الشيخ الداعية نادر النوري (قطوف من سيرته وأقباسٌ من نوره الفياض)
الثلاثاء, 20 مايو 2014 09:23

بقلم: سيدي محمود ولد الصغير

 altalt  لا نريد أن نجدد الأحزان، أو نستمطر دمع الشَّجَن، أو نَنْصبَ سُرادق للعزاء بعد شهر من وقع المصاب، إنما نريد أن نؤبن رجلا من رجال الخير، وقامة من قامات الدعوة وعلما من أعلام العصر !

 وإن الكلمات لترف بأجنحتِها فرحا بما أقول...!

 نعم أيها الكرام إن الكلمات لتأخذ دلالتها الكاملة، وتستعيد أجزاءَ صورتها المسلوبةَ حين تفصَّلُ أثوابها على المدلولات المناسبة، وإنها اليوم على موعد مع فرصة تجدد فيه معانٍ مثلُ: الرجولة ، والدعوة، والخير، والعطاء، والمروءة، والنبل، والإخلاص، والرسالية، ذاتَها وتتطهر في حياض النور من عنت جوْر الاستعمال!

ولا بد هنا من كبح جماح القلم حتى لا يستبد بنا الحديث العام -مع ضيق المقام-فنبتعد عن سيرة الشيخ من خلال هذا التناول التجريدي وقد أردنا أن نقترب منها لنقطف من ثمارها اليانعة بعض الدروس تفيدنا في ديننا ودنيانا، فما نحسب الشيخ رحمه الله إلا من قدوات عصرنا الذين جددوا سمت الأولين ممن أمرنا الله بالاقتداء بهم في قوله: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)، وقد عرفته عن قرب، وزرته في بيته أكثر من مرة -فضلا عن زيارات الجمعية- وأتيته في شفاعات كثيرة واشتركت معه حديثا عاما وخاصا. وما رأيت أحدا يجمع الناس على حبه والثناء عليه كما يجمعون على الشيخ نادر رحمه الله. ولا أزكي أحدا على الله.

خريطة العمر العريض

 كان مفكر الإسلام العظيم محمد إقبال يدعو الله تعالى أن يمنحه عمرا عريضا، أي مباركا،  وأظن أن الشيخ نادرا رحمه الله تعالى نال هذا العمر العريض، وإن لم تطل حياته التي امتدت تسعة وخمسين عاما فقط، انبلج فجرها يوم الثاني عشر من الشهر الثامن 1954وانطفأت شمسها : ليلَ السادس عشر من جمادى الآخرة 1435 الموافق 17/إبريل 2014م.

ذاك حدود طولها بداية ونهاية، فما حدود عَرضها؟ وعمقها؟ لا أزعم أن حديث يوم كامل أوْ سرْدَ كتاب واحد سيأتي على رسم خريطة  هذا العمر العريض، ولكن خذوا هذه الفقرة القصيرة من البيان المهم الذي أصدرته جمعية الشيخ عبد الله النوري في نعي الشيخ رحمه الله:

 ننعَى إلى الأمة الإسلامية أحد أعلام العصر، جال الأرض من أرخبيل إندونيسيا إلى جبال الهند وباكستان وصحارى روسيا وثلوج سيبيريا والجمهوريات المنفصلة عنها مرورا ببحار وجبال اليمن وأدغال إفريقيا وسهول وغابات البلقان وأوروبا وشمال وجنوب أمريكا وأستراليا.

 

وخذوا فقرة أطول من هذا المقال أو هذه النفحة الأرجة للأستاذ محمد سالم الراشد في مجلة المجتمع بعنوان الشيخ نادر عبد العزيز النوري "نادر كاسمه"

(نادر: كاسمه فهو نادرة الحركة الإسلامية وفخرها يجمع أمة في شخص، في كل بلد إسلامي له حجر، وذكر، وأجر.

مدرسته تقوم على ثلاثة:

-الإخلاص للمبدأ

-والعمل الدؤوب

-والهمة العالية دون حواجز

لا يكرر نفسه؛ في كل مرة هو جديد، فهو في حيوية دائمة، وينابيع دائمة، استلهم ثقافة النهوض والقوة والفتوة والشجاعة وعدم اليأس تجلس معه مكتئبا تخرج مبتسما متطلعا، يمدك بطاقة جديدة، التنمية دائما عنده أهداف في الشباك دون تسلل أو أخطاء

الفكرة تقع بين يديه فإذا هي مؤسسة تتدفق بالحياة والعمل والعطاء.

-لكل جيل عنه حديث، للطفل، وللغلام، وللشاب وللكبير؛ رجالا ونساء.

-يترك وراء كل خطوة له أثرا جميلا وذكرا حسنا وحبلا طويلا من الاتصال.

-أجيال كثيرة في الأمة مسجلة لحسابه:

-دعاة

-طلبة علم

-فقراء

-أيتام

-نساء

-فتيان

-محرومون

-علماء

-مثقفون ومفكرون

-نخب

-ساسة

-جماعات

-هيئات

-جمعيات خيرية

-جاليات إسلامية

-قوميات وشعوب).

                     

وبهذا ندرك أن الرجل عاش قرونا متطاولة، وكان أمة وحده (إن إبراهيم كان أمة) .

 

                                                     حين تتكشف العظمة

 

 قديما قال الإمام أحمد بن حنبل بيننا وبينهم الجنائز، جعلها أمارة قاطعة للنزاع بين أهل السنة والمبتدعة.

وفي معنى شهود الجنازة وفرةُ الثناء وسعةُ الشعور بالمصاب وألمِ الفقد، وخلودُ الذكر الحسن، ولقد اجتمعت كلها للشيخ نادر رحمه الله، فقد كانت جنازته يوما من أيام الله وقد حضرتها ورأيت أمواجا من البشر متدفقة بمقبرة الصلبيبخات وإليها -لا أحد يلوي على أحد- من مختلف الجنسيات والأعمار والمراكز والخلفيات، جمعهم جميعا الإصرار على شهود جنازة هذا الرجل المبارك!

   ثم تدفق النعي والرثاء من مناكب الأرض على ألسنة العلماء والدعاة والمصلحين في مشارق  الأرض ومغاربها. ومن الكويت بدأ وإليها رجع.

 فقد نعاه في الكويت كل من الشيخ حْمود الرومي رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي، ونعته جمعيةُ النجاة الخيرية، ورابطة دعاة الكويت، والحركة الدستورية، ولجنة التعريف بالإسلام، والشيخ الداعية أحمد القطان، والشيخ يوسف السند، والشيخ د جاسم المهلهل، والشيخ عبد الحميد البلالي والدكتور خالد القحص، والنائب السابق الدكتور حمد المطر، والنائب السابق فلاح الصواغ، والدكتور فيصل الكندري والدكتور محمد العوضي، وآخرون .

ونعاه خارج الكويت العلامة الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ رائد صلاح، والأستاذ إسماعيل هنية والشيخ سراج الحق أمير الجماعة الإسلامية بباكستان، والشيخ سلمان العودة، والعلامة  محمد الحسن الددو وآخرون...

وسأورد هنا فقرة واحدة من مقال لأحد رفقاء الشيخ وأخلائه ممن عرفوا بالصدق وشهد لهم الناس بالفضل، يقول:

"لقد عاشرته-يعني الشيخ نادر-منذ كنت في السابع عشرة من عمري عام 1973 ورأيت فيه من ذالك الزمان إنسانا نادرا وبالرغم من تطابق عمرنا فإنه كان يكبُرني بمراحل، يكبُرني بعلمه، وثقافته، وسابقته بالدعوة، وملكاته وقدراته، وفنونه في كسب الشباب ومعرفةِ أسهلِ الطرق إلى قلوبهم لقد تعلمت على يديه الكثير مما لم أجده في الكتب والموسوعات، تعلمت على يديه معاني الأخوة الحقيقية، فعندما قدمت إلى الكويت من ابريطانيا في الإجازة الصيفية أثناء دراستي هناك عام 1975 سألني إن كانت لي سيارة؟ فأجبته بالنفي فأعطاني مفتاح سيارته الجديدة التي لم يمض على شرائها من الوكالة شهور قليلة فرفضت بشدة، ولكنه أصر بشدة وقال عبارته التي لم أنسها من ذالك الزمان :"لا خير فينا إذا ندعي الأخوة ولا نطبقها" فأخذت السيارة كارها لإرضائه" والكلام للشيخ عبد الحميد البلالي...وأكتفي منه بهذا، وللقصة تكملة.

  ثم اسمعوا كيف يهتدي الشيخ نادر رحمه الله تعالى إلى كشف جوانب شخصيته -نعم جوانب شخصيته هو- إذْ يترجم للشيخ عبد الله عقيل سليمان العقيل في مقال يقطر بالوفاء النبيل عنونه ب: كلمةُ وفاء لمربي الجيل عبد الله العقيل

فقد قال عنه:

 

 (لقد كان مثالا للحلم والأناة وعقلا راجحا وفكرةَ طموح ووجها مشرقا باسما وتواضعا جما وعلاقات واسعة ومحبة في قلوب الخلق، إنه  بحق وجدارة  كما سطرت يداه من أبرز أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة ، حيث كتب بقلمه كلمات حب ووفاء لجيل كامل من الأعلام العظام من رجال الدعوة المعاصرة وأغفل نفسه كما هي عادة ودأب المنصفين الذين هضموا واتهم وثمَّنوا ذوات غيرهم ، فلن ينس لهم التاريخ هذا الوفاء الذي سطروه بتجاربهم الفذة الفريدة).

هل لاحظتم أن نادرا هو صاحب فكرة كشف المترجِم لنفسه في هذه السطور، ومنه قبستُها؟.

فيا نادرا طَابتْ ثمارُ حياتِهِ

                                          وذا قِطفُها دانٍ وهذا رحــــيقُها

تَرَكتَ بدنيا النَّاس صَوتا مُجلجِلاً

                                             بهمَّتِك القُصْوى فمن ذا يطيقُها

عليكَ سلامُ الله رُوحاً وباركتْ

                                             يدُ الله أغْرَاساً نَداكَ عُروقُها

عليكَ سلامُ الله همةَ قائدٍ

                                    وأشواقَ ولهانٍ بمغنىً  يــروقُها

سَيبقى على الأيامِ ذكرك حادياً

                                          إلى العالم الأسْمى قُلوباً تشُوقُها

وهذا قضاءُ الله والله غالبٌ

                                               وفي جنَّة اللُّقيا يعود فريقُها.

بإذن الله تعالى

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

         تنويه: أصل هذا المقال كلمة أعدها سيدي محمود ولد الصغير الجالية الموريتانية بالكويت وألقاها في حفل تأبين الراحل يوم   الأمين العام السابق لرابطة

                                                                                 15 /5/2014

الشيخ الداعية نادر النوري (قطوف من سيرته وأقباسٌ من نوره الفياض)

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox