| أحمدو ولد الوديعة يكتب عن : الورطة |
| الأحد, 18 مايو 2014 18:02 |
|
في تفاصيل الورطة الكثير من الأبعاد والتجليات العميقة التي لا تستطيع بهرجة جموع سحرة المبادرين طمسها أو تغييبها فهي قوية الأثر، جلية التأثير في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي مجال العلاقات الخارجية التي يظن السحرة أنها الميدان الرئيس الذي يخيل إليهم من سحرهم أنه نموذج يحتذى ودليل على أن الحكم الحالي هو الأفضل دبلوماسيا بين كل الأنظمة السابقة. - سياسيا يركض الجنرال إلى انتخابات رئاسية أخفق في إقناع أبرز معارضيه بتوفرهاعلى الحد الأدنى من ضمانات الشفافية، حتى التحالف وتواصل اللذان شاركا معه في انتخاباته البلدية والنيابية واستمتع بتوظيف كل عضلاته لتقزيمهم والسطو على نتائجهم، حتى هؤلاء يوجدان اليوم في أقصى المشهد المعارض، فقد عضهم الجنرال عضة قررا بعدها ألا يقودا أي معارضة للمشاركة في انتخابات ينظمها العسكر خارج منطق الضمانات والرقابة. تحول هذين الحزبين الهامين في المشهد السياسي من شريكين في العملية الانتخابية إلى قائدين رئيسين للحراك المعارض، يعكس الوجه الأكثر وضوحا لوضع الورطة الذي يوجد فيه نظام ولد عبد العزيز حاليا، تماما كما يؤشر إلى سبب رئيس من أسباب تلك الورطة هو احتقار الرجل للقوى السياسية التي تقترب منه، أيا تكن درجة القرب وتلك إحدى مشكلاته البنيوية؛ فهو - وفق تقدير أحد العارفين به عن قرب - يحتقر مواليه ويحقد على معارضيه. لقد كان من الممكن أن تكون انتخابات 2014 فرصة للنظام الحالي للتخلص من الأزمة السياسية التي تلبس بها منذ ما قبل ولادته، فهو يعتبر أنه قدم حصيلة مهمة في عدة مجالات، ويؤمن أن معارضيه في حال إفلاس شبه كامل فما الذي يمنعه والحالة هذه أن يقدم لهم تنازلات تجعلهم يشاركون ويهزمون وتجعله يدخل مأموريته الثانية منتخبا في سباق يشارك فيه المعارضون ويراقبه المراقبون...؟؟ من الصعب الظفر بإجابة موضوعية اللهم إلا تلك التي تحيل إلى ميزة أخرى من ميزات الحكم الحالي وهي السفه؛ فالسفه وحده هو الذي يمكن أن يقود إلى تضييع فرصة مثل هذه، وفي الحقيقة فقد جر السفه الجنرال لإضاعة الكثير من الفرص، إلى الحد الذي يوشك أن ينشد فيه مع ابن زريق في إحدى سفرياته الكثيرة. أعطيت ملكا فلم أحسن سياسته... كذاك من لايسوس الملك يخلعه. - وطنيا يبدو الجنرال اليوم مكشوف الظهر بعد أن بذر كل الشعارات وبدد كل الأحلام والأوهام التي راودت البعض، ولعل مسيرتي الحقوق والمبعدين خير تعبير عن الورطة الوطنية التي يواجه الرجل الذي حظي يوما بدعم كبير من ضحايا الظلم الاجتماعي والسياسي والحقوقي نتيجة الشعارات الجوفاء التي رفع والديماغوجية الفجة التي استخدم في أسابيعه الأولى بعد الانقلاب في إطار بحثه المضني عن الشرعية الشعبية وقد عزت عليه الشرعية السياسية والدولية. يمكن هنا أن ندلل على الورطة الوطنية وتبدد الشعارات المؤسسة " للأسطورة الجنرالية " بأمثلة أربع. - لم يعد شعار محاربة الفساد ينطلى على الغالبية الكبيرة من الشعب، وكيف له أن ينطلي وقد اكتملت حلق المفسدين الكثيرة حول الجنرال، بل وقد تطايرت تفاصيل فساد الجنرال نفسه خلال المأمورية الأولى ابتداء من تسجيلات أكرا وصناديقها ومساوماتها المخزية، وصولا إلى المليارات الأربع التي تم التصريح بها – لا أتحدث عن ما لم يتم التصريح به - ومؤسسات الحفر والشق والتسوية المبنيه والمضمرة، المعلنة أو المتسترة. - عاد رموز التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى قمة الهرم موزعين بين الأمانة العامة للحكومة وقيادة الدبلوماسية ووزارات التعليم، ليتأكد بذلك أن حكاية القطيعة مع التطبيع وعهده مؤقتة جدا، ومرتبطة هي الأخرى بالبحث عن الشرعية، أما اليوم فإن رجال التطبيع محل تقدير واحترام، لذا فلن تكون المفاجأة كبيرة لو أعلن النظام غدا أو بعد غد عودة علاقته بتلابيب، يكفي فقط أن يرى " مصلحة " ولو محدودة وقصيرة الأمد وراء ذلك أو أن تشير به دبي أو الرياض السيدتان الجديدتان لساكن القصر الرمادي اليوم. - لايدع ضحايا الإرث الإنساني فرصة تمر دون التعبير عن خيبة أملهم الكبيرة في وعود التسوية التي أطلق لهم الجنرال في أيام البحث عن الشرعية، ويتحدث هؤلاء بمرارة عن قصص محاولات شراء الضمائر والدماء التي انتهت لها مقاربة تسوية ملف كان الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله يتجه لحله بحكمة وحنكة وبطريقة تجمع بين معرفة الحقيقة وإنصاف الضحايا والمحافظة على الوحدة والانسجام الاجتماعي. - وحتى من كان لهم " شرف" التبشير بمشروع الجنرال وتصويره على أساس أنه المنقذ للبلاد من التيه والضلال وصلهم نصيبهم من حالة التنكر فطفقوا يشكون التهميش ويحذرون من المجهول دون أن يثير حديثهم ذلك أي اهتمام من الجنرال المنقذ، اللهم إلا ما قد يكون من تعيينات في إدارة الحملة يفترض أنه لن تكون كافية لسحب التخويف بغول المجهول المفزع. ولعل الانجاز العروبي الوحيد الذي قدمه ولد عبد العزيز لهؤلاء هو العودة بموريتانيا إلى عمقها العربي فيما يتعلق بنمط نظام الحكم، وهو ما تمثله عن جدارة انتخابات يونيو الحالية التي تتوسط انتخابات الجزائر ومصر وسوريا، منافسة بقوة على نهائيات " كأس العرب" المترعة باحتقار الشعوب والدوس على حرياتهم وخياراتهم. - دبلوماسيا يكمل الرئيس الجنرال مأموريته وهو في حالة عزلة دبلوماسية شبه كاملة، رغم ما يقوم به السحرة من تحريك لحبالهم الصوتية متحدثين عن إنجازات خارقة هنا وهناك؛ فالواقع أن العلاقة مابين متوترة وفاترة مع أهم دول الإقليم جنوبا وشمالا وشرقا، إذا استثنينا تحالف القمع القائم مع جنرالات الجزائر وتجارة المواقف وبيع الأوهام الحاصلة مع أعراب نجد
عند التدقيق لايعول الجنرال اليوم في مجال العلاقات الخارجية إلا على " الرعاية الفرنسية " الكاملة فهو حاصل على الترتيب الأول في قائمة حراس المصالح الاستراتيجية لباريس، يذكره السفير الفرنسي في نواكشوط بمناسبة وبدون مناسبه لكل زائر أو مزور باعتباره قد حقق أكثر مما كانت باريس تتمنى في النواحي الأمنية، ولايهتم الدبلوماسي الفرنسي الذي لايبذل عادة كبير جهد في تلطيف عباراته بالحديث عن أي إنجازات أخرى للرئيس المنتهية ولايته، يكفى" كبير الحراس" أن ممثل " المحروسين" راض جدا عن عضلاته وتضحياته الجسام في تحقيق المرسوم من خطط، والتفوق في المقرر من تدريبات وتكتيكات. تلك ملامح من الورطة الحقيقة التي يوجد فيها نظام الرئيس الجنرال محمد ولد عبدالعزيز اليوم وهو يكمل سبع سنوات عجاف من حكم موريتانيا، أتى فيها على بوادر التجربة الديمقراطية، مكرسا حكما فرديا انتهازيا، يحتقر الموالين، ويحقد على المعارضين، وهي ملامح تفضح الورطة التي يوجد فيها الرجل ونظامه وقد حرق كل أوراقه ووقف عاريا من كل ما تلبس ذات يوم من شعارات انطلت على جموع من الناس حسبته مصلحا ومنقذا حتى إذا جربته وجدت الفساد والمحسوبية والمتاجرة بالقيم، والتعود على بيع كل شيئ مقابل أي شيئ. |
