تجليات ما بعد سقوط مرسي/أحمدو محمد الحافظ /كاتب صحفي موريتاني وناشط حقوقي وسياسي مقيم في المغرب |
الاثنين, 12 أغسطس 2013 17:01 |
كانت ‘محنة’الحكم كما يسميها بعض الخائفين والمشفقين على تجربة الإخوان الوليدة أهم منعرج في تاريخ الحركة الحديث التي ظلت طيلة عقود من الزمن تمارس دور المعارضة دون أن تذوق يوما ‘حلاوة’الحكم التي تخفي وراءها مرارة المسؤولية وامتحان الرسوب أو النجاح في السير بسفينة الأمة ,التي خرقها حكامها السابقون ,إلى بر الأمان كان الربيع العربي هو الظاهرة التي مكنت حركة الإخوان المسلمين من الوصول إلى الحكم في جل بلدان الربيع أو الخريف كما يسميه معارضوه نظرا لأن التيار الإسلامي كان الأكثر قربا من تطلعات الشعوب وظلت شعاراته لفترات طويلة تدغدغ المشاعر وتلامس شغاف قلوب الآلاف من البسطاء والمحرومين في العالم الإسلامي .
نجح الإسلاميون في تونس عاصمة الربيع العربي فظن الجميع أنهم سيحولونها إلى جنات عدن وأنها ستتغير إلى الأفضل رغم ثقل التركة لكن إخوان الغنوشي واجهوا صعوبات كثيرة وخصوصا في المجال الاقتصادي حيث وصل عدد العاطلين عن العمل في أول سنوات النهضة وحلفائها إلى مليون اطل عن العمل إضافة إلى التحديات الأمنية وهشاشة التحالف الحكومي ‘ الترويكا ‘إلى حد أن المرزوقي هدد با لاستقالة قبل أن يفعلها رئيس وزرائه السابق ‘الجبالي‘ معترفا بعجزه عن إدارة المرحلة في ظل غياب توافقي سياسي .
حاول إسلاميو تونس أن يحاكوا إخوان اردوغان في حفاظهم على الدولة المدنية ومجاهرتهم بعدم فرضهم للشريعة والحجاب كما صرح بذلك الشيخ راشد الغنوشي في أول لقاء معه بعد فوز النهضة وأنهم يهتمون بالاقتصاد والصحة والتعليم أكثر من اهتمامهم بأخلاق وعقليات الناس فكانوا أكثر مرونة وأثبتوا لخصومهم في الداخل والخارج أنه يمكن لهم أن يؤسسوا لدولة مدنية متجانسة تحترم جميع الأطياف والتشكيلات . حدثان مؤلمان هزا حكم ‘الإسلاميين ‘في تونس وأججا حركة التمرد التي يقودها بعض الشباب المتأثرين بالحالة المصرية هما :اغتيال المد لبراهمي القيادى القومي ججا حركة التمرد التي يقودها بعض الشباب المتأثرين بالحالة المصرية هما اغتيال القيادى اليساري شالقيادي اليساري شكرىبلعبد و القيادي الناصري محمد لبراهمي اللذين اغتيلا في ظروف غامضة وحملت المسؤولية الأخلاقية لحزب النهضة وحلفائه الحاكمين رغم أن التحقيقيات أكدت تورط الجناح السلفي في كلا العمليتين ولذى تخوض النهضة حربا شعواء ضده . رغم كل هذه الأحداث المؤلمة والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس نتيجة لعوامل تراكمية فإن تجربة ‘الإسلاميين ‘في تونس تظل الأكثر قابلية للصمود في المستقبل نظرا لتحالفها مع أطياف علمانية تختلف معها في الرؤية والطرح وتتفق معها في أبجديات المرحلة ,كما أنها تمثل نسخة متقدمة من الفكر الإخواني تتقدم فيها أفكار الغنوشي على أفكار البنا و سيد قطب
غير بعيد من تونس وفي المملكة المغربية فاز طيف آخر وفصيل آخر من جماعة الإخوان المسلمين يحمل نفس اسم الفصيل التركي لكنه يختلف معه في أشياء كثيرة لعل أبرزها أنه يمتلك فقط نصف مفاتح اللعبة دون أن تكون له الكلمة الفصل أو القرار النهائي . منذ اليوم الأول لتسلم إخوان بنكيران زمام الحكم في المغرب بدأوا حملة على الفساد فنشروا لوائح المستفيدين من لكريمات في النقل ولوائح المقالع وشرع بنكيران في مجابهة ثنائية ‘العفاريت والتماسيح ‘التي يطلقها الرجل على خصومه السياسيين الذين يضعون العقبات أمام سياسة الإصلاح حسب تصوره .
التحدي الأكبر أمام بنكيران بعد تخطى أزمة ‘شباط ‘والتحالف مع عدو الأمس صديق اليوم ‘مزوار ‘هو النهوض بالاقتصاد المغربي وإصلاح صندوق المقاصة وغيره من الصناديق السيادية . لا يخاف الإسلاميون في المغرب من انتخابات مبكرة ولا يخشون من فشل التجربة فهم واثقون من شعبيتهم كما أن الاستقرار في المغرب وعامل الملكية الذى يحظى بإجماع يساعد في إنضاج التجربة ويوفر لها إكمال سنواتها الانتخابية أو أن تخرج من أوسع الأبواب كما حدث مع تجربة التناوب بقيادة حكومة اليوسفي التي لم توفق في قيادة المرحلة فخرجت معززة مكرمة دون أن تثير احتجاجات أو مظاهرات تذكر في المغرب إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
تبقى أم الدنيا مصر هي الحلقة الأبرز في تطور الجماعة والامتحان الأكبر فقد سلمتهم نفسها وانتخبهم شعبها ليكونوا قادة أول تحول ديمقراطي في البلد وليدشنوا مرحلة ثورية جديدة يفترض أن تعبر بمصر إلى بر الرفاهية والاستقرار والنمو بعد ثلاثين عاما عجافا من حكم مبارك وأذنابه .
لكن تأتى رياح الربيع العربي بما لا يشتهى إخوان مرسي فمباشرة بعد تنصيبه بدأت الاحتجاجات الشعبية وتظاهر المصريون في الشوارع ;وفي الميادين مطالبين تارة بإسراع وتيرة الإصلاح وأخرى بإسقاط نظام لم يجف حبر الورق الذى كتب به بيان نجاحه حتى خرج معارضوه والناقمون عليه من كل حدب وصوب. في محنة الحكم في مصر ارتكبت الجماعة أخطاء عديدة منها ما هو ناتج عن نقص التجربة وأخرى عن ضغط الشارع الذى لم يعطها الفرصة الكافية وعامل ثالث يتعلق بنفوذ الصقور في حركة الإخوان الذين يحملهم بعض المراقبين جزءا من فشل التجربة في مصر ولعل العامل الأهم هو اصطفاف القوى المعادية للثورة من فلول مع المعارضة التي لم تمهل مرسي وأرادت إفشال التجربة من البداية . الإخوان قالوا أنهم لن يشاركوا في الانتخابات الرئاسية وأخلفوا وعدهم وشاركوا وتحالفوا مع القوى العسكرية ووزارة الداخلية في ظرفية دقيقة من محطات ثورة 25 يونيو حيث كانت القوى الثورية كلها ضد حكم المجلس العسكري وقرارته إلا الإخوان الذين استقوى بهم الجيش في تلك الفترة في تحالف كان يعرف بتحالف السلطة الدينية والعسكرية وإن كان لم يدم طويلا
إبان حكم مرسى أصابت أزمة اقتصادية كل مفاصل الاقتصاد في مصر حيث تراجع الجنيه المصري إلى ما يعادل 7 جنيه مقابل الدولار , وزادت البطالة وكثرت الانقطاعات الكهربائية , وكثرت الصفوف على محطات المازوت وفقد الأمن في أكثر من مدينة مصرية وضرب قطاع السياحة , وحدث انفلات أمنى في سيناء وفشل الأمن في القبض على من ارتكب مجزرة الجيش المصرى في سيناء رغم أن الرئيس اتخذ أشجع قرارته بعد ذلك فأمر بتنظيف الجيش وأقال قادة المؤسسة العسكرية طنطاوي وعنان ,, كل هذه الأخطاء والأزمات لا تخول للعسكر أن يغتصبوا السلطة وأن يقتلوا أمل الأمة ويصادروا خيار الشعب المصري الذى صوت للإخوان وأعطاهم فرصة خمس سنين فاختزلها العسكر في سنة واحدة بحجة ثورة جديدة ظاهرها إنقاذ البلد وباطنها علاقة حب مع الحكم وتعلق به تسكن عسكر أمة العرب من المحيط إلى الخليج
سيكتب التاريخ للإخوان أنهم حكموا فلم يغلقوا قنوات إلا واحدة ولم يكمموا أفواها ولم يسجنوا صحفيا إلا في حالة نادرة ولمدة أيام حالة باسم يوسف مثلا ولم يسجنوا سياسيا , كما أنهم عرضوا الشراكة في الحكم على شركائهم في الثورة والمعارضين لحكمهم لكنهم رفضوا وناصبوهم العداء فتحالفوا مع العسكر وشرعوا انقلابا صدعوا رؤوسنا بشعارات تدينه قبل أن ينسجم مع طموحاتهم وأفكارهم ويلتقي مع مصالحهم الضيقة .
اختلفنا مع الإخوان أو اتفقنا فإنهم يظلون فصيلا مهما ورئيسيا في العالم العربي يحسب له الجميع ألف حساب , ويعتقد الكثيرون أنه إن نجحت الجماعة بتجاوز أزمة مصر بمستوى من المرونة والدهاء وبأقل الخسائر الممكنة دون أن يرتكبوا خطأ الجزائريين بحملهم للسلاح وخروجهم على الدولة فإنهم قد يحكمون لا حقا لو نظمت انتخابات نزيهة وشفافة من أجل السير على منهاج التجربة التركية التي تعتبر الأنجح في تاريخ الحركات الإسلامية .
تتطاير شظايا ‘الانقلاب’على مرسي لتصيب أبناء المنتبذ القصي في الصميم فتندلع حروب كلامية ومهاترات سياسية بين أبناء التيار القومي والإسلامي تتجاوز في معظمها حدود اللباقة وتعطى انطباعا أننا شعب عاطفي لا يعرف المنطقة الوسط ولا الإنصاف في الطرح والتحليل فأن تكون مع تيار معين فأنت قديس وحين تنتقده تصبح إبليس. تضامن تواصلالحزب الأكثر تنظيما في البلد مع الرئيس المعزول مرسي كما فعلوا مع أخ له من قبل هو الرئيس ولد الشيخ عبدالله الذى رخص لحزبهم , وكان لهذا الترخيص أثره الطيب فساهم في التقريب بين أطر الحزب ذوي التوجهات الإخوانية وبعض نظرائهم من التيارات الصوفية وهو ما يعتبر نجاحا للحزب الذى استطاع أن يظل تحت نخلته جميع الأطياف الإسلامية في موريتانيا . للتجربة في موريتانيا أخطائها الذى يكون سببها عادة بعض المناصرين العاطفيين الذين ينظرون إلى الأمور نظرة ضيقة و لا يقدرون الاختلاف في الرأي ولا في الرؤية , ومع ذلك ففي الحزب والمتعاطفين معه عقلاء وحكماء سيسيرون بسفينة الحزب إلى بر الأمان وسيكون للحزب شأن في أي انتخابات نزيهة قادمة في البلد
انقلب السيسي على الرئيس مرسي كما انقلب عزيز من قبل على الرئيس الطيب ولد الشيخ عبد الله وتلك سنة سنها حاكمنا المبجل وعليه وزرها كما كذب السيسي نبوءة هيكل التي سخر فيها من أهل المنكب البرزخي قبل أن يتكرر نفس السيناريو في أم الدنيا مصر أثبتت الشعوب العربية أنها غير قادرة على المحافظة على اختيارها وأنها بعيدة جدا عن الديمقراطية وأن نخبها تؤمن ببعض الديمقراطية وتكفر بجلها .
|