"الشنقيطي" في خطر
الاثنين, 20 سبتمبر 2010 11:53

الأستاذ محمد يعقوب ولد أحمد بزيد الأستاذ محمد يعقوب ولد أحمد بزيد على رسلك أيها القارئ العزيز، فليس المهدد هو الشنقيطي اللغوي، ولا الأديب، ولا المفسر، ولا المحدث، ولا المفكر، ولا الواعظ، ولا من جمع كل تلك الأوصاف مرة واحدة، وإنما هو لقب "شنقيطي" الذي حمله هؤلاء ورفعوا به اسم شنقيط واسم بلادها وأهلها اليوم كما رفعتهم هي ذات يوم، وحمله غيرهم ممن لا يستحقه فأخذوا من رصيد اللقب ومكانة الاسم ودلالة الصفة.


 
التعميم خطأ يقع فيه الجميع، وإذا وقع فسيكون في مصلحة الجميع أو ضد الجميع. لما رحل ركب الشناقطة ووصلت موسوعاتهم المتنقلة إلى شرق العالم الإسلامي، انطبعت في ذهن العالم العربي صورة الشنقيطي الحافظ الورع الزاهد وعمت جميع من رأوه ومن لم يروه من أبناء شنقيط. أذكر في هذا السياق أن باحثا سودانيا تتلمذ على الشيخ محمد الأمين آب ول اخطور رحمه الله، ناقشه أستاذه المستشرق البريطاني في معلومة أودعها بحثه للدكتوراه، وهي أن بعض القراءات القرءانية قد اندثرت ولم تعد متداولة بين العموم إلا في بلاد شنقيط، فاعترض الأستاذ المشرف على تلميذ الشيخ الشنقيطي قائلا: هل أنت واثق من هذه المعلومة؟ فأجاب بما كانت عليه سمعة شنقيط وأهل شنقيط حينها في قلوب العرب والمسلمين دون أن يروهم: وهل تظن أن هناك قراءة لا يعرفها ولا يقرأ بها أهل شنقيط؟!
 
وفي المقابل لما سار رجال ونساء غير سيرة آبائهم وأجداهم التي كانوا عليها، بدأت مكانة كل ما هو شنقيطي تضمحل أو تتراجع في بعض البلدان وعند بعض الناس الذين احتكوا بنماذج لا تأخذ اللقب بحقه ولا تلتزم بمقتضياته ولا تتمسك به بقوة كما تمسك به أهله وذووه، وظهرت صورة أخرى ساهم في تسويقها بعض أبناء البلد ومثقفيه وباحثيه وإعلامييه بوعي ودون وعي. كانت شنقيط بلاد مليون شاعر وألف قارئ وألف حافظة، وللأسف أصبحت بلاد الانقلابات والطلاق والسمنة والتحايل المالي.
 
لا يجوز أن أعمم أنا أيضا وأقول إن الصفات السلبية حلت محل الصفات الإيجابية، ولكني أجزم بأنها زاحمتها وضايقتها حتى جعلت النسبة إلى شنقيط ذات وجهين بعد أن لم يكن لها إلا وجه واحد لا تحتمل غيره أبدا. ولا أخفي أنني دائما ما أجيب بالنفي عندما يسألني سائل هل أنت شنقيطي؟ لتخوفي في بعض الأحيان من تحمل التبعات السلبية في البيئات الملوثة، ولخوفي في أكثر الأحيان من حمل أعباء لقب لا أستحقه، وأن يقومني الناس على أساس ما قرأوه وسمعوه عن شنقيط وأهلها وتأتي الأيام بما لا أشتهي فيفتضح أمري بين الناس.
 
غالبا ما تكون للشعوب العريقة ألقاب نابعة من عبق التاريخ متطورة مع العصور تقدر نفسها وتحمي أصحابها بالقانون لتترجم مكانتهم الحقيقية والرمزية في قلوب المجتمع  وفي عيون الناس. عندما تذهب إلى بريطانيا تجد ألقابا عريقة مثل كونت المنحوت من معنى الحاشية والبارون الذي يعني الحر والنبيل، ويمنحهما جلالة من يتقلد الملك لذوي المكانة والاحترام في المجتمع، وهي ألقاب تفوق في التقدير أعلى المناصب السياسية والوظائف الإدارية مكانة. وفي ماليزيا تجد لقب الداتو الذي يعترف لحامله بالمكانة المعنوية ويمنحه امتيازات مادية له ولذويه، وتون الذي يعطيه أكثر من ذلك ويمنحه حصانة من احتمال الوقوف أما أي شرطي أو محقق أو حتى جهاز للقضاء. وفي الهند نجد لقب المهاتما بمعني الروح السامية والذي لم ينله غاندي إلا بعد سنين من أجل الحرية والتحرر، وعند الشيعة نجد لقب آية الله وروح الله الذي يفصل في كل أمور الدنيا والدين، وفي الجزائر والمغرب وسوريا نجد لقب الشهيد والمقاوم الذين جعلا الأحياء يحسدون الأموات على ما أكرمهم الله به هم وذويهم في الدنيا قبل الآخرة.
 
صحيح أن الانتقاء الإلهي يمنح من شاء ما شاء دون حاجة لتدخل من أحد، وأن المجتمع بفطرته يعطي كل مستحق ما يستحقه من ألقاب دون عناء، ولكن الله يزع بالسلطان والقانون ما لا يزع بالقرآن والأعراف الاجتماعية، من هنا كان لا بد للقب الشنقيطي، من حمايات متعددة لا حماية واحدة: فلا بد من حماية أخلاقية، يتذكر فيها كل فرد داخل البلد وخارجه ما بذله الآباء والأجداد من جهد وما بنوه من مجد ذاقوا الأمرين قبل مناله، ولا أقل من الحفاظ عليه من النقصان إن عجزنا عن الزيادة. ولا غنى عن حماية قانونية تجعل هذا اللقب وهذه الصفة رتبة تعطى مع امتيازات مادية ومعنوية لأهلها استحقاقا لا ادعاء، بعيدا عن الخلافات والتحزبات والنعرات القبيلة والجهوية، ومنع كل من لا يستحقه من تقلده ومعاقبته كما يعاقب لابس ثوب الزور. وتبقى الحماية الدبلوماسية ودور سفارات الدولة التي سبقها بعض الأفراد في عملها، ودور ملحقاتها التي غابت أو غاب دورها في التبشير بالعلم والورع والحفظ والشنقطة الأصيلة.

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox