عن العربية والفرنسية واللغات الوطنية/ أحمد ولد الوديعة |
الاثنين, 24 فبراير 2014 19:45 |
.... تكفي أي خطوة مهما كان طابعها محدودا وذا علاقة بخطوات احتفالية يقوم بها عادة أي مسؤول في منظومة قوية التأثر بمنهج " كل ما دخلت أمة لعنت أختها" لتعيد النقاش جذعا ؛فتمترس كل خلف مواقعه ويباشر صد الهجوم عن الحمى، وتكون النتيجة دائما تكريس مجتمع الجدر المتجاورة والهويات المتلاغية واللغات المتصارعة، والنتيجة الدائمة خسارة مركبة لوطن يجد المتابع لممارسات وخطابات العنصرية والتشظي فيه صعوبة في الاقتناع أن إرادة حقيقية لتأسيس وطن مشترك كانت موجودة بمستوى الإيمان الكافي لدى ساكنته عشية الاستقلال عاد النقاش من جديد إذا بعد قرار قالت مصادر إعلامية إن الرئيسة الجديدة لمجموعة نواكشوط الحضرية اتخذته بتعريب مراسلات المجموعة التي كانت مفرنسة بالكامل في عهد الرئيس السابق السيد أحمد ولد حمزة، وهي الخطوة التي استقبلت بابتهاج واسع من مدونين ينتمي أغلبهم للتيار القومي الذي يعتبر أن ما تحقق من تعريب في موريتانيا واحد من أهم الإنجازات " الحضارية والتاريخية" للقوميين العرب في موريتانيا. خطوة منت حمادي وما صاحبها من نقاش ساخن تستدعي تسجيل ملاحظات جوهرية حول قضية التعريب أجدني مطالبا بتوضيحها ليس فقط لأن تدوينات شاركت فيها بالنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي لم تشفي الغليل فيما أريد التعبير عنه بل حرصا أيضا على إسهام متجدد في قضية جوهرية ظاهرها اللغة والهوية والثقافة وباطنها فيه المصالح والمواقع والنفوذ. .... يمثل السيدان أحمد ولد حمزة واماتي منت حمادي عينتين دالتين من نخب موريتانيا الموجودة حاليا في مواقع القرار؛ فالأول فرض فرنسة كاملة للمجموعة طيلة مأموريته، والثانية تريد تعريبا كاملا لها ومن أول يوم، ودون الدخول في أي جوانب شخصية في خلفيات الشخصيتين - الأول متشبع بالثقافة الأفرنكفونية ،والثانية رضعت الفكر الناصري وشبت عليه – لكن الحصيلة التي يمكن أن كلا منهما اتخذ قرارا يعني في النهاية أن المرفق العمومي الذي يدير لن يكون بمقدوره تقديم الخدمة بشكل متساو للمواطنين الموريتانيين الذين يفترض أن خدمتهم هدفه الرئيس وسبب وجوده، ومبرر الضرائب والأتاوات التي يأخذون من كل من وما يدب أو يوجد على أرض أو في سماء نواكشوط .... ستضيف الرئيسة الجديدة مصدر دخل مهم من خلال الأتاوات على الماعز وفق ما فهم من التعميم رقم2 للرئيسة الجديدة يدفع المتحمسون لقرار أماتي إلى أن ما قامت به عمل دستوري لا شائبة فيه، ويذهب بعضهم إلى حد اعتبار أن أي معترض على القرار إما كاره للعربية أو رافض لتطبيق الدستور أوهما معا وربما وجد من يزيده أبياتا من الشعر تستدعي المورث المناهض للشعوبية في العصر العباسي ما دام أن " مقترف" جرم معارضة قرار اماتي الاستعراضي شعوبي من الطراز الجديد. إن الحقيقة التي لابد أن تكون واضحة هي أن الدستورية ليس هو مربط الفرس في النقاش الحالي لسببين فالسيدة اماتي أولا على المذهب الذي لايرى مانعا من وقف العمل بالدستور حين تقرر " القيادة العليا للقوات المسلحة ذلك " ثم إن الدستور ينص على عدة لغات وطنية لم يقم أي أحد بتجسيد وطنيتها تلك في أي إجراء او مسار يسمح للمتحدثين بها أن يجدوا تجسيدا لوطنيتهم او وطنية لغاتهم في الإدارة أو في الإعلام أو في أي من المؤسسات العمومية. التحفظ إذا على قرار أماتي ليس من وجه كونه يسمح بكتابة المراسلات بالعربية فهذا أمر دستوري وطبيعي ومحل ترحيب، بل التحفظ والرفض هو لأن تكون هذه المراسلات بالعربية فقط لأن ذلك يعني أمورا كثيرة يفضل بعض الأصدقاء المشاركين في النقاش غض الطرف عنها، أستسمحهم في لفت نظرهم إلى بعضها - يعني القرار بأحادية لغة الإدارة في موريتانيا – أيا تكن اللغة عربية أو بولارية أو سوننكية، أو ولفية، أو أمازيغية أو فرنسية، أو إنجليزية او صينية - أن مكونا واحدا سيكون بإمكانه شغل المناصب الإدارية الرئيسة في المرفق المعني، فقد أنتج نظام التعليم الموريتاني الذي خرج اماتي وولد حمزة جيلين يعرف أحدهما العربية فقط ويعرف الثاني الفرنسية فقط وهذان الجيلان لهما نفس الحق المتساوي في الولوج لمختلف الوظائف العمومية.
- يعني أيضا أن المراجعين من المواطنين الذين لايفقهون اللغة الأحادية المستخدمة سيكون عليهم إما البحث عن مترجم أو ربما البحث عن إدارة أخرى يكون اجتهاد المشرف عليها قد أوصله إلى فرض لغة أحادية أخرى ربما يكون من حظ المراجع أنها لغته الأم أو أنها لغة دراسته، وفي الحالتين يكون المرفق العمومي قد أخل بأحد أهم شروط عموميته. .... يفترض بعض الأصدقاء الفيسيين – ونحن أهل الفيس لايعاب علينا الافتراض فنحن ننتمي للعالم الافتراضي – أن من الممكن بقرارات إدارية يتخدها حمزة أو اماتي فرض لغة وحيدة في الإدارة الموريتانية ويدافع العديدون منهم بحماس عن فكرة تعميم وفرض التعريب ويعتبرون أي مطالب بالتعددية اللغوية مجرد افرانفكوني مراوغ، أو شعوبي حاقد أو أنه في أحسن الحالات شخص من خارج الدائرة يقدم مقاربات تبسيطية، ويبلغ الحماس والمحاججة بالبعض حد إنكار وجود من لايعرف العربية في موريتانيا، وهو منطق يحمل شحنة " إبعاد" للآخر غير غريبة على أدبياتنا السياسية والثقافية والمجتمعية الحافلة بالمقولات المؤسسة لنفي الآخر والمشككة في وطنيته يمكن أن نشير هنا إلى أن مثقفين من مروجي نظريات الإلغاء من الضفتين لايفتئون يلمحون إلى أن هذا المكون وصل متأخرا من الجنوب أو من الشمال وأن عليه ربما أن يعود على عقبيه إن قضية اللغة في موريتانيا ليست قضية بيداغوجية محضة، بل إنها في الجوهر والشكل وفي العمق والأطراف جزء من إشكال هوية أعمق تخفق نخبنا منذ الاستقلال في القدرة على نقاشه بشكل هادئء وعلمي حتى تتوصل فيه لرؤية جامعة تسير على نهج المؤسسين الذين رسموا لنا الطريق الموصل لبر الأمان لكننا سرعانما تنكبناه وفضلنا عنه تعبيد طرق فرعية خاصة بكل منا، وليت أنا أكتفينا بذلك فالواقع يقول إن العديدين منا يجدون سعادتهم الغامرة في " قطع الطرق" بيننا وتشييد الخنادق والمتارس في كل نقطة عبور ممكنة نحو المشترك والموحد. لقد خلف نصف قرن من العبث بالتعليم وبالوحدة الوطنية مجتمعا متدابرا لا تكاد توجد بينه مشتركات، يعاني ضمن قائمة معاناة طويلة التجهيل والتعطيل وقبل ذلك ومعه الاسترقاق والطبقية والعنصرية، وسيكون من الخطأ الفادح الاندفاع في المزيد من الإقصائية والإكراهية والإلحاقية لأي مكون من مكوناته. إن الحل الوحيد الممكن – من وجهة نظري المتواضعة المؤسسة على متابعة لتاريخ الإشكال وإطلاع على بعض التجارب الشبيهة – هو إقرار مبدأ التعددية اللغوية في التعليم والإدارة؛ تعددية الطبيعي والواجب أن تكون بين لغاتنا الوطنية والعربية أولها باعتبارها لغة ديننا الذي يمثل الحبل المتين، والركن الركين المتين في هويتنا الوطنية الجامعة، لكن لامناص من التعايش مع الفرنسية لغة ثانية في التعليم والإدارة إلى أن يتم ترسيم البولارية والسوننكية والولفية لتاخذ مكانها إلى جانب العربية لغات رسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية. |