إثارات حول شريط حمزو وليلى |
السبت, 05 أكتوبر 2013 15:21 |
قبيل من الناس عدوا شريط ليلى وحمزو من شنيع المحدثات الموجب لأليم الَمثُلات، النازع إلى وهن الأخلاق والداعي إلى أثيم الفعل... وطائفة نحت بالمسألة منحى وضعها في حميد المبتدعات واحترام الحريات، واعتبروه مسرّعا لللحاق بالسابقين الأولين من الذين علا شأنهم في الراقي من السماع والفنون وابداعات الحضارة. تتبعت ردود واختلاف رأي الطائفتين فتبينت أن الأمر تعتريه متعلقات يحسن بنا حال التعرض له مراعاتها، وسأعرض لها عرَضا، حيث الداعي لكتابتي حول الموضوع هو محاولة استكناه الحادثة في عمق ظاهرتها الأصل واستيفاء موجباتها بتوسل أسبابها. أولا: إن فعل ليلى مهما كان لا يسوغ - البتة - نشر الشائن من أخبار والدتها، التي صارت إلى ربها إن شاء غفر وإن شاء... والله يغفر الذنوب جميعا غير الشرك به، والمؤكد أن السيدة ماتت موحدة لله غير مشركة به، وليس في الإمكان التألي على الله، فإن كان ناشرو تلك الأخبار في المواقع غير مراعين لحرمة الأموات وحسن الظن بسعة رحمة الله ومغفرته!! فعليهم على الأقل احترام حرية الفرد وخصوصيات الناس، وعدم إساءة البنت في أمها رحمها الله. ثانيا: إن علينا ألا نخرج قضية الشريط عن سياق ظاهرة انحدار مستوى القيم في "جزء" من مجتمع هش يعاني حداثة عهد ببداوة، ومبادءة حضارة لما تستقم وتتئد مقوماتها بعد! وأسباب أخرى وفيرة لسنا إلى حصرها وقتئذ. ثالثا: إن على طائفة المشنعين أن يضعوا في الحسبان أن الشريط قد لا يمثل - فرَضا - في حد ذاته كبير أمر، حيث الملاحظ عليه لا يرقى إلى مستوى الجرم حال نقاشه تفصيلا دون إجمال للإدانة، وذلك في نطاق الممنوع والجائز في حدود الشرع، أما العادة فصارت تجرى - من منظور تطور المجتمع - على حدوث مثله أو أشنع أحيانا، بخاصة في الأوان الأخير. رابعا: إن التبرير المطلق للشريط الذي اعتبره شخصيا - خارجا "بعض الشيء" على نمط السلوك الاجتماعي المحلي العام - يمثل تجاوزا منبئا عن أحد أمرين لمبرريه وهما: اتخاذه مطية تحت لبوس الحريات الشخصية لهدم جدار أخلاق وحياء يريد أن ينقض! والثاني: محاولتهم فرض التبرير بتقديم الشريط كحدث في حيز مألوف المعتادات مدرعين خلف أستار وسم طائفة الرفض بالرجعية، ونعتها بالقعود عن ركب "التقدميين"!
خامسا: على فريق التبرير النظر بعين الحصافة المتزنة الوازنة إلى أين ترد الحرية الفردية موردها من سياق العقد الجمعي للسلوكيات العامة، وخصوصية مجتمع فتي غض الإهاب من منظور التموقع في عالم مقومات الحضارة الواحدة، وهو تناص لازم بين احترام شخصيِّ الحريات ومراعاة الخصوصيات، يفضي بداهة إلى الوقوع في شرك إشكال لا يزايل سؤال الأزمة؟ ولن نخوض فيه طويلا لكوننا لن نزيد فيه بغير مجتر القول، ومعتاد المحكي!
إن ربع عزة في الموضوع بالنسبة لي - كما أسلفت أعلاه - هو توسل طرح سؤالات في أسباب وجود الأرضية المؤهلة لظهور شريط ليلى وحمزو، وسنعالج المسألة من منحيين أحدهما: بحثها من حيث اعتبارها إفرازا من إفرازات ظاهرتها الحاضنة التي تتسع مع الوقت برعاية منيعة الحصن ومتينة المنعة من فريق التبرير، وثانيهما: محاولة اجتزاءٍ وانتقاءٍ - سواء كان عن قصد أو عكس ذلك - من معاشر الرفض للغيرة وحميد القيم في شريحة واحدة من المجتمع، وغض الطرف عن باقي الشرائح الأخرى وتركهم هملا يسرحون في مرتع المباحات بالنسبة لآخرين والمنكرات لطائفة أخرى، دون متابعة الشاجب وانفعالات الرقيب. إن المجتمع الموريتاني أيا كانت خصوصياته، أو أنماط مسلكياته لا يمثل نشازا عن أضرابه من المجتمعات التي سرت إليها التأثيرات الصادمة لأشياء الحضارة المعاصرة وطارئات الكنولوجيا والصناعات، كما أن البنية الهرمية المتباينة في وسائل العيش وأسباب الرفاه جعلت البون يتسع - وبفعل عوامل وتراكمات كثيرة - بين طبقة المترفين وأجزاء المجتمع الأخرى، ما خلق ضعفا في مجن الحصانة عند تلك الطبقة، وميلا جارفا للمماثلة عند الأجزاء الأخرى، نتج عن ذلك إرباك في ثبات التوازن وخلط في أوراق من يرسم خارطة منهاج المسلكيات العامة، لتبقى الغلبة منذ العشريتين الأخيرتين من القرن الماضي "لطبقة المترفين" - بفعل الفساد المالي في الدولة وتعدد الموارد المشبوهة للثراء - والأمثلة على ذلك كثيرة، فمنها: ما حدث على أنماط الأزياء والوجبات والموسيقى والأعراس......
. إن هذه الطبقة - وإن كانت صاحبة التأثير في وقتها الحالي - تشعر في عقلها الباطن بإدانة الآخرين لها - وإن بقلوبهم كأضعف الإيمان - كما تحس في كامل وعيها بضرورة الدفع بدفوع التبرير والتوسيغ لأساليب صارت تمثل وجدانها، وذلك ما جعلهم يدافعون استماتة عن الشريط الأخير، ليس ذبا عن أصحابه وحريتهم الشخصية في الاختيار، وإنما لأنهم حماة ديار ثقافة يعد الشريط من نتاجها، وملمحا من مظاهرها. اما المنحى الثاني المتعلق بحصر المراقبة الاجتماعية على شريحة واحدة دون غيرها، فهو الأمر الأعجب، إذ لو كان هذا الشريط أنتجه أفراد ما من فئات المجتمع الأخرى فلن تسمع عنه همسا، وسيمر أمره مر الكرام، ويحدث مثل ذلك بل أدهى منه وأمر، كل وقت على مرأى ومسمع المشنعين على شريط ليلى وحمزو، وكأن الحرام والحلال يعنيان فريقا معينا من مجتمع موريتانيا المختلف الأعراق! وهذا ما لا ينبغي أن يكون. ليس في استطاعتي أن ألم في هذه العجالة بمباحث الظاهرة، التي تحتاج بحثا مستفيضا، يستدعي الدواعي ويستشف الخلفيات ويستقرئ الجزئيات لاستنباط النتائج... ولكنها قد تمثل بالنسبة لطارق الموضوع مفتاح باب مفض لمعالجة ظاهرة أضحى بحثها من مستعجلات وملحات الوقت. |