضرب عنه تلامذة السنة الرابعة الإعدادية، واحتج عليه تلامذة السنة الثانية، ويرفض تدريس العربية في السلك الثاني حتى ولو تعلق الأمر بقسم علمي من الخوامس.

ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أنوه إلى أنني لا أقصد الإساءة لأي كان، ولا أحكم على جميع المصححين، بل إن من بين الذين تم استدعاؤهم عناصر لها كفاءتها، غير أن عملهم يظل فاقدا لقيمته في ظل وجود عناصر تسللت إلى مجال لا علاقة لها به لمجرد الرغبة في الحصول على بضعة أوراق نقدية، فوجد هؤلاء في الوزارة من أعطاهم ما لا يستحقون، ضاربا عرض الحائط بحقوق التلاميذ وحق المجتمع والأمة، في واحدة من أخطر مظاهر الفساد التي تهدد مستقبل نظامنا التربوي باعتبار الباكلوريا بوابة التعليم العالي ودخول سوق العمل الوظيفي.

وأخيرا فإني أرجو من السلطات وفي مقدمتها رئيس الجمهورية التدخل واتخاذ إجراءات صارمة حتى لا تتكرر هذه المهزلة مستقبلا، لما تمثله من قضاء على مصداقية امتحان ظل إلى حد ما قلعة صامدة في وجه رموز الفساد وإقصاء أصحاب الكفاءات.  

هل يعصف التصحيح بمصداقية الباكلوريا/عبد الله السالم بن محمد يحيى

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox