في محراب رابعة العدوية
الثلاثاء, 09 يوليو 2013 22:12

محمد سالم ولد محمدومحمد سالم ولد محمدوفي محراب رابعة العدوية ..محمد سالم ولد محمدو

: لم تكن أم الخير رابعة العدوية إلا امرأة من غمار الناس سما بها حظها الإيماني عندما رأت الحق وهاجا فتعلقت بأستاره، فحفرت لنفسه مكانا سميا في أجمة الأسود الربانيين، كانت للبغدادية رابعة صوت مع الحق لا يزال له رنين خاص في آذان الصالحين والعباد، هي أحبت الحق لذاته، فألهمها قلبا ذاكرا ولسانا شاكرا وشاعرية مؤمنة ينساب التسبيح بين في كلماتها وأنغامها إذ كانت في سير أعلام النبلاء وحلية الأولياء ومدارج السالكين منار السبيل لكل ثائر على الأوهام متعلق بأستار الحق.

ولم يزل لسان تاريخ المحبة عطرا باسم رابعة ولم تزل ركاب القوم في ترقيها إلى الله تحط عند كل مرحلة بباب رابعة العدوية وتجري في ميدانها تأخذ من قطوف الحكم الدواني بزاد هو من خير الزاد، وتأخذ من نورها الإيماني بقبس يضيئ مجرة السير الحثيث إلى تحقيق معالم العبودية الحقة، حيث الإيمان والحب والصمود.، ولقد شاء القدر أن يظل ذكر رابعة في الآفاق عطرا في الوجود ورنينا مقدسا في الآذان وشنوفا في آذان الزمن يتحلى بها في مواجهة عالم العفن والإسراف، عالم الظلم القبيح. وليست رابعة اليوم - والناس في ميدانها يكبرون ويهللون ويجددون بيتعتهم للحق الذي آمنوا به والفكرة التي اعتنقوها- ، إلا صورة متعددة تمثلها العواتك القاهريات اللائي لا يعرفن الفحشاء ولا اسمها، ولذا خرجن حتى لا تعيد دولة الاغتصاب التحكم من جديد في دماء الناس وأعراضهم ودينهم الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور. ولئن كتبت رابعة دروس الحق الناصع للناس، فلقد كتب ميدانها في القاهرة دروسا مثلها، ستأخذ من نفوس المؤمنين وأصحاب الفطر السليمة ما أخذت كلمات رابعة من النفوس وأول هذه الدروس

 

: - المحن الكاشفة

: إن ائتلاف قوى الانقلاب وإن تناقضت مصالحها وسماتها، بل وتمايزت أديانها ونحلها لتحقيق هدف كبير ألا وهو تعطيل مسيرة الحرية والعدالة التي قادها مرسي ماهو إلا اجتباء جديد يضيفه الإخوان إلى رصيدهم في الوقوف مع الأمة وحمل قضاياها، فبضدها تتميز الأشياء وأحسن ما في هذه المحن أن يكشف المتوارين خلف الشعارات الزائفة، وأن تساقط دهانات التجميل عن وجوه كالحة، اختارت أن تجتمع في صورة إنسان اسمه الانقلاب، تجمع أصداغه ولسانه وأذناه ولحيته من أمشاج خلطت العسكر بالكنيسة، وثنت بشيخ الأزهر ورعاع الإنقاذ، ومغفلي حزب النور ، ليتكون من كل ذلك شيئ اسمه العار ولا اسم له سواه، لقد استخفهم السيسي فأطاعوه ونادهم الشعب فعصوه، وليس أكبر شرفا للإخوان وأنصار العدالة في مصر أن يقفوا اليوم في صف ويقف السيسي والكنيسة وشيخ الأزهر وسلفية الداخلية السعودية وليبرالية خلفان في صف مقابل.

 

ويكفي الرئيس السجين أن فرحت غزة أخواتها في شتى بقاع العالم الإسلامي بيوم انتخابه، ثم فرحت بيوم سجنه عواصم العار ورجاله ورجاله وجلادوه، إنه الشعب معيار حاسم بين الفرقاء ويكفي الإخوان مزية عام من الحصار في شِعب الحكم لم ينتهكوا فيه حرية إنسان بالسجن ولا صوت إعلامي بالإغلاق، ثم جاءوا الانقلابيون ليرسموا معالم المستقبل الموعود لمصر وملامحه القتل للإنسان للحقيقة، للدولة والهوية، وللكرامة وللثورة .

في مواجهة الطغيان:

عاد الإخوان المسلمون إلى موقعهم الطبيعي في مواجهة الديكتاتورية والظلم، عادوا ليكملوا ما بقي من أشواط الثورة وليقضوا ما وجب من ديون التصدر وضريبة حمل الراية ورفع اللواء، ولقد أخطأت الثورة المصرية المباركة في تجاوز مهمة كنس العسكر المصنوع على يد الولايات المتحدة وبيدها، إلى التعايش معه، "وكيف المقام مع الحيات في سفط".إن موقع النخبة الثورية يقتضي منها إعادة تشكيل مؤسسات القوة وحملة السلاح بما يضمن لها أن تكون بالفعل صوت الشعب لا سوطا على ظهره، وأن تكون يدا له لا يدا لذبحه.

 

 

- عندما تغوص العمائم في الدم 

: لم يكن فرعون موسى أغبى رؤساء مصر وإن كان من أشرسهم، ولقد سن لهم قبل أن يدركه الغرق سنة حكم يأوي إليها الطغاة، تجمعت في فرعون ديكتاتوري ورجال أعمال مرابين يمثلهم قارون ومن شايعه، ورجال دين فاسدون – إلا من رحم ربك منهم – وآلة إعلامية يمثلها الحاشرون الذي يحشدون الحق في صف فرعون والغلبة في مشايعته. لقد غاصت عمائم سحرة السيسي في الدم، غاصت العمائم واللحى في النجيع الطاهر، لقد اختارها السيسي ومن يسوسهم زوارق يخوض بها بحر الدم، فلم تكن صلوات الكنيسة، ولا تراتيل شيخ الأزهر وأذكار حزب النور وأبي الفتوح أكثر من حبال وعصي ومشانق، لقد تجمع من كل أولئك زند قوي هو الذي أطلق النار على المصلين.

 

وإن من الجدير في هذا الصدد أن تأخذ القوى الثورية الدرس من أزمة مصر لتعرف أن المؤسسة الدينية التابعة للقصر الرئاسي أو لوزارة الداخلية أو مكاتب الاستخبارات، لا يمكن أن تتجاوز مهامها التي تعني تهويد الظلم أو تنصيره أو أسلمته حتى يوافق هوى الحاكم بأمر بنفسه.

إن الذين أفتوا بأن الدوس على كرامة الأمة وتدمير هواها هو أخف الضررين (ولو أكملوا لقالوا ..أخف الضررين علينا)، هم نسخة من الذين رأوا في الأذان تلوثا صوتيا أو الذين رأوا في مجوع الشعب مخرجا للناس من الظلمات إلى النور ومن الخوف إلى الأمن، هم نسخة واحدة وإن تعددت الأسماء والألوان والمواقع تعرفهم بسيماهم وفي لحن القول

 

ولقد أدى هؤلاء أدوارا كبيرة في تاريخ الأمة الإسلاميون، فلقد كان للراقصين بالرماح يوم قطعوا رأس الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب علماؤهم، جاءوا برأسه مهللين ومكبرين وإنما قتلوا به التكبير والتهليلا

جاءوا برأسك يا ابن بنت               محمد متزملا بدمائه تزميلا

ويهللون بأن قتلت وإنما               قتلوا بك التكبير والتهليلا

كان هؤلاء أعوان كل دولة، وعلى فقههم تأسس علم الحجاح وشوقه للقتل وسفك الدماء، وبهم سار جيش تيمور لنك، كانوا لسان القذافي قبل أن ينقطع ويد بشار الآثمة، وبهم حكم المعز لدين الله، والحاكم بأمر نفسه. كان هؤلاء قديما وحديثا صفا مع الباطل في صولته، لكنهم يضمحلون معه كلما اضمحل، وللباطل صولة ثم يضمحل ويأخذ هؤلاء مكانهم الطبيعي في سجلات التاريخ خلف مقاعد سادتهم تماما كما جلسوا قبل أن تطوى الصفحة.

 

مع الشعب و الديمقراطية

 

: ليس في الديمقراطية أي عيب ولكن العيب فيمن يطلب العنب من الطلح ومن يتوقع من بقية نظام مبارك أن يباركوا الديمقراطية أو يتعايشوا معها، وليست الديمقراطية أولى ضحايا العسكر والانقلابيين، فقد طعنوها في الظهر بنفس القسوة والسادية التي طعنوا بها الساجدين، إذ كلامها تعبير عن الشعب وقوته. وإن التنكر للديمقراطية أو الفكر بها لا يعني أكثر من استنبات الديكتاتورية مرة أخرى أو التمهيد لها من جديد، وليست الديمقراطية إلا إحدى الكريمات التي يحاول العسكر اغتصابها، وهي حرية اليوم بفارس يحميها وربيعة يسوق ركابها حتى تصل إلى مأمنها الحرة المنيعة. إن الديمقراطية مبدأ شريف، وجزء من منظومة متكاملة أساسها الشعب الواعي المتمكن من التعبير عن ذاته واختيار من يحكمه وكيف يحكمه ثم الدفاع عن حقه وحماية مؤسساته،

وأحسب أن غالبية الشعب المصري تنتمي إلى هذه الفصيلة من الناس هم اليوم الأكثرية التي تواجه الحراب بالأغصان وتواجه آلة الطغيان البشعة ودعايته بالدعاء والصمود، ولقد علمتنا سنن الحياة أن البقاء للأصلح والأصوب وأن لأغصان الإيمان قدرة فائقة على إدالة الطغيان وكسر حراب الظلم مهما استقامت كعوبها وحملها كل وحشي.  أما الغوغاء الذين عاجوا في شعاب الانقلاب خلف السيسي، فلن يكونوا أكثر قوة من الذين استخفهم فرعون من قبل فأطاعوه، أترى لهم اليوم ذكرا أم تسمع لهم ركزا.

 

الخليج : منطقة في يد الغرب

المنطقة في الأصل هي الحزام الذي يشد به المرء ظهره فيقويه وتشد به الفتاة ثوبها عليها فيسترها، ولهذا كانت المناطق، غير أن منطقة أخرى اختارت لنفسها العودة إلى المعنى اللغوي، ولم تكن أكثر من سوط بيد الولايات المتحدة تضرب بها من تشاء أو عصا تهش بها على غنمها وتتوكأ عليها ولها فيها مآرب أخرى، تحول أرضها إلى قواعد تنصب من تشاء وترفع من تشاء، وتمنع من الصرف والعدل من لا ترضى، وترفع بالابتداء كل نكرة ابتدأ لها بالحمد أو أخبر عنها بالبشارة أو التخويف ولن تكون منطقة الخليج حراما على يد الثورة أن تمتد إليها ولا لهيب الصيف أن يقتلع جذوعها الخاوية، فتلك سنن التاريخ الذي لا يحابي وخواتم الطغاة التي يصنعون بأيديهم، وعلى نفسها تجني براقش بل إن تحرير منطقة الخليج سيكون الخطوة الثانية بعد أن تستعيد مصر كرامتها والأمر أسرع مما يتخيل الشاردون، إن هو إلا لمح بالبصر وليس للحاكمين في الخليج براءة في الزبر.

 

أزمة للوعي ومهاد للنصر

 

ليس انقلاب مصر إلا نعمة في طي نقمة ومنحة في لحاف محنة، فلقد رأت الشعوب – والشعب أبقى من حاكمها – من أعانها ومن أعان عليها، وذاكرة الشعوب أقوى من أن تنساهما، أو تتناسي القصاص يوم القصاص. إن أزمة مصر هي امتحان للوعي العربي والإسلامي العام، ولن تكون إلا مهادا لنصر كامل، وأحداث جسيمة ستعيد تشكيل العالم العربي كلها على أسس جديدة، قوامها قوامها الإسلام الشعب، وغدها الناصع قريب ذلك أن الشهداء ينقشون بدمائهم وأيديهم المتوضئة لوحة قرآنية ناصعة كلماتها " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" فأعد البصر كرتين هل ترى في معسكر السياسي من الصالحين لغير بيع الأرض والعرض أحدا.

 

أما رابعة العدوية والمعتصمون في ميدانها، فهم صالحو الأمة وسراجها الوهاج، وكأن قدر العدوية أن تظل صوت الحق الهادر وقوته الناعمة ولسانه الفصيح عندما يتلعثم الخطباء وألم الحق النبيل عندما تشتبك الدموع في الخدود.

في محراب رابعة العدوية

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox