من ينقذ الديمقراطية من الديمقراطيين؟
الأربعاء, 24 يوليو 2013 15:11

الأستاذ والباحث:عبدا لله ولد ميارة

تبدو حالة العالم العربي سياسيا حالة فريدة وغير مسبوقة ، لأنه المنطقة الوحيدة في العالم التي لا تزال ممتنعة أو ممانعة ديمقراطيا، لدرجة تجعل من الضروري التساؤل عن مسوغات ذلك، ودراسة تجارب الجماعات البشرية المماثلة ، والخبرة التاريخية والخلفية الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية ، علها تسهم في توضيح الصورة وإماطة اللثام عن ذلك.

صحيح أن الأنظمة السياسية القومية والاشتراكية والأسرية التقليدية الحاكمة في العالم العربي تتحمل  المسؤولية الكبيرة عن تأخير الديمقراطية  بتحالف مع القوى المحلية ورجال الأعمال والمؤسسة العسكرية والأمنية والقوى السياسية والأحزاب السياسية الكرتونية المصنوعة داخل غرف البوليس ومكاتب المخابرات. لقد أفرغت هذه المجموعات المتحالفة والمتخالفة العملية الديمقراطية من محتواها ، وحولتها عن غايتها الحقيقية وهدفها الأسمى وهو خدمة الشعب.

محاولة التشخيص:

لكن الكارثة الكبرى والرزية العظمى هي سلوك القوى المسماة زورا وبهتانا بالقوى  المدنية ، سواء كانت قومية أو ليبرالية أو يسارية  تجاه العملية الديمقراطية بكل مظاهرها وتجلياتها وإفرازاتها . يكمن سلوك هذه القوى في الممارسة الديمقراطية التي تتبناها، والتي تقوم على الانتقاء والازدواجية،وإلغاء الآخر الإسلامي، ويمكن ببساطة النظر إلى التجربة الديمقراطية المصرية الموءودة تحت أحذية العسكر الخشنة بدعم وتواطؤ من قوى محلية وإقليمية ودولية لا تريد لمصر أن تخرج  من تخلفها وفقرها ومرضها واستبدادها ، وتأخذ مكانها فى قيادتها للعالم العربي نحو عصر جديد لا يظلله استبداد ولا يغشاه إلحاد ولا تسوده ديكتاتورية بوجه كالح لا يستطيع كل جراحي العالم تجميله!..

لم ينتظر الانقلابيون  ساعة واحدة ، فطفقوا يغلقون القنوات الإسلامية ويعتقلون خصومهم من القوى الإسلامية ويغيبوا الصوت الآخر بكل الوسائل. مع شيطنة الخصوم باستخدام كل ما ينافي المهنية والشرف الإعلامي والموضوعية المطلوبة،واختفت قيم التسامح والاعتراف بالآخر وغابت تقاليد المنافسة الشريفة وقواعد التبادل السلمي على السلطة..

مصادر الرؤية:

ثمة سؤال يطرحه المتابع للشأن المصري والمواطن العادي ما مشكلة النخبة المصرية مع الإسلام ، وما مصادر تلقى هذه النخب في رؤيتها للإسلام؟.

أعتقد أن ثمة أسبابا معرفية وسياسية وأيديولوجية تقف وراء ذلك التصور وتلك الرؤية القاصرة للإسلام ودوره وتاريخه ، أبرزها الجهل بخصائص الإسلام وتصوراته واختلافه عن النصرانية ، إضافة إلي التخندقات الإيديولوجية ، وأخيرا انعزال وانحسار التواصل مع القواعد الشعبية العامة،وبعبارة أخرى غياب التأييد الشعبي لهذه التيارات  في الشارع المصري العام. وإذا كان حزب الوفد وهو حزب علماني مع ليبرالي عريق تأسس عام 1919م قد راكم نضالا وتجربة سياسية كبيرة ، فإنه كذالك قد  فقد الكثير من ألقه وبريقه وتلاشت شعبيته بسبب ظروف ومتغيرات أقلها دفاعه وتخندقه ، بل تماهيه مع أنظمة قمعية مستبدة انقلابية  كما هو الحال الآن ضد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي.وتحالفه مع رموز نظام مبارك الصهيوني ، وهو ما صرف عنه جماهير الشعب المصري.

بالنسبة لحزب التجمع اليساري فهو تشكيلة قليلة لا رصيد شعبي لها ولا تتمتع بأية قيمة سوى عدائها للتيار الإسلامي وللإسلام نفسه ،وتطرح خطابا إقصائيا ونخبويا واستبداديا لا رصيد له ولا مسوغ باستثناء كسب ود خصوم الإسلاميين. ويواجه الحزب كثيرا من التهم المتعلقة بتلقيه أموالا من التنظيمات الشيوعية العالمية ، وبعد أفول النظام الاشتراكي انخرط الحزب  بكل قوة في الحرب ضد الإسلام وضد الحركات الإسلامية ، ولا يرفع لواء الديمقراطية ولا يريدها ، بل وبسبب طبيعته الشمولية الإقصائية وعقليته الاستبدادية يرفض العملية الديمقراطية من الأساس  خاصة وأنها في صالح خصومه الفكريين والسياسيين الأقوياء التيار الإسلامي.

أما التيارات القومية الناصرية فقد برزت بتشجيع من النظام المباركي لمواجهة الصعود الإسلامي المتنامي، ولأن الكثير من أركان نظام مبارك من الناصريين العتاة ، الذين تربوا في أحضان التنظيم الطليعي وخدموا وهم فى مقتبل العمر في المرحوم الاتحاد الاشتراكي أيام المد الناصري، ويمتلك الناصريون تجربة هائلة في تحويل الهزائم إلى انتصارات ، كما يمتلكون آلة إعلامية جبارة ، وكل رصيدهم هو القدرة على الزج بخصومهم الإسلاميين في السجون وتلفيق التهم وتزييف الحقائق والحر بائية السياسية ، وهم باختصار جعجعة بلا طحين.

تحالف الناصريين مع الصهيوني البراد عي الذي كان أحد معاول الهدم للعراق،الباحث والأستاذ عبدالله ولد ميارةالباحث والأستاذ عبدالله ولد ميارةقضي علي الفضائل القليلة النادرة التي كان الناصريون يرفعونها ، وهي العزة العربية والكرامة العربية ، التي أصبحت تتآمر ضد الديمقراطية وتتحالف مع القوى الاستعمارية، حمدين  الذي استعان بالكاهن القومي العتيد "هيكل" وهو عراب الانقلاب العسكري الذي كان الناصريون أحد أهم صناعه، ولا غرو في ذلك فتاريخهم الانقلابي عريق منذ 1952م.

هذا الخليط من القوى غير الديمقراطية وجد ضالته في ظروف مناسبة وبيئات حاضنة، هي القوى الإقليمية والدولية وخاصة الولايات المتحدة التي تخلت عن برنامحها الشهير المتعلق بالتبشير بالديمقراطية ، باعتبارها الحل السحري لمشكلات الشرق "الأوسخ "الجديد حسب أفكار مهندسه الإرهابي شمعون بيريز.،لأن الديمقراطية تأتي بالإسلاميين.

الأطراف الخارجية:

كانت تجربة الجزائر 1991م درسا للديموقراطيين الحقيقيين ، لأن الغرب لايريد الديموقراطية للمسلمين، لأن الديموقراطية الحقيقية تصنع نهضة وشهودا حضاريا ومجدا تاريخيا لاتريده هذه القوى للمسلمين. كماأن الغرب لايحمل معه فضائله خارج عالمه،كمايقول المفكر الإسلامي البارز مالك بن نبي رحمه الله،  فالتقدم له ، والتخلف لنا وللآخر غير الأوربي، وهكذا صارت العلمانية الأوربية نظرية والاستعمار تطبيقا كما يقول المفكر الراحل غبد الوهاب المسيري رحمه الله.

وجاءت تجربة نجاح حركة المقاومة الإسلامية حماس عام 2006لتجعل الغرب يقف بكل قوة ضد أية تجربة ديموقراطية حقيقية في العالم الإسلامي،ويؤكد على استمرار الدعم لأنظمة الفساد والتخلف والاستبداد في العالم العربي، خاصة الخليج العربي.

يعتبر الخليج العربي المثال الأبرز لسياسات الولايات المتحدة وأوربا تجاه العالم العربي، والدليل الأكبر علي الإستراتيجية التي تتبناها القوى الكبرى ضد العرب والمسلمين، فهو المنطقة الوحيدة من العالم التي تحكمها أسر تنتمي للقرون الوسطى وضعتها الولايات المتحدة وأوربا الغربية  للحفاظ على مصالحا في الخليج العربي  الذي يحتضن نصف الاحتياط العالمي من النفط والغاز الطبيعي في العالم ، وتعتمد عليه البلدان الصناعية  بصورة كبيرة.

وتعاني هذه الأنظمة من فقدان الشرعية التاريخية والسياسية والثورية والدينية والتنموية وشرعية الانجاز. وترتب على ذلك ارتماء في حضن الولايات المتحدة التي تحمي هذه الأنظمة.

بماذا نفسر سكوت الولايات المتحدة عن غياب أي شكل من أشكال الممارسة السياسية في بلدان الخليج ، باستثناء الكويت حيث البرلمان المحدود والذي يحله الأمير عندما يستجوب أحد أفراد الأسرة الحاكمة والمالكة . أما المملكة العربية السعودية فهي الدولة الوحيدة التي تحمل اسم الأسرة التي اغتصبت السلطة تحت شعارات دينية ضيقة ، تستخدم تفسيرات خاصة بها لاستمرار سيطرتها على السلطة والدولة والمجتمع في الجزيرة العربية ، ولم تجر انتخابات بلدية وتمنع المرأة من قيادة السيارة ، وتسوق الناس سوقا إلى المساجد وتمارس الإرهاب الدينى المنافي للقيم الإسلامية السمحة والعادلة القائمة على الإقناع والاختيار والحرية.

تسوق الأسرة المغتصبة الانقلابية السعودية ما يعرف بالإسلام الأمريكي حسب توصيف المفكر الإسلامي الراحل سيد قطب ، هذا الإسلام الأمريكي يقوم على الولاء المطلق للولايات المتحدة ومنحها القواعد العسكرية على الأراضي الإسلامية وتبديد ثروات المسلمين، وإشغالهم بالتفاهات وإغراقهم في الملذات والشهوات ، وتسويق الإسلام الشعائري التعبدي الشكلي , ورفض المعارضة الإسلامية الجادة القائمة على تحقيق الاستقلال الحضاري والإقلاع المنشود للأمة المسلمة.

تمثل السعودية الدولة الفاشلة عالميا رغم ثرائها الفاحش، لكن بسبب اختطافهامن طرف الأسرة السعودية المتخلفة بقيت للدولة على الهامش ، مرتهنة ومرتبطة بالولايات المتحدة وحامية لمصالحها وحارسة لممتلكاتها ، مقابل استمرارها في اغتصاب السلطة أكثر من مائة عام!.

 

لكن التاريخ لا يرحم وشعب الجزيرة العربية قد شب عن الطوق وأصبح أكثر وعيا وقدرة على استرداد حريته وثرواته التي يبدد آل سعود على موائد اللئام.

في الإمارات العربية المتحدة الأمر أشد وأنكى ، فحكام الإمارات هم أطفال وشباب للنوادي الليلية الآمريكية لا يعرفون سوى ما لقنه لهم أسيادهم الأمريكيون الذين يرسمون لهم كل شيء، وقد أصبح ثلثا سكانهم من الآسيويين ، فلا غرو أن سمعنا غدا أن ولي عهد الإمارات سنهالي أوفيلبيني أوهندي لأن العروبة والإسلام اندرسا في هذه البلاد منذ أن ابتلاها الله سبحانه وتعالى بهذه العصابة أطفال الشوارع، في إمارات النوادي الليلية والكابارهات،فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

هل إلى خروج من سبيل من هذه المحنة وهذه الغمة التي تحالف فيها تسعة رهط على العصبة المؤمنة  الصابرة والصامدة والمرابطة؟.

من ينقذ الديمقراطية من الديمقراطيين؟

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox