ضوء الشمس لا يخفيه الغربال |
الأربعاء, 08 يناير 2014 16:09 |
بسم الله الرحمن الرحيم وهل يضر السحاب نبح الكلاب ما يضر البحر أمسى زاخرا أن رمى فيه غلام بحجر بسم الله ، الحمد لله ، الصلاة والسلام وعلى رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد : فما تزال الأيام العجاف تفاجئنا بالإسفاف والإجحاف وقلة الإنصاف وذلك لون آخر من ألوان الصراع بين الحق والباطل لكنه ليس بحد بالسنان والأخذ بالعنان بل هو صراع الأقلام والشهامة والإقدام والحجة والإفحام ،
تلك هي سنة الله تعالى ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا وقد اتخذت الهجمة الشرسة على المقدسات والحرمات ألوانا شتى واتضحت اتضاحا بتا وتدرجت في سلم الإلحاد من إنكار السنن المتواترة كحد الرجم أو الثابتة ثبوتا قطعيا كحد الردة إلى إنكار الغيبيات اليقينية كخروج المسيح الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام والقائمة مفتوحة ولكنها مفضوحة فقد قيض الله لها رجالا قارعوا الفتن كلها وأخمدوها في مهدها تحقيقا لوعد الله تعالى القدري وأمره الشرعي بحفظ الكتاب والسنة ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
وقد حقق الله وعده على أكتاف الذين اختارهم لنصرة دينه ونبيه صلوات الله وسلامه عليه ومن آخر ذلك مقالة بلغت من السفاهة والتفاهة إلى درجة لا تستحق معها عناء في الرد ، وواضح أن الصائل المائل غير مقتنع بما يقول فالمتأمل في مقاله المتهافت يشعر برعشة قلمه وزلة قدمه وأنها ردة فعل مؤسفة غير منصفة ولا أثارة عليها من علم ولا فهم ولذلك فإنني سأقتصر في دحض الأباطيل والأضاليل على فقرات يسيرة لأسباب ثلاثة :
-1لئلا يطول بالإسهاب المقام فيسأم قراءته الغيارى الكرام
-2 ولأن كثيرا من الشبهات يغني تجاهلها أحيانا عن تتبعها والرد عليها كما قال الإمام الشافعي رحمه الله : قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم إن الجواب لباب الشــر مفتاح فالصمت عن جاهل أو أحمق شرف وفيه أيضا لصون العرض إصلاح أما ترى الأسد تُخشى وهى صامتة والكلب يُخسا لعمري وهو نبــاح
-3ولأن المقال في نظري لم يصل إلى درجة البحث العلمي حتى تشد له الهمم ويشمر في تعريته عن الأكمام بل هو غضبة فردية سمجة وردة فعل لمعاناة شخصية وأسباب محددة سواء كانت من عادات المجتمع البائدة والمخلفات السائدة والقوميات الشاردة ومهما كان فإنه لا ينبغي للعاقل أن يصل به التمرد والجراءة حتى يتطاول على كتاب الله جل وعلا ويسب رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم والوقيعة في أصحابه وأتباعه رضي الله عنهم أجمعين التعليق على المقال الجامد الكاسد المسيء الرديء بشيء من التفصيل والتأصيل :
1- أخفق الكاتب في العنوان ولم يكن الصواب حليفه في التفريق بين الدين والتدين لأن الدين هو شرع الله جل وعلا وكتابه المبجل وكلامه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ...فهو صفة الخالق والتدين صفة المخلوق ولكنه لما كان الرسول عليه الصلاة والسلام هو المبلغ عن الله المبين عنه معصوما في أقواله وأفعاله { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } كان من اتهمه بشيء من الحيف والجور أو الظلم والمحاباة تصريحا أو تلميحا مرتدا خارجا عن ملة الإسلام لقوله جل وعلا : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) وقال سبحانه في سورة الفرقان ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون) وإذا بطل مفهوم العنوان فلا غرو إن نسفت أركانه فتهاوى بنيانه وما بني على باطل فهو باطل زائل والمقال كله ينضح بالاعتراض والامتعاض على الدين نفسه وعلى نبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه ، ومن اعترض هلك أما النماذج التي زعم الكاتب أنها أمثلة شاهدة على الخلل في التطبيق ( التدين ) فاسمعوا أيها القراء نكرانها واشهدوا بطلانها :
-2 ما دندن حوله من قصة الأسرى والفداء في أعقاب بدر لا حظ له من النظر والأثر فإن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام لما استشار الصحابة الكرام امتثالا لقوله جل في علاه { وشاورهم في الأمر } أشار الصديق رضي الله عنه بالفداء وأشار الفاروق رضي الله عنه بضرب الرقاب فصوب صلى الله عليه وسلم رأي الشيخين مثنيا عليهما مشبها الصديق بإبراهيم الخليل عليه السلام والفاروق بنوح عليه السلام ثم استقر الاختيار على الرأي الأول لا لعصبية أو محاباة حاشى وكلا وإنما للإصلاح وشراء السلاح وقد أخفى الكاتب رأي الفاروق من سياقه وذالك لنفاقه ، فسقط ما تعلق به من خيوط العنكبوت جملة وتفصيلا صحيح أنه نزل العتاب من رب الأرباب لأولي الألباب ثم تداركهم بالغفران والرضوان في أواخر سورة الأنفال ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يُثخن في الأرض..... إلى قوله جل وعلا { فلولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب أليم فكلوا مما غنمتم حلال طيبا .. الآية
-3أما استثناء العاص بن الربيع من الفداء .... فينبغي أن نعلم أن أبا العاص كان صهر مميزا وقد أثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ( حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي ) وكان ذا شهامة وإباء فجاء استثناؤه حالة إنسانية ولم يجبر الأصحاب رضي الله عنهم على رد القلادة جبرا إنما قال صلوات الله وسلامه عليه فإن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها قلادتها ففعلوها مختارين وجبرا لخاطر ابنته الكبرى زينب رضي الله عنها ووفاء لخديجة أم المؤمنين أيضا رضي الله عنها وفي ذلك تأليف لأبي العاص على الإسلام فرجع إلى مكة وأدى الأمانات إلى أهلها ثم انقلب إلى المدينة المنورة وأعلن إسلامه كما فضل صلوات الله وسلامه عليه المؤلفة قلوبهم في غنائم أوطاس فليست قصة أبي العاص رضي الله عنه فريدة حتى يشغب بها الكاتب غامزا لامزا وفوق هذا كله فإن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام كان معصوما في أقواله وأفعاله المتعلقة بالتشريع إجماعا لكن الكاتب جاهل بالسيرة النبوية العطرة
-4 أما مقارنتك أيها التائه بين هند بنت عتبة ووحشي الحبشي قاتل حمزة فمما تضحك منه الثكالى ويصحو منه الثمالى ، فلا وجه للمقارنة أصلا فإن وحشيا كان عبدا حبشيا مملوكا - على ما كان سائدا في ذلك الزمان – وفعل فعلته التي فعل لينال حريته ويفك رقبته فكان له ما أراد بقتل حمزة سيد الشهداء ، فلما جاء سنة ثمان حين أسلم أهل الطائف وأسلم قبل الرسول صلى عليه وسلم إسلامه وقال له أنت قتلت حمزة ؟ فقال قد كان من الأمر ما بلغك ، فقال صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تغيب عني وجهك كما في البخاري ولم يطرده كما زعم الكاتب ، قال الحافظ: وفيه -أي في الحديث- أن المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما ، وفيه أن الإسلام يهدم ما قبله. انتهى صحيح أن وحشيا قتل بحربته تلك مسيلمة الكذاب بعد ذلك ولكنه لم يحسن إسلامه لا وكلا وحروف النفي كلا بل كان مقيما بالشام موغلا في الخمور والآثام ثبت هذا في صحيح البخاري وغيره فالله تعالى وحده أعلم بخاتمته أما هند بنت عتبة فقد جاءت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع غفير من النساء الفضليات فأسلمت وحسن إسلامها وماتت على ذلك والجملة التي رفع بها الكاتب عقيرته وسود بها صحيفته لا معنى لها ولا أثر وهي قوله ( هند عزيزة في الجاهلية عزيزة في الإسلام ) والواقع أن هذا هو حال كثير من المشركين الذين أسلموا من قريش وسواهم فقد كانوا أعزة في الجاهلية - بالمفهوم المادي المحض - أعزة في الإسلام ماديا وروحيا ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين – ومنهم الكاتب التائه – لا يفقهون ) فلم تنفرد هند رضي الله عنها إذن بوصفها بتلك الجملة كما زعم فعمر رضي الله عنه كان عزيزا في الجاهلية عزيزا في الإسلام وكذا سائر الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين وسواهم ، وأما وحشي فساء إسلامه وثبت ملامه كما ذكر آنفا فلا مقارنة بينه وبين هند رضي الله عنها وأبعد من ذلك مقارنته بسيف الإسلام وأسده القائد الخالد : خالد بن الوليد الذي أسلم عام ست وحسن إسلامه وأبلى البلاء العظيم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقودا بعد ذلك كثيرا قضاها مجاهدا في سبيل الله تعالى ، وشجاعته معروفة وشهامته موصوفة .....فلا مقارنة بين خالد ووحشي بوجه من الوجوه فالتفاضل بين الناس سنة إلهية قائمة وحكمة دائمة قال جل وعلا { تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض..}
-5غص الكاتب وشرق وكاد من الغيظ أن ينشق بما استقر واستمر من سمو قريش وعلوها وفضلها على سائر العرب والعجم زاعما في سياقه البارد الفاسد أن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام جاء ممجدا للقومية مرسخا للقبلية العصبية وتلك مجازفة سمجة وزور وبهتان وباطل وضلال لا ينطلي على أحد ، والواقع أن تقديم قريش وتفضيلها إنما ثبت باصطفاء رباني خالص كما في حديث الاصطفاء الوارد في الصحاح والمسانيد بأصح الأسانيد ( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم فأنا خيار من خيار من خيار ولا فخر ( أخرجه مسلم وغيره ) وقال عليه الصلاة والسلام قدموا قريشا ولا تقدموها ، وقال أيضا قريش قادة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة وقال صلى الله عليه وسلم ( الأئمة من قريش ) في أحاديث صححها الحافظ في الفتح من كتاب الإمارة وغيره ، ومن هنا اتفق جمهور أهل العلم أن الخليفة الأعظم لا بد أن يكون قرشيا ) فسيادة قريش وقيادتها من المسلمات الشرعية ولا علاقة لها بالعنصرية ولا بالطبقية البغيضة بل هو كما ذكرت اصطفاء إلهي محض لمكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم والكاتب التائه يعلم أو لا يعلم أن رسول الإسلام صلوات الله وسلامه عليه جاء لهدم الطبقية واستئصال الجاهلية وسنته الشريفة وسيرته المنيفة طافحة بذلك كيف لا وهو المبلغ عن الله آياته الجامعة المانعة اليانعة ومنها : ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم..) وهو القائل ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) وقال صلى الله عليه وسلم ( اثنتان في أمتي هما بهم كفر(التفاخر بالأنساب والنياحة على الميت) في أحاديث حسنة أو صحيحة لو استرسلت في إيرادها لا متد المقام ، والتطبيق العملي يؤكد هذا المعنى أيضا فكان المؤذن الأول بلال الحبشي رضي الله عنه ولما عيَّره أحدهم قائلا يا ابن السوداء عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الصحابي قائلا أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية فاعتذر إليه حتى وضع خده على الأرض وقال تعال يابلال فضع رجلك على جبيني ، وهنا ظهر سمو بلال ونبله فقال لن أضع قدمي على جبهة تسجد لله تعالى ، على ذلك رباهم رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وعلى هذا استقروا واستمروا ... ولما مات ملك الحبشة النجاشي نادى في أصحابه صلى الله عليه وسلم قائلا مات اليوم رجل صالح يقال له أصحمة فقوموا للصلاة عليه فصلوا عليه صلاة الغائب وكان يزور أم أيمن في أطراف المدينة هو وأبو بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين وصلى على رسول رب العالمين إلى نماذج كثيرة تحرق أسطر الكاتب وتنسفها في اليم نسفا
-6 ويمتد بنا سياق التائه في اعتراضاته المنكورة ومغالطاته المكرورة فيدعي أن الحكم في بني قريظة بالقتل وفي أساري مكة بالعفو مع اشتراك الطائفتين في الإيذاء والاعتداء على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم هو حكم مجانب للصواب وفيه محاباة ... ونقول له إنما أوتيت من جهلك وغياب عقلك وإلا فكل عاقل لبيب أديب يدرك الفرق الشاسع والفصل القاطع بين الفريقين في الحالتين فالطلقاء الذين عفي عنهم يوم الفتح وفك أسرهم - وعددهم ثمانون رجلا - كانوا من الضعفاء التابعين الذين لم يخونوا ولم يغدروا - وأما من كانت لهم شوكة ولم يسلموا فلم يعف عن أحد منهم وما نجا منهم إلا الشريد والمختفي بل إن بعضهم أمر بقتله ولو كان متعلقا بأستار الكعبة - ... بخلاف اليهود فقد خانوا وغدروا ونقضوا العهد ومالئوا الأعداء وشاركوا في الحصار للقضاء على أهل المدينة فهموا بما لم ينالوا فكان جزاؤهم القتل الجماعي الذي حكم الله تعالى به من فوق سبع سموات .....فمالك والاعتراض على الله جل في علاه وعلى رسول الإسلام صلوات الله وسلامه عليه -6 من إساءات الكاتب وتطاوله وتحامله وقلة أدبه : تجريده لاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عظم الله جل في علاه ذلك ونهى عنه فقال سبحانه { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ....} واعلم أيها التائه أنه ما مثلك ورسول الإسلام عليه الصلاة والسلام إلا كمثل بعوضة هبطت على نخلة فلما أرادت أن تغادرها قالت لها أيتها النخلة استمسكي بنفسك فإنني راحلة عنك قالت لها النخلة أيتها البعوضة والله ما شعرت بك حين سقطت علي فكيف أشعر بك وأنت راحلة عني !! ثم اعترف الكاتب أخيرا بما ذكرته أولا في بأن من يعاني يجب أن يكون صريحا .... وزعم أن سبب المباشر في معاناة فئات وشرائح من المجتمع هو الدين ومن سماهم ( رجال الدين ) فكذب في الانتهاء كما ألحد في الابتداء لأنه نسب الظلم والحيف إلى الدين مع أن الدين معصوم لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وفد أقام الله رسوله صلى الله عليه وسلم مقام نفسه في البيعة فقال سبحانه { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ...} فنسبة الظلم إلى الدين كفر بواح وجهل صراح وأما من سماهم ( رجال الدين ) فهو تعبير كنسي نصراني لا شأن لنا به وهو من خلطه بين الدين والتدين وتخبطه فيما ليس له به علم وحسبك جهلا من لا يفرق بين صفة الخالق وصفة المخلوق . ولا يفوتني في ختام كلمتي هذه أن أشيد بالبيان القيم الذي كتبته عائلة هذا المرتد يتبرؤون فيه من كل ما قال ويصفونه بما هو أهل له من الكفر البواح ... وبيانهم هذا منشور في الشبكة بعنوان (أسرة صاحب المقال المسيء تكتب: "هذا بيان للناس ) والعائلة الموفقة في هذا الموقف المشرف سائرة على منهاج النبوة كما بين الله جل وعلا موقف إبراهيم عليه السلام من أبيه { ...... فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم } وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بقلم أبي عبد الله سيدي محمد بن محمد الأمين بن والد الهاشمي البوتلميتي فجر يوم الأربعاء لسبع خلون من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وأربعمائة وألف المصادف 8 / 1 / 2014 |