الاثنين, 20 سبتمبر 2010 12:57 |
الهادي ولد النحوي
الهادي ولد النحوي
المفاوض الفلسطيني مستعد للتنازل عن كل شيء والقبول بأي شيء والمفاوض الإسرائيلي يرفض كل شيء قررت الولايات المتحدة دعوة الإسرائيليين والفلسطينيين للمفاوضات التي سموها مباشرة.وإنما هي الإملاءات المباشرة ودعوكم من بيان الرباعية فلا وجود لرباعية ولا خماسية ولا ثلاثية فكل أعضائها إما تابعون لهوى الولايات المتحدة أو أصفار على الشمال لا معنى لحضورهم ولا ضرر من غيابهم.. عندما ينتظم طرفان في مفاوضات فذلك يقتضي عادة توقع كل طرف أن يحصل على الحد الأعلى من مطالبه لكن منطق الأشياء يقتضي أن يكون مستعدا للنزول للحد الأدنى من مطالبه...
أما أن يقدم المتفاوضان على المفاوضات وأحدهما يريد الحد الأقصى من المطالب بل أكثر من ذلك بينما الطرف الآخر مهمته أن يتنازل في كل مرحلة ويكون له في مرحلة حد أدنى من الحد الذي تنازل عنه في مرحلة سابقة إلى أن يتنازل عن كل الحدود وينحدر إلى القاع مجانا ، فهذا ما لا يمكن تسميته "مفاوضات".. من شروط المفاوضات أن يكون هناك نوع من التوازن بين الطرفين أما إذا فقد التوازن فعلينا أن نبحث عن مسمى آخر مثل الإملاءات أو التمثيل أو العبث ... فكيف نسمى وضعا كهذا "مفاوضات" ؟ وحتى نفهم المسألة علينا أن نعرف وضع ومطالب كلا الطرفين. وضع إسرائيل ومطالبها وما تريد أن تأخذ وما ستعطي إسرائيل "دولة" متقدمة صناعيا وتكنلوجيا وهي تصنف ضمن الدول المتقدمة لكن قوتها الأساسية تتركز في آلتها العسكرية فهي تملك أقوى جيش في المنطقة وهي الدولة النووية الوحيدة في المنطقة و فوق ذلك تكفلها الولايات المتحدة كفالة غرم وأداء ويكفلها الاتحاد الأروبي و الأمم المتحدة كفالة حضور وتكفلها الدول العربية كفالة فعلية.. إسرائيل احتلت بالقوة أرض فلسطين 48 واحتلت الباقي سنة 1967م... وإسرائيل لا ينقصها مال ولا سلاح ولا اقتصاد ولا صناعة ولا تكنلوجيا .. فهي تسيطر على كل فلسطين بل وتسيطر على كل البلاد العربية بطرق مختلفة... مطالبها من المفاوضات لإسرائيل - كأي طرف مفاوض - مطالبها وشروطها وقد كان نتنياهو واضحا في هذا الباب فبعد أن حذر الفلسطينيين من أي شروط مسبقة وضع هو شروط إسرائيل : - الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وذلك يعني أولا استحالة عودة اللاجئين الذين هجروا من أراضيهم عام 48 وما بعدها ويعني أيضا الإلغاء الفعلي لفلسطينيي 48 إما بتهجيرهم أو سلبهم حقوقهم وأولها هويتهم..ويعني ذلك أيضا عدم الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين لأن أيديهم "ملطخة" بدماء اليهود وما دامت دولة يهودية فلا يجوز إطلاق سراح أعدائها - يوافق نتنياهو على "دولة" للفلسطينيين على مقاسه وشروطه : o الدولة منزوعة السلاح o لا يجوز لها عقد حلف مع دولة أخرى إلا بموافقة إسرائيل o سيطرة إسرائيل على غور الأردن وهذا يعني حصار الضفة الغربية والتحكم في الدخول والخروج إليها هذا ما أعلنوه وهو إما أمر واقع لا يحتاج إلى ذكر أو أن لهم القدرة على تنفيذه . ولكن هناك شروط أخرى تتكرر دائما على لسان الإسرائيليين ويطبقونها على أرض الواقع وهم جادون في ذلك : - لا عودة لحدود 1967م - لا وقف للاستيطان ولا مجال لتفكيك المستوطنات في الضفة الغربية التي تقطعت أرضها وأصبحت أوصالا بسبب هذه التجمعات الاستيطانية البالغ عدد سكانها حوالي 500 ألف مغتصب .. - أما القدس فهي ليست للنقاش فهي عاصمة إسرائيل "الأبدية" هذا عن الصورة من ناحية إسرائيل فما هو الوضع بالنسبة للفلسطينيين؟ يذهب المفاوض الفلسطيني وليس لديه جيش ولا سلاح نووي أو غير نووي ولا دولة ولا سيادة ، يذهب وبحر العرب وراءه ومحيط أمريكا أمامه... يذهب المفاوض الفلسطيني وهولا يعرف ما يريد لكنه يفهم ما تريد إسرائيل ويعرف ما تفكر فيه أمريكا غير أن أهم شيء يعرفه هو أن عليه أن يعطي بلا حدود لكنه لن يحصل إلا على مسمى دولة بلا حدود... أول درس سيحفظه المفاوض الفلسطيني من مضيفيه هو : المادة الأولى : أمن إسرائيل هو الأساس وهو الهدف من كل العملية والقضية ليست إزالة احتلال وإعادة شعب مشرد لأرضه ومنحه حقوقه... المادة الثانية: إذا لم يتوفر الأمن لإسرائيل فإن أمريكا ستضمنه وتدوس على العرب كلهم جهارا نهارا والذي لا يعجبه الأمر يشرب ماء البحر... المادة الثالثة : فلسطين ،كل فلسطين التاريخية ، هي أرض يهودية وعلى الفلسطينيين أن يبحثوا عن وطن بديل في الأردن أو في غيرها من الدول العربية أو في البرازيل أو الهندوراس... وما سيقدم لهم إنما هو من كرم اليهود وتنازلاتهم "المؤلمة" عن "أرضهم التاريخية".. المادة الرابعة : المسالة إملاءات وليست مفاوضات فأعطوا ما يطلب منكم واقتنعوا بما يمنح لكم مهما كان حجمه وشكله. المادة الخامسة : أنتم أيتام على مائدة اللئام ... إذن هذه الصورة أمام المفاوض الفلسطيني فلذلك لن يستطيع التفاوض على القدس ولا اللاجئين ولا حدود 67 ولا حتى الأسرى.. هذا المفاوض الفلسطيني الذي يمشي مقيدا ومسوقا لن يكون أفضل من الرئيس الفلسطيني عرفات رحمه الله الذي ذهب بكارزميته وبالشرعية الفلسطينية إلى حد كبير عكس مفاوض اليوم الذي قال عنه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إنه يمشي فارغ اليد ومكشوف الظهر.. علما بأن ما عرض على عرفات كان أفضل بكثير من المعروض على السلطة اليوم. فلو كانت هذه مفاوضات جادة لكان التفاوض قبل كل شيء على تعويض اللاجئين الفلسطينيين والأسرى وكل الفلسطينيين عن أكثر من 60 سنة من القتل والإبادة والنهب والتشريد والمطالبة ومحاكمة كل من اعتدى على الفلسطينيين ومارس ضدهم جرائم الإبادة الجماعية . أقصى المتاح في ظل ميزان القوى والظروف العربية والدولية فإن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه المفاوض الفلسطيني هو شبه دويلة في الضفة الغربية مقطعة الأوصال يتخللها التمدد الأخطبوطي للمستوطنات وتوسعها سيستمر . هذه الدويلة سيحاصرها الجيش الإسرائيلي من جهة غور الأردن ما يعني أنها دولة تسيطر عليها إسرائيل من جميع النواحي وأكثر من ذلك هذه الدويلة لا جيش لها ولا سيادة لها على الكنتونات الممنوحة لها ولا على الجو.. حتى الماء تتحكم فيه إسرائيل.. إن هذا الوضع يعني أنه بإمكان إسرائيل أن تعتقل حتى رئيس هذه الدولة بحجة تهديد أمن إسرائيل ومن يمكنه أن يمنعها من ذلك ؟ فلا جيش ولا إمكانية للحصول على دعم من جهة خارجية... وبعبارة أخرى فإن الاحتلال سيستمر لكن شكله تغير قليلا فالمفاوض الفلسطيني سيقبل بالاحتلال بصفة "قانونية وسياسية" ، فهذه الدويلة ملزمة بما سيعتبر معاهدة دولية لكنها لا تتوفر على أي من المقومات المعروفة للدولة وأهمها : السيادة والإقليم والشعب فالسيادة منعدمة كما وضحنا والإقليم يحتله المستوطنون والشعب إما في الشتات أو في سجن كبير... ويكفيك أنهم يسمونها دولة قابلة للحياة وهذه بدعة في مصطلحات القانون الدولي وما يفهم من سياق المصطلح هو أنها دولة بين الحياة والموت. إذن هذا هو أقصى ما يمكن أن يحصل عليه المفاوض الفلسطيني ، إن كان سيحصل على شيء أصلا ، لذلك لم يكن مفاجئا ما قاله لبيرمان من أنه لا يتوقع الكثير من هذه المفاوضات... المسألة برمتها أجزاء محاصرة من الضفة الغربية ربما ترافقها حرب أخرى لا رحمة فيها على غزة لمحاولة كسر شوكة حماس وإسكات صوت المقاومة وإكمال تصفية القضية ... فهل استشهد وأسر وشتت خيرة أبناء فلسطين من قادة وعلماء ومقاومين وشباب ونساء ورجال من أجل الأقفاص والكنتونات؟ بوادر ومؤشرات هناك بوادر ومؤشرات على ملامح الصورة النهائية فالسلطة في الضفة الغربية تنفذ برنامجا لتجفيف منابع المقاومة منذ فترة باعتقال قادة وأعضاء حركة حماس مع التركيز على محاربة ظاهرة التدين وكل مظاهر المقاومة بل ومنع كل الفصائل المقاومة من مجرد التعبير السلمي عن الاعتراض على المفاوضات .. وليس من قبيل الصدف أن تعتقل السلطة مجموعة من عناصر حماس بعيد الإعلان عن الموافقة على بدء المفاوضات ،هذا طبعا إضافة إلى الاعتقالات المستمرة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بوتيرة متزايدة خلال الأيام الماضية وكأن كل طرف أطلق يد الطرف الآخر في ضرب المقاومة لتمهيد الطريق أمام المخاض العسير بل العقيم للمفاوضا ت وقد أخبر ني أحد الإخوة الأفاضل أن الفلسطينيين إذا فقدوا بعض أبنائهم فجرا فإنهم يحمدون الله إذا قيل لهم أن الجيش الإسرائيلي هو الذي اعتقلهم وليست أجهزة السلطة...! نتيجة حتمية يذهب المتفاوضون عادة في أي نزاع وكل عنده أوراق تمكنه من المناورة للحصول على أكبر المكاسب فلو لم يكن الثوار الجزائريون انتهجوا طريق الكفاح المسلح فهل كانت فرنسا ستصغي لهم أو حتى تجلس معهم للتفاوض وهكذا كل حركات التحرر ... قد تكون الظروف تختلف في حالة الجزائر مقارنة بحالة فلسطين وإن كانت أوجه التشابه واضحة من حيث أن الاحتلال الفرنسي للجزائر كان احتلالا استيطانيا كما هو الحال في فلسطين. أما أن يكون أحد الأطراف يمتلك كل الأوراق والطرف الآخر ليست له أية ورقة ، فالنتيجة الحتمية أن الطرف الذي يمتلك كل الأوراق سيفرض ما يريد بينما لن يكون أمام الطرف الآخر سوى القبول بما يعرض عليه نتيجة لاختلال الموازين بين الطرفين فالطرف الأقوى لن يخسر أي شيء حتى لو فشلت المفاوضات لأنه لا يخشى أي تهديد أما الطرف الآخر فهو خاسر لأنه ليس بإمكانه أن يفرض أي شيء وهو كذلك لن يخسر أي شيء لأنه وصل لمرحلة "ما لجرح بميت إيلام".. لذلك فهو يرضى بأي شيء. هذه هي الصورة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، فالإسرائيليون يأتون وهم في مركز قوة ومعهم أمريكا والرباعية (الأحادية) أما الفلسطينيون فيأتون وليس لهم من الأوراق سوى الاستجداء غير المسنود بالقوة والاستعداد للتنازل إلى ما لانهاية وخلفهم العرب بين متفرج ومتآمر ومتواطئ.. فهل الفلسطيني الذي يأتي فارغ اليد مكشوف الظهر ومن غير شرعية فلسطينية ولا غطاء وطني - كما قال خالد مشعل – قادر على أن ينتزع دولة مستقلة؟ لو كان المفاوضون يفكرون لكسبوا جهدهم ووقتهم وفهموا كلام نتنياهو ليس لكم عندي سوى نشيد وعلم وليس ببعيد أن يملي عليهم كلمات النشيد وشكل العلم الذي قد يكون تمجيدا لليهود على "عطاياهم وكرمهم.." (كتر خيرهم..) وعليننا أن نعذر الرجل فقد كان كريما عندما قال في افتتاح المفاوضات في واشنطن أن هذه ارض أجدادهم وأن شعبا آخر يعيش عليها فالمرجعية بالنسبة له أن هذه أرض اليهود وان ما يقدم منها للفلسطينيين إنما هو من باب الكرم وحب التعايش السلمي مع الأميين...! فشكرا لنتنياهو الذي قالها صريحة: حل الدولتين أمر مستحيل، فالصراع ليس صراع حدود بل صراع وجود وهذا ما لم يقتنع به المفاوض الفلسطيني أو فهمه وأصم أذنيه عنه فهذا بكل تأكيد ليس طريق حل هذا الصراع...فهناك فصول أخرى للمعركة بدأها رجال ونساء مخلصون وسيقيض الله من يواصل تلك المهمة وإن بعد حين .. المخرج المشرف للمفاوض الفلسطيني - ونحن نفترض حسن نيته- أن يكون صادقا مع نفسه فيقول للشعب الفلسطيني أنا عاجز عن مقاتلة إسرائيل لكنني لست مستعدا لبيع فلسطين لأمريكا واليهود...
|