عن الموقف الموريتاني من أزمة الصحراء الغربية ( ح1) |
الأحد, 08 ديسمبر 2013 19:26 |
وإذا كان خطاب المختار في جزئه الموجه للصحراويين عاطفيا إلى أقصى الحدود، فإنه لم يعدم الأساس الذي بنى عليه ارتباط الصحراويين بالموريتانيين، فبين الخطاب أساس هذا الارتباط وأسنده بالدليل ودعمه بالحجة وأقام عليه البرهان مذكرا بحدود مجال البيظان الذي يفترض أن موريتانيا هى عمقه ومركزه، فحدود موريتانيا كما رآها المختار في خطابه المذكور آنفا تمتد من لكويرة غربا حتى إقليم أزواد شرقا في جمهورية مالي ومن اندر"سنلوي" جنوبا في السينغال حتى وادي نون "اكليميم" شمالا في المملكة المغربية. إلا أنه لم يكن بالإمكان أحسن مما كان نتيجة للوضعية الاستعمارية الاستثنائية التي كانت تعيشها موريتانيا. وبالتالى كان خطاب المختار ولد داداه تذكيرا بالروابط الموريتانية بالأقاليم الصحراوية حتى لا ينجح المستعمر في توسيع الهوة بين موريتانيا وسكان الصحراء، كما يعتبر، تعبيرا عن التضامن والمؤازرة لهذا الإقليم الذي لا زال حينها، يرزح تحت الاستعمار الإسباني، حيث لم يتأخر الشعب الموريتاني عن مؤازرة الصحراويين في مواجهة المستعمر. ولم يكن تركيز الموريتانيين في تعاطيهم مع قضية الصحراء منصبا على ضمها إلى موريتانيا، وإنما كان الاهتمام والتركيز على كل السبل والآليات والوسائل التي من شأنها أن تساعد بتعجيل رحيل المستعمر الإسباني، ومن ثم يكون للصحراويين الخيار الحرفي تقرير مصيرهم، هل سيفضلون الاستقلال بأنفسهم، أو سينضمون لإخوتهم المغاربة وهو أمر محتمل ويستحق التقدير، أو سيفضلون الانضمام إلى موريتانيا، التي راهنت على عوامل العادات والتقاليد المشتركة. وبالتالى فإن خيار القوة كان مستبعدا لأن الوحدة المفروضة بالقوة لا تملك مقومات البقاء وقد انتهزت موريتانيا فرصة ـ اتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها [2072] المطالب لإسبانيا بإنهاء استعمارها للصحراء الغربية1965،حيث قدمت موريتانيا إلى الأمم المتحد أثناء دورتها الثانية والعشرون المنعقدة 1966 والتي ناقشت قضية الصحراء ،عريضة ادعت فيها أن الصحراء جزء من المجموع الموريتاني،كما تقدمت المغرب وإسبانيا بعرائض ادعتا فيها نفس الأدعاء
ماهو سبب التقارب الموريتاني الجزائري؟ في إطار اهتمام موريتانيا بالصحراء رأت أنه من الضروري أن يكون لها تحالف تكتيكي مع الجزائر التي تتباين وتتناقض مواقفها مع المغرب في الفكر والنهج والممارسة السياسية، حيث ترى موريتانيا في الجزائر ضامنا يحميها من طموحات المغرب التي تسعى لاستعابها، والصحراء من باب أولى، فنسقت مع الجزائر التى يرى بعض الباحثين أن موريتانيا هي التى استدرجتها لمستنقع مشكل الصحراء([1]) –فانقلب السحر على الساحر- فقامت موريتانيا بواسطة دبلوماسييها في الأمم المتحدة: أحمد باب ولد أحمد مسكة وأحمد ولد جدو مستشار سفارتها في تونس وسفيرها اللاحق في الجزائر فأعدا ملفا حول قضية الصحراء فسلماه للجزائر بواسطة سفيرها في الأمم المتحدة الذي كان يسمى بعطورة. حيث أدركت موريتانيا خطورة أن تتفرد المملكة المغربية بملف الصحراء قبل أن ترسخ موريتانيا دعائم استقلال دولتها، وربماكان استدراج الجزائر لكى تكون فاعلا في قضية الصحراء القصد منه مشاغلة المملكة المغربية حتى تتجاوز الجمهورية الإسلامية الموريتانية مرحلة الضعف وعقبة الأطماع الإقليمية: المغرب من الشمال وفدرالية مالى "السينغال ومالى" من الجنوب. ومن الواضح أن موريتانيا أرادت استثمار ما خلفته حرب الرمال سنة 1963 من فتور ورواسب وحواجز نفسية بين المغرب والجزائر. فقام الرئيس الموريتاني بزيارة، إلى الجزائر1967 حيث كانت مناسبة للبلدين لتعميق تحالفهما الاستيراتيجى في مقابل ما سمياه النزعة التوسعية للمملكة المغربية التي تريد التهامهما؛ لكن اعتراف المغرب بموريتانيا سنة 1969 على هامش قمة منظمة المؤتمر الإسلامي، واجتماع الثلاثة 17 يونيو 1970 في مؤتمر ثلاثي بمدينة أنواذيبو الموريتانية الرئيس الموريتاني ,المختار ولد داداه و الملك الحسن الثاني و الرئيس الجزائري هواري بومدين لمناقشة مسألة قضية الصحراء.التي اتفق الثلاثة على أن تكون موريتانيا هي منطلق أي عمل يدعمه الثلاثة من مساعدة الصحراويين في التخلص من المستعمر الإسباني، كما وحدت المغرب وموريتانياجهودهماوبمباركة من الجزائر قبل أن تغير رأيها أثناء تقديم الأمم المتحدة طلبها لمحكمة العدل الدولية وإدراك الملك الحسن الثاني لأهمية الدور الديبلوماسي لرئيسها المختار ولد داداه، غير المعادلة كثيرا، فكانت له آثاره على التحول في التعاطي الموريتاني مع قضية الصحراء، فانعكس على استراتجيتها التى كانت تتأسس على أن قضية الصحراء بالنسبة للموريتانيين من الثوابت التى لا يجوز التفريط فيها، فكان التحالف مع المغرب واتفاقية التقاسم معها من الأمور التي خلقت حواجز، أساءت للعلاقة العضوية التي كانت تربط بين موريتانيا وسكان إقليم الصحراء. وإن كانت موريتانيا قد أخطأت في تقديرها في الاندفاع والتعويل على الجزائر، فإن المغرب في تحليله للتعاطي الموريتاني مع قضية الصحراء لم يكن مصيبا في إدراكه لحقيقة العلاقة بين الموريتانيين والصحراويين حيث كان التحليل المغربي يحصر التعاطى الموريتاني مع ملف الصحراء في أنه لم يكن إلا مناورة جزائرية ألهمت موريتانيا القيام بهذه الخطوة على حد تقدير المغرب، وهو تقدير يجانب الصواب، لأن موريتانيا لم تكن تخشى المغرب بعد أن اعترفت بها الأمم المتحدة سنة 1961، وكانت عضوا مؤسسا في منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963 وترأستها سنة 1971. لكن تقارب المغرب مع الجزائر وموريتانيا وجده الملك الحسن الثاني المعروف بدهائه فرصة لتفكيك هذا التحالف الذي وجد أصلا لمواجهته، فما كان منه إلا أن استفرد بالرئيس الجزائري هواري بومدين فوقع معه اتفاقية معاهدة صداقة وحسن جوار في إفران بالمملكة المغربية، وهو ما قوبل من طرف المختار ولد داداه بالتحفظ والاستياء لأن حليفه "بومدين" لم يحطه علما بما أقدم عليه من تقارب مع الحسن الثاني غريمهما السابق، كما أن الحسن الثاني قد يكون ذهب بعيدا في نظر بعض الجزائريين([2]) في قمة تلمسان بتاريخ 27 مايو 1970م فيكون قد عرض تقاسم الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب. وتابع الملك الحسن الثاني سياسة خلق الهوة وتسميم الجو بين بومدين والمختار ولد داداه حتى يبقى هو لوحده في موقع قوة ويبقى الطريق سالكا أمامه للتفرد بالصحراء بعد أن يهدم قوة التحالف بين خصميه. يبدو أن الملك الحسن الثاني نجح في تفتيت التحالف الموريتاني الجزائري، فاستغل استياء المختار ولد داداه من اتفاق بومدين والحسن الثاني دون علمه حيث أراد المختار ولد داداه أن ينتقم من صديقه بومدين وذلك بالسعى للاتفاق مع الحسن الثاني دون علمه كرد على تجاهله، وهو ما تم في 8 من يونيو1970 في الدار البيضاء حيث وقع المختار ولد داداه مع الملك الحسن الثاني معاهدة تعاون وحسن جوار؛ وبعد هذا الاتفاق بدأ الحسن الثاني يحاول اقتراح مخططه لتقسيم الصحراء على المختار ولد داداه، ووجد المختار شبه متفهم لمخططه. وبعد ذلك التأم الثلاثة في مدينة نواذيبو في موريتانيا في 14 ديسمبر1970 حيث أكد بيان القمة الصادر في ختامها على تكثيف الجهود لتصفية الاستعمار عن الأراضي الصحراوية الواقعة تحت الاحتلال الإسباني. وقد شهد هامش القمة الإفريقية في الرباط يونيو 1972 التي تسلمت المغرب رئاستها من موريتانيا تطورات متميزة ونقلة نوعية في علاقات البلدان الثلاثة حيث قام المختار ولد داداه بالإيحاء لحليفه الجديد الملك الحسن الثاني بضرورة أن يستغل الملك الحسن الثاني فرصة القمة الإفريقية لتنقية الأجواء بين المغرب والجزائر يقول المختار: كما استغليتم يا جلالة الملك فرصة انعقاد القمة الإسلامية 1969 لتنقية الأجواء بين موريتانيا والمغرب، يمكنكم أن تفعلوا نفس الشيء بين المغرب والجزائر"([3])وقد اقتنع جلال الملك الحسن الثاني بالفكرة، فوقع اتفاقية مع الرئيس الجزائري اتفاقية، حيث تنازل المغرب بموجبها عن تندوف وهو ما كان يمكن أن يكون له الأثر الإيجابي في تحييد الجزائر في قضية الصحراء لو أسرع المغرب في توقيع لاتفاقية ولما استمالت الجزائر جبهة البوليساريو المولودة حديثا في موريتانيا حسب استنتاج المختار ولد داداه([4]). وفي نفس القمة اقترح الحسن الثاني على المختار تقاسم الصحراء بينهما على أن يبقى ذلك سرا، وقد أعلما الرئيس الجزائري حيث عبر عن غبطته بما اتفقا عليه، وكان الثلاثة مرتاحين لاعتقادهم أنهم توصلوا لحل كل مشاكلهم. لكن الأحوال التى مر بها المغرب من اضطراب بسبب المحاولات الإنقلابية تأخرت المملكة في التصديق على الاتفاقيات التى تربطها بالجزائر. وكان المختار يلح على صديقه الملك الحسن الثاني بضرورة التعجيل بتوقيع هذه الاتفاقيات حتى يحافظ الثلاثة على المكاسب التي تحققت. لكن المغرب لم يستجب وبدأ الشك يدب بين الجزائر والمغرب، وبقيت موريتانيا تدور مع مصالحها: تنسق مع المغرب فيما يخص الصحراء، وتعلن تضامنها مع الصحراويين ترضية للجزائر. وكان المغرب يفضل بقاء الإحتلال الإسباني حتى يتم اتفاق بشأنها. وفي سنة 1974 توصل المختار ولد داداه والملك الحسن الثاني إلى اتفاق كامل حول قضية الصحراء يتضمن التقسيم والحدود وكل التفاصيل في انتظار أن يحين الوقت لتطبيق ذلك. ([1])سيداعمر ولد شيخنا: موريتانيا المعاصرة: شهادات ووثائق، دار الفكر، نواكشوط، 2009، ص199. ([2])أحمد طالب الإبراهيمي: "وزير خارجية الجزائر سابقا"، مذكرات جزائري – الجزء الثاني، دار القصبة للنشر، 2008م، ص 437. ([3])المختار ولد داداه: موريتانيا على درب التحديات، منشورات كارتهالا، باريس، 2006، ص، 462. ([4])االمختار ولد داداه: موريتانيا على درب التحديات، منشورات كارتهالا، باريس، 2006، ص465. |