الحلقة الرابعة من جحيم إينال : في حصة تعذيب جديدة |
الأحد, 18 مايو 2014 17:58 |
دخل جندي آخر في الزنزانة والتي هي في الحقيقة مجرد غرفة قديمة للجند اقترب مني وقال: "سيدي الملازم قل لهم أي شيء ليدعوك"... كان صوته يحمل التوسل والاستجداء كانت تصرفاته مختلفة عن بقية الجند لقد علمت بعد ذالك أنه "يوبه كيتا" كانت أمه "حرطانية" وأبوه زنجي موريتاني وكان من مجموعة تتكون من 25 اعتقلت قبل ذالك في ألاك وبعد أن خضع للتعذيب أنكر أصوله الزنجية فنجي هو وأحمد سالم فقط لأن أحد أبويهما كان من شريحة لحراطين لقد أصبح أحمد سالم يشارك الزبانية تعذيبهم للمعتقلين بل كان ينافسهم في ذالك أما يوبه فكان يسدي بعض النصائح للمعتقلين متى استطاع دون أن يمنعه ذالك من المشاركة في حفلات الضرب والتعذيب... طلبت منه -أي "يوبه" - أن يعطيني ماء لأشرب فجاء بمرجل فيه ماء وسقاني بيديه فقلت له إنني أريد أن أذهب إلي الحمام فذهب واستأذن ورجع وفك قيود يدي وقال لي اذهب فخرجت... كان الجو باردا لم يسمح لي طول السلسلة في قدمي أن أبتعد أكثر التفت إلي الجهة التي يأتي منها صراخ الألم فقد كان من بينها صوت يكرر لا إلاه إلا الله تتخلله آهات وأنَّات الألم .. في الصباح الباكر دخل علي "الكابورال ولد دنبه" بصحبة جندي لم أراه من قبل جاء "لحصة الخنق الصباحية" وكانت الأيام الموالية متشابهة بشاحناتها ومعتقليها الجدد وما تثيره لدي الزبانية من ضرب وتعذيب وحلقات خنق لا يسلم منها أحد... وفي اليوم الرابع دخل علي "الملازم يزيد ولد مولاي اعلي" ضابط المخابرات في المنطقة هذا الضابط الثلاثيني حينها كان مشهورا بحبه للأكل الطيب كان يزن علي الأقل 120 كغ بطول لا يتجاوز 1.65م نظر إلي هذا الضابط وقال - أظن أنك قد أعطي لك الوقت الكافي للتفكير والآن سأستمع إليك تحدث.... - قلت منذ أربعة أيام وأنا أسئل نفس السؤال أريد ببساطة أن أعرف ما الذي يجري وإنني أجهل تماما ما الذي ينتظر مني لا تحدثني بتفاهات أنت تعرف تماما ما أريد "سي" - - هل تعلم أن صديقك صال هنا.... لقد حدثنا بكل شيء لم ينكر ولأنك تريد أن تلعب معنا لعبة القوي سنري... وعلي هذه الكلمات خرج ليعود بعد ساعات وقال أنت تعلم يا "سي" أنني لدي الوقت كله سينتهي بك المطاف لتعترف كما فعل صديقك ومن الأفضل لك أن تفعل ذالك الآن لتجنيب نفسك متاعب أنت في غني عنها ... - لا أفهم ما تقصد ماذا تريد أن تعرف بالضبط ... - وإذا بدأنا بانقلاب 87 - ليس لدي ما أقوله في هذا الموضوع وأنت تعرف ذالك جيدا لقد استمع إلي في نواكشوط وأنا علي يقين أنكم تعلمون نتائج ذالك الاستدعاء - ما أعلمه أنك كنت علي علم بانقلاب 87 وأنك لم تعترف ونجوت حينها وسكت قليلا ليفهمني أنه ليس ساذجا مثل محققي الجيش آنذاك وتابع قائلا ثم إنك خلال أحداث أزمة السنغال وموريتانيا كنت تحمي المواطنين السنغاليين كنت تحدثهم ب"الولفية" لكي لا يفهم الموريتانيون ما تقول..... نعم "الولفية" هي اللغة الوطنية في السنغال ولكن نسي " يزيد " أن هنالك مجوعة "الولوف" في موريتانيا مثلها مثل "البولار" و"السوننكي" و"لحراطين" و"البيظان".. وفي الحقيقة منذ اندلاع الأزمة بين السنغال وموريتانيا أصبح كل ما هو "ولوف" لأن لا نقول كل السود جزء من السنغال حتى أن بعض المسئولين من البيظان غيروا أسمائهم لأن أصولهم زنجية موريتانية أو لأنهم يريدون التعبير عن وطنيتهم للنظام القائم - قلت له اسمع إن مفاهيمنا أنا وأنت لمبدأ حماية الناس مختلفة تماما لقد أمرني "الكولونيل ولد بيليل " أن أضع هؤلاء السنغاليين في مكان آمن في انتظار وضع خطة لإجلائهم ولم يأمرني أحد أن أكون عنيفا معهم... يرجع الكاتب في الفقرة الموالية علي أحداث السنغال كيف عايش هذه الأحداث حيث اندلعت وهو حينها قائدا لقاعدة "لكويرة" العسكرية في سنة 1989 وقع حادث بسيط بين منمين موريتانيين ومزارعين سنغاليين أعطي المبرر لنظام العقيد ولد الطايع لتصفية قضية الزنوج الموريتانيين.. ابريل 89 كنت قائدا لقاعدة "لكويره" العسكرية نحن في شهر رمضان بعد الإفطار اتصل علي "العقيد ولد ابيليل " ليبلغني أنني سأستقبل أشخاصا لوضعهم في مكان آمن لم يخبرني بأكثر من ذالك وتصورت أنني سأستقبل 4 أو 5 أشخاص لقد علمت أن مظاهرات قد اندلعت في مدينة نواذيبو قلت في نفسي لعل العقيد ولد ابيليل يريد حجز من أثاروا تلك المظاهرات حتى تهدأ الأوضاع لم يسبق لي أن تعاملت مع وضع كهذا... أمرت الجندي المسئول أن يهيأ غرفة ل4 أو 5 أشخاص وكانت المفاجئة دخول شاحنتين إلي القاعدة نزل "المعاون ديوب بوكار بيال" من الشاحنة الأولي يبدو محرجا ولا ترتسم علي وجهه ابتسامته المعهودة بعد أسئلتي الكثيرة التي طرحت عليه أخبرني "ديوب" أنَّه تجري في "نواذيبو" أمور فظيعة بين الموريتانيين والسنغاليين أو علي الأصح أن السنغاليين يتعرضون لعنف وضرب وأن هنالك عددا من القتلى وأن هذا العنف مصحوب بنهب شامل لمنازلهم وأوضح لي أيضا أن هاتان الشاحنتان لا تمثل عشر ما يجب نقله هذه الليلة الي قاعدة "لكويره" هنالك قرابة 1.000 سنغالي في مفوضية الشرطة في "نواذيبو" تنتظر نقلها كانت حال من نزل من الشاحنات منهم سيئة للغاية فكانت تبدوا علي أكثرهم جراح كانوا يحتاجون للمساعدة فقد كانوا ما بين من فقد قريبا أو نهبت ممتلكاته بدأت في العمل علي توفير مكان ولم يطلع صبح اليوم الموالي حتي أصبح من المستحيل جمعهم داخل القاعدة نفسها وفي الأيام الأربعة الأولي بلغ تعدادهم في القرية حوالي 5.000 من جنسيات مختلفة سنغاليين ماليين غينيين وحتى موريتانيين... لغير السنغاليين لم تكن هنالك مشكلة في إرسالهم إلي "نواذيبو" بعد تحقيق في الهوية الأمر الذي لم يكن سهلا لحالة الغليان ...كان التحقيق العشوائي منتشرا مما أفقد الكثير منهم أوراقهم وبطاقاتهم إلا ما كان من قلة نجت ببطاقة هوية أو رخصة سياقة لقد بذلت جهدا لتقديم الدعم النفسي لهؤلاء وكنت أتحدث إليهم باللوغ التي كنت أستطيع التحدث بها أي اللغات "الولفية" و"البولارية" وطمأنتهم أنهم ما داموا في قاعدة "لكويرة" سألتزم بتوفير الأمن لهم وأنني لا أضمن إلا داخل حدود القرية الموكلة إلي.... مساء يوم الأحداث استدعي "العقيد ولد ابيليل " كل ضباط المنطقة العسكرية باستثناء الزنوج وأخبرهم أن تعامل السنغاليين تجاه المقيمين الموريتانيين في السنغال غير مقبول.... في داكار كما في كثير من المدن الإفريقية يمسك "البيظان" بتجارة الحوانيت الصغيرة وتعتبر هذه الحوانيت مناسبة حيث يوجد فيها كل شيء ولا تغلق أبوابها إلا في وقت متأخر... وفي بداية اندلاع الأحداث بين الموريتانيين والسنغاليين هاجمت عصابات إجرامية حوانيت الموريتانيين واعتدوا علي مالكيها وقد كان دور الإعلام في تأجيج المشاعر كبيرا والحكومات أيضا بتساهلها تركت الفوضى تنساب وتنتشر أما السلطات الموريتانية فقد شاركت في تنظيم التجاوزات وهذا بالضبط ما فعله العقيد ولد ابيليل " حيث أخبر الضباط الحاضرين أن ردا قويا سيكون غدا في كافة أنحاء الوطن وأنه لن يقتصر علي السنغاليين وحدهم - وعليكم أنتم أن تفهموا معني ذالك - مما دفع بعض الضباط إلي الإسراع إلي أصدقائهم من "السنغاليين" وإخبارهم ومساعدتهم في تأمين أنفسهم وممتلكاتهم... باكرا في اليوم الموالي بدأت مجموعات من الموريتانيين باقتحام منازل السنغاليين وبسرعة امتد الهجوم إلي السود وكان "البولار" هم أول المتضررين لظروفهم المادية الأحسن من غيرهم لقد انهالوا عليهم ونهبوا أموالهم لقد جيء بمجموعات من شريحة "لحراطين" من القرى لأنهم أكثر خضوعا من لحراطين في المدن ولم يتدخل الجيش و الشرطة والدرك إلا بعد الساعة الثانية زوالا كان هذا التغاضي هو بالضبط مبتغي "العقيد ولد ابيليل".....
|