| من اعتدى على الأمة ليكمل الصورة؟ |
| الجمعة, 28 فبراير 2014 11:56 |
|
جريمة نكراء لم تلق ما تستحق من التحليل والدرس رغم مرور أسبوعين عليها. لا جدال في أن الحوار بالعضلات من أسوأ مظاهر التعبير عن الرأي حين يكون الضحية عاديا وتكون القرائن والظروف عادية، أما حين يكتسي الضحية رمزية خاصة، ويكون للمكان والزمان حرمتهما وقدسيتهما فيمكن الارتقاء بهذا الفعل إلى الفاحشة العظيمة والمقت الكبير. في نظري ونظر جماهير كثيرة يمكن اعتبار الضحية أمة في الجوهر وإن كان فردا في الشكل تصدق رؤيته قول أبي نواس: ليس على الله بمستنكر *** أن يجمع العالم في واحد و قول المتنبي: ولقيت كل الفاضلين كأنما *** بعث الإله نفوسهم والأعصرا - هو أمة: والعارفون باللغة يطلقون الأمة على جامع الخير {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا} والشيخ محمد الحسن بن الددو جامع للخيرات. فهو أمة يتضوع منه أريج القرآن بقراءاته المتواترة وتوجيه كل قراءة؟ ومن مأثور التأويل ودرايته ولطائفه ووجوه الإعجاز قديمها وحديثها ما لا يتضوع إلا من أمة. وهو أمة يسطع منه من أنوار أصول الدين وعقائد السلف ما لا يسطع إلا من مصابيح الأمة فيهدي التائهين في متاهات أهواء ونحل سالف الأمم وغابر الخلف. وهو أمة يحمل من متون السنة المسندة صحيحة مباني جلية المعاني منقودة الرجال ما لا تحمله إلا الأمة. وهو أمة يحوى من أصول الفقه وفروعه ما لم تحوه إلا أسفار الأمة فهو المدونة والأم والرسالة والمحلى والمغني والمجموع والبدائع زهو لأهل كل مذهب مرجع التحقيق والتأصيل لما في مذهبهم من مألوف وغريب الأقاويل. وهو راوية ديوان العرب يحفظ من دواوين شعرهم الجاهلي والإسلامي والأموي والعباسي وما بعده ومن روائع شعرهم المعاصر ما لا تحفظه إلا موسوعات الأمة. وهو أمة تنتظم بين عطفيه مسائل المنطق والبيان والبديع والمعاني والنحو والصرف والعروض وتنبجس منه عين الخليل وكتاب سيبويه وتسهيل ابن مالك وكافيته وخلاصته واحمرارها ولاميته واحمرارها وصناعتا العسكري وعمدة ابن رشيق وقاموس الفيروز آبادي وتاج العروس فهو لسان أمة العرب ومعجم مقاييس لغتها. وهو معجم البلدان وأطلس جغرافيا الحضارات التاريخية والمعاصرة، يربط وشائج السلالات البشرية، ويعيد استعراض لقطات تواريخ مختلف الأمم، أما أيام العرب في الجاهلية والإسلام فلا يظن سامع حديثه إلا أنه صانع أحداثها. وهو مصب تلتقي فيه علوم الموروث العربي الإسلامي على سعتها وتلونها بالثقافة العصرية في الاقتصاد والقانون والفكر والعلوم الحديثة. أما سعيه في الدعوة ونشر العلم فحدث ولا حرج عن الشيخ الرضى أو دع إذا حدثت بالمعلوم من أكثر من ألف شريط، منها سلاسل علمية فيها شرح لصحيح البخاري وألفية ابن مالك ولاميته وغيرها مما يصير عشرات المجلدات حين التفريغ، فضلا عن كتبه المطبوعة كمخاطبات القضاة، وكتاب مقومات الأخوة الإسلامية، وكتاب مشاهد الحج وأثرها في زيادة الإيمان، وكتاب محبة النبي -صلى الله عليه وسلم - وكتاب فقه الخلاف، وشرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وشرح ورقات إمام الحرمين في الأصول وكتاب اليوم الآخر مشاهد وحكم، إضافة إلى تحقيقه بعض النفائس كألفية العراقي، وبعض الكتب التي ما تزال مخطوطة ككتاب الأدلة الشرعية أنواعها وسماتها وعوارضها، وكتاب مراتب الدلالة في الأصول، وذلك وغيره ما أهله وهو في طور الشباب لأن يصير عضوا في بعض المجامع الفقهية، ويشارك في عشرات المؤتمرات الدولية ويحاضر في أكثر من خمسين دولة من بلدان العالم العربي والإسلامي، وفي أوروبا وإفريقيا وآسيا و أمريكا. ولله در الصديق المبدع التقي بن الشيخ إذ يشكو هذه العالمية في غيرة صادقة: مَنْهَلٌ سِيقَ لإِخْــــوَانٍ لَنَـــــــا *** فِي بِقَاعِ الأَرْضِ غَمْرٌ فَارْتَوَوْا وَسَقَوْا واسْتَمْسَكُوا مِن دِينِهـمْ *** بِقَوِيمٍ مَن بِهِ لاذُوا نَجَــــــــــوْا يَا أَمِيرَ السَّفرِ هَلْ مِن لَفْتَــةٍ *** لأُنَاسٍ لَكَ بِالْقُرْبَـــــــى اعْتَزَوْا زَاحمَتْهُمْ فِيكَ أَقْــوَامٌ، وَهُمْ *** بِكَ أَوْلَى مِن سِــــوَاهُمْ لَوْ دَرَوْا وهو بقية أعلام النبلاء في عبادته وتواضعه وحلمه وعفوه وجوده وحمل الكل والإعانة على نوائب الدهر والصدق والنصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، مع وسطية في الفكر واعتدال في الرؤية وشمولية في الاهتمام، توارث عن مالك وابن عبد السلام وبداه وأمثالهم الصدع بالحق وإزعاج الطغاة ومناصرة المستضعفين وحركاتهم التحررية وكانت فلسطين أهم عوامل ابتلائه حين ابتلي فما هان ولان بل شدا بلحن خالد: نسيـر علـى نهـج النبـي محمــــد *** ببيعـة إيمـان نـرى نكثهــــــا كفـرا ولله قــد بعـنـا نفـوسـا أبـيــــــــة *** بربح عظيم فيه أربـي لنـا السعـرا بأجسامنـا نفـدي وننصـر دينـنـا *** وننشـره نـــــورا ونقبضـه جـمـرا ونمنعـه حـتـى نـصـرع دونـــه *** وتنشـر بالمنشـار أجســامنـا نشـرا
وحين تعرض فتاواه على الشيوخ وإنما يعرف الفضل من الناس ذووه فإنهم ينشدون فيه قول حسان:
إذا ما ابن عباسٍ بــــــدا لك وجهه *** رأيت له في كل أحواله فضــــلا إذا قال لم يترك مقــــــالاً لقائـــــــلٍ *** بمنتظـــماتٍ لا ترى بينها فصلا كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع *** لذي إربةٍ في القول جداً ولا هزلا سموت إلى العليــــــا بغير مشقةٍ *** فنلت ذراهــــــــــــا لا دنيا ولا وغلا خلقت خليقـــــــــــــاً للمودة والندى*** مليحاً ولم تخلق كهـــاما ولا جهلا وهو إلى كل ذلك شاعر يشف شعره عن موهبة شعرية أصيلة: قال المحقق للسجين *** من أين نعلك ذا الثميـــن ومن أين ثوبك لا تكن *** كالمفسدين الخائنيــــن الآخذين من الخليـــ*** ـج من اليسار من اليمين يأتيهم التمويـــل من *** كل البلاد مدى السنــين حتى من الأفغان أرض الــ***ـــبؤس وكر البائسين قال السجين مبـادرا *** ومن أين لي ذا الأكسجين خيرات أرضي أنتم *** أنهبتموهـــــا النـــــــاهبين ومنعتموها أهلهـــــا *** الفقرا والمستضعفيــــن وأردتم أن تمنـــعوا *** خيـــرات رب العالمــين هلا سألت ذوي الغلـــ***ــــول الناهبين السالبــــين هلا سألت ذوي الفجـــ***ـــــور الفاسدين المفسدين أنا لست أسرق أو أغــ***ــل من الخزينة والخزين أنا لست أنهب من مشــ***ــاريع الضعاف الجائعين أنا ما أخذت سوى الذي *** قد نلت من عرق الجبين أنا منكر للظلم أكـــــــــــ***ــــــره موبقات الظالمين يقول عبد الله سفيان الحكمي: (من مقالة كتبها والشيخ مسجون من طرف نظام ابن الطايع وذلك في حياة الشيخ محمد سالم بن عدود رحمه الله) "ومن أعجب ما سمعته منه، ولم أنقله عن أحد: حفظه للمشهور من أقوال الأئمة الأربعة، ومعرفته لدقائق علل الحديث النبوي، وإذا تكلم في فن قلت: إنه قصر نفسه عليه وأفنى عمره في تحصيله. ...ومن عجائب جلده: أنني طلبت منه أن يقابل معي نسخة بالخط الموريتاني، شق علي قراءتها مع نسخة أخرى من أجل معرفة الفروق بين النسختين، وكان بعد قدومه من سفر، فواصلت معه إلى الثانية ليلا، ولم أستطع المواصلة، فذهبت لأنام - وكان هذا في ليالي الشتاء الطويلة- ثم استيقظت قبيل أذان الفجر مستعينا بالمنبه، فجئت إلى الشيخ لأوقظه، ظنا مني أنه قد نام، فإذا هو قائم يصلي وقد أتم مقابلة المخطوطتين ودون الفروق بينهما، فقلت في نفسي: ياللعجب. هذا هو الضحية في ما مضى من عمره ونسأل الله لنا وله العصمة فيما بقي. أما مكان الجريمة فبجوار بيت من البيوت التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ومنع فيها إيذاء المسلمين بالرائحة، وكان وقت تجهيز ميت للقاء ربه بين الصلاة ومراسيم نقل الجثمان وهي أوقات الموعظة والرهبة ومراعاة مشاعر ذوي الميت المحيطين به والتفكر في رهبة المصير وتناسي هموم الدنيا ومشاكلها من أشد الناس انغماسا فيها فبأي وجه يحول هذا المشهد الرهيب إلى صخب وأي صخب؟ وأما زمان الجريمة فليلة عيد المسلمين الأسبوعي أفضل أيام الأسبوع. وحين تجتمع رمزية المعتدى عليه وقدسية الزمان والمكان يكون من البلاهة اعتباره هامشيا. لن أتوقف طويلا مع المعتدي فليس أول مأمن يؤتى منه الحذر، ولا أول شاهد للحكمة "اتق شر من يصحبك لنائلة فإنها إذا انقطعت عنه لم يعذر ولم يبال ما قال وما قيل فيه" لا أرى المعتدي المباشر إلا ضحية، أما المعتدي حقيقة فهم من أغروه وهيجوا في نفسه حزازات الماضي في مثل هذا الوقت وعلى نحو ما كان، لأن الاعتداء على الشيخ في مثل هذا الوقت تكتمل به الصورة المرسومة المكملة لاستفزاز مشاعر المسلمين في بلاد المنارة والرباط، فقد حرقت الكتب وسب النبي صلى عليه وسلم وضرب العالم، وهل الدين إلا تبليغ من النبي صلى الله عليه وسلم حوته الكتب ويبينه العلماء؟ قد يكون الاعتداء رسالة من أطراف في النظام لم تردها مشفرة فتلقفها إعلام الإغوائيين الغوغائيين من متطرفي العلمانيين لإكمال الصورة الساعين إليها، وقد يكون حلقة من حلقات خبثاء الإغوائيين صادفت هوى لدى النظام (حاكال فم اكراد). وإذا كان الأمر بخلاف ذلك فلماذا نقلت وسائل الإعلام عن المعتدي إنكار ارتباط الاعتداء بعزله عن الموقع الإلكتروني للشيخ، وأن لديه وثائق فاضحة ثم اقتصر التسريبات على ما يتعلق بالموقع؟ وإذا كانت المسألة شخصية فلماذا الرد المتأخر أكثر من أربع سنوات من الخلاف مع الشيخ أما كان المناسب علاج المسألة في وقتها؟. وإذا كان المعتدي يعلم أن هناك من يريد التغرير بالشيخ والاستيلاء عليه من دونه ألم يكن المناسب أن يوجه الاعتداء إلى أولئك لا إلى الشيخ؟ وإذا كان الشيخ أخطأ في حق المعتدي ألا يوجد زمان ومكان أنسب من المكان والزمان الذين كانا ظرفا للاعتداء مراعاة لمشاعر المسلمين؟
وهل من المصادفة أن تدشن بعض المواقع انطلاقتها بتلقف ما يصدر عن المعتدي بين عشية وضحاها وأن تكون أغلب صفحات التواصل الاجتماعي التي تلقفت الحادثة وأسالت المداد حولها تحليلا ونقاشا هي نفس الصفحات التي تروج للانحلال والانحراف المتعاطفة مع ولد امخيطير صراحة أو تلميحا؟
ولماذا اعتبرت بعض المقالات أن الشيخ ومن اعتدى عليه رفيقا درب وطفولة وأي طفولة تجمع بين من ولد سنة 1963 ومن ولد سنة 1973 هذا إذا أهملنا مستوى النمو العلمي وطبيعة التوجه وهما المحددان الأساسيان لرفقة الدرب؟ وهل من البراءة الإصرار على تقزيم الشيخ في إطار قبلي والشيخ لا يعرف من القبيلة إلا رحما يبلها ببلالها؟ وما الجهات التي تقف خلف تلك البيانات التي لا تحمل توقيع أشخاص معينين؟ وما السر في الصمت الحكومي إزاء اعتداء على رمز له محبون ومناصرون تقتضي النظرة الأمنية المجردة أخذ مشاعرهم بعين الاعتبار هذا إذا أهملنا واجب الدولة في حماية رموزها؟ ولم سكتت روابط الأئمة والعلماء التي نددت في وقت قريب بمجرد التعريض بالعلماء والمفاضلة بينهم؟ وهم محقون فقد كان التعريض منتقدا والمفاضلة غير موفقة، وإن كان ثمة فرق جلي بين انتقاد قول العالم أو تصرفه وبين إهانته فالأول قد يكون من نصرة الحق لأن العالم غير معصوم وإن كان ينبغي صدور انتقاده من مماثل أو مقارب له، أما إهانته فمن أبشع الجرائم إن لم نقل بما ينسب لنوازل ابن هلال في حكم إهانة العالم ولا شك أن بعض أعضاء الرابطة يعرف ذلك. هكذا يتجلى أن الاعتداء على الشيخ لا يبدو فرديا ولا معزولا من وجهة نظري المتواضعة.
|
