الخطاب الدينى بين تثبيت المركز وتعزبز المنجز بقلم الدكتور محمد الحسن اعبيدى |
الثلاثاء, 03 يونيو 2014 12:02 |
يحمل الخطاب الديني المنتج فى الأجهزة الرسمية وشبه الرسمية اليوم نمطا استهلاكيا دعائيا لا يختلف فى وسائطه وسياقاته عن غيره من الخطابات الأخرى التى لا يمتهن أصحابها الدين وسيلة للتمويه والاكتساب فهو عند المحترفين من فقهاء "أثيريين" و"مشيخة شكليين مناسباتيين" أداة للتبرير وليس مشكاة للتنوير وقوة دفع نحو التحرير من كافة أشكال العبودية والتبعية كما ارتضاه لنا رب العالمين الذين نتلوا كلامه المنزل على خاتم الرسل قوله " إياك نعبد وإياك نستعين " ليدفعنا ذلك الاعتقاد الجازم ان لا خضوع لأي بشري ولا استعانة بأي بشري استعانة تفقد المرأ بشريته . غير أن الطمع وقصور النظر فى الأين القريب طالما قطَع رقاب الرجال وأرغمهم على التنازل عن كل شيء . والمقايضة بأقدس شيء . وهو ما نعيشه فى هذا المنكب حيث يجد "الفرصيون " وكل من أعجزته حيل الكسب المشروع ضالتهم فى تسور محراب النصوص الدينة المذهبية والندل منها كما تندل لصوص بنى "زريق" مال من ألهاه المهم عند حراسة ماله ليقدمه الإعلاميون بجر الحقائب بالالقاب المألوفة للعامة عصية على التزوير و بالسمات والسحنات المعهودة فى الذاكرة الجمعية أن صاحبها شيخا لا سيما إن كان يحمل لقب أحد البيوت العلمية المعروفة ويحضرنى وصف طريف لمحلاب لبن تعلوه الرغوة البيضاء صاغه شاعر مبدع بقوله : يحسبه الجاهل ما لم يعلما ... شيخا على كرسيه معمما . وكم من الأوصاف الخداعة التى تتوزع فى الأجهزة الإعلامية الرسمية وغير الرسمية على محترفين تحت غطاء حاكم سلطوي هدفه تمييع الخطاب الديني وإغراقه بمشيخة تحسن التَشكل والتلون وفق مزاج من يحِل ضيفا على القصر لتولى له سلطة التأثير على العامة بواسطة البحث عن قوالب لصياغات فقهية جامدة صيغت تحت أعين وبأصابع المستبدين فى التاريخ ترفع عنه مؤاخذة العامة استنادا أن ما يفعله الأمراء والسلاطين متجاوز عنه لأنه تدبير إلهي لردع الظلمة والمفسدين وتعيد الذاكرة القمعية إنتاج نفسها واستخدام استحضار النصوص الدينية مجتذة من سياقاتها اللغوية والواقعية – إن صحت نسبتها _ على شاكلة " السلطان ظل الله فى الأرض " و إن الله يزغ بالسلطان " . وغير ذلك من نصوص لا تخفى مضامينها وأسلوبها التركيبي تقنية الوضع المصلحي وسط ظروف وملابسلت معروفة ، سلطة مغتصبة تفتقد شرعية دينية تكسبها الولاء الشعبي الذى افتقدته لأنها نبتت خارج التربة التى تعاهدها الوحي النبوي بالإصلاح والتوجيه . ومع تجدد الحاجة عند الأنظمة السلطوية التى هي جزء من ابتلاءات الشعوب العربية تستحضر قوالب الخطاب الديني لتدعم وترفع فى وجه من ينازع "الأمر أهله" ومعروف أن عبارة أهله فى الخطاب الديني الرسمي كل من أخذ السلطة بالقوة ولو كان مخالفا فى الدين . ولا نستغرب هنا أن تتم المحافظة على نسق الخطاب الديني " السلطوي " - إن صح التعبير – ويحافظ على استنساخه فى مخابر خاصة وإعادة تصنيعه عند الحاجة. ففى مصر أجهض العسكر التحول الديمقراطي وجند المؤسسة الدينية الرسمية لإضفاء الشرعية على ما قاموا به من مجازر دموية وما ارتكبوه فى حق الشعب الذي حرموه التحرر من الاستبداد و أرجعوه لدرك التخلف والاستعباد. ولم تجد أنظمة ملكية مجانسة له فى الاستبداد غضاضة فى توفير الدعم المادي والديني لأنه أزاح عنها خطابا دينيا أكثر عمقا وتجاوبا مع مطامح الشعوب الإسلامية للتقدم والنماء من خطابها المتبنى للسلف ولو عُمر سيقوض ملكهم ويكشف زيف الأطروحات الدينية التى يستندون عليها فى تدعيم ملكهم . فكان الإسلام "المتأسلف" أول سلاح فى يد انقلابيي مصر وغيرهم فى وجه الخطاب الإخواني الذى يعتمد القراءة المتدرجة للنصوص التى تتجاوب مع الواقع ومتغيراته وما تعيشه الأمة الإسلامية من تساؤلات وتحديات كبرى . غير أن مصالح المستدين عصية على المشاريع ذات البعد الإصلاحي والشعوب المستهدفة لا تتوفر لديها القدرة لحماية هذا النوع من التجارب ولن تخبو جذوة الاصلاح هذه قبل أن تكمل مسيرتها الإشعاعية . وجذوة النار تخلو من حرارتها .. من بعد أن تملأ الوديان نيرانا . فمهما أوهموا الشعوب أن استبدادهم يكتسى طابعا دينيا فإن الخطاب الذى يعتمدون عليه يحمل فى طياته عوامل الهدم لنفسه وإفقاد الرأس مال الرمزى الذى اكتسبه منتجوه عند العامة . وستصبح فتاواه ومحاضراته المكررة وسيلة للتندر والفكاهة لأنه انتقل من دور الموجه المراقب للسلطان لدور الشاعر القديم المُمجد . وأشد ما يسلب الهيبة عند الفقيه حين يرى مزاحما للشعراء عند أبواب الأمراء ولو كان مرخى العمامة مسدل اللحية كما شاعر أموي على هيئة شيوخ زاحموه على منح باب أمير . ألا أيها الشيخ المرجى عمامته .. هذا زمانك إنى قد مضى زمنى. ويظل الفقيه مهاب الجناب من طرف العامة والساسة حين يتمنع ويرفض القدوم عليهم احتراما لعلمه كما يقول الجرجاني : ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه فى النفوس لعظما . لكن العلم انتهكت حرماته فهانت مرجعياته فأحترفه الطامحون للحظوة ودنسه المدافعون عن الشرعية وأذله الطامعون فى المركز أو المدافعون عنه . فأنتج ذلك خطابا دينيا مرائيا يتوسل بما أنجز للدين لكسب ود الرعية لا تقربا لرب الرعية ،فحين تعلق اللوحات على الشوارع الرسمية وتنظم المبادرات وتلقى الخطابات وتقام الندوات لتعداد المنجزات من ترسيخ الإسلام من طرف جنرال مغتصب فما يقال عن هذا ألا يدخل فى باب الرياء المبطل للعمل الذى يأكل الحسنات كما تأكل النار الخشب . ثم إن طباعة المصحف الشريف وفتح قناة للمحظرة وجامعة اسلامية ومسجد لم يخرج بعد من رحم التصورات الذهنية للواقع الذى نستطيع الحكم عليه .
كل هذا إن سلمنا به لم يفعله الرجل من حسابه الخاص وإنما من ميزانية دافعى الضرائب الموريتانيين فلا وجه للمنة عليه به . هذا إن سلمنا أن هذه المنجزات تمت فى عهده أو بأوامر منه . فالمصحف الشريف فكرته روادت رجل الأعمال المعروف ديدى ولد اسويد آخر الحقبة الطائعية وكان من بين الشخصيات العلمية التى أسند إليها النظر فى المشروع وزير الشؤون الحالية وبعض الشخصيات الدينية المشرفة على قناة المحظرة ’ لكن الانقلاب عاجل ولد الطايع عن إكمال المشروع الذى لو أنجز فى عهدى لسمي عليه ودخلت الشخصيات الدينية الحالية حرجا فى تغير طباعة المصحف . مع أن المصحف لم توزع من نسخ تعطى حاجة المحظرة الموريتانية للصحف صاحب الفخامة. ولم يخل مستبد فى العالم الإسلامي قديما وحديثا من أفعال لخدمة الإسلام من هذا النوع فقد أشرف الحجاج على ضبط المصحف وتجزئته وفى الوقت الحاضر القذافي طبع على نفقته مصحفا سماه مصحف الجماهرية برواية قالون وطاغية تونس الهارب بن علي بعث محطة إذاعية خاصة سماها إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم وأعطى الأوامر لبناء جامع ضخم بجانب قصر قرطاج يسمى حامع العابدين لكن الثورة عاجلته قبل أن يصلي فيه . والنماذج كثيرة فلا غرابة أن يحرص كل مستبد صياغة خطاب ديني بمقاسه الخاص ليترك عليه بصمته . لكن الدين هو الخطاب السماوي الشمولي المتعالى على المحددات الزمانية والمكانية المتعالى على التفسير البشري الآني الذى أنزل لتحرير البشرية وقيادتها لما فيه مصالحها الدنيوية والأخروية.
|