السبت, 14 يونيو 2014 09:30 |
الشيخ أحمد ولد البان- شاعر وكاتب موريتانيمنذ ترجل عن دبابته وخلع بزته العسكرية ودخل القصر الرمادي بنواكشوط أبان عن شخصية مختلفة، ووضع إستراتيجية جديدة لاستخفاف الشعب الذي وطأته أحذية العسكر 27 سنة، ذاق خلالها مرارة القمع والذل والحرمان من ثروات وطن لو حظي بعشر خراجها لكان من المترفين.
حدة خطاب الرجل وحديثه العاطفي المستفيض عن الفساد وأسبابه والمفسدين ومصائرهم أربك كثيرين - لم أكن أحد أولئك - وبدأت الدوائر الخاصة تتحدث عن براءة الفطرة في شخصية العسكري الجسور، كان الرجل يوغل في التعمية ويتحدث دون مواربة في المحظور؛ في العلاقة مع إسرائيل، تلك العلاقة التي كان الاستمرار فيها أحد أسباب الاحتقان الشعبي الذي أطاح بسلفه الذي أمضى في حراسته كل ريعان شبابه العسكري، "لا مصالح مشتركة تفرض الاستمرار في علاقات يرفضها الشعب"، كلمة قالها الجنرال في لحظة خداع عاطفي براق، ربح الرجل عواطف البسطاء بذلك وربحت إسرائيل علاقة سرية قادت شخصيات لها علاقة وطيدة بها إلى دوائر السلطة مع تنسيق واضح زار فيه تلأبيب أحد أركان النظام قبل شهور.
الخداع العاطفي إستراتيجية رشيقة، غير مكلفة ماديا - وذلك عامل ترجيح - كل ما تحتاجه لتنفيذ إستراتيجية طويلة المدى من هذا النوع هو ارتفاع نسبة الفولاذ في وجهك، وانخفاض منسوب الكرامة بالإضافة إلى شعب بلا ذاكرة ومعارضة كرخويات الأطلسي، كانت مقومات التنفيذ مكتملة، لذلك قرر الرئيس إلهاب المشاعر كخطة تمويه على ممارساته الإجرامية.
هنا يمكن التنبيه إلى ما يسميه علم النفس الإجرامي بــ(هيستريا الاقتراف)، - وهي مهمة لتفسير مشاعر الرئيس - وتعني أن المجرم يوغل في الحديث عن خطر الجريمة التي يدمن عليها - كنوع من الإحساس غير المؤثر بالذنب - لذلك كان الرئيس حديد اللسان حول الفساد الذي يمارسه بإلحاف وإشراف نفس، وعن المفسدين الذين أنتج منهم طبقة باذخة تصب مجاري فسادها بسخاء في مخازن أرصدته وأرباحه.
تلك حالة قديمة في علم النفس الإجرامي اكتشفها قيس بن الملوح، فقال:
وكنتُ كذباحِ العصـــــــافير دائبا *** وعيناه من وَجْدٍ علـــــيهن تَهْمِل
فلا تنظري ليلى إلى العين وانظري *** إلى الكف ماذا بالعصافير تفعل
العزف على مشاعر البسطاء هو أحسن طريقة للرقص على جراحهم دون تأوهات، لذلك حظي الرئيس باسم (رئيس الفقراء)، لم يغب عن الذاكرة مشهد ذلك الشيخ القادم من لأواء هجير كبة المربط وهو منتش بمصافحة الرئيس له بحرارة مفتعلة في مطلع مأموريته المنصرمة (الصورة مستغلة الآن في الحملة الرئاسية).
الحديث عن الدين، والموقف الشخصي منه ظل ثابتا من ثوابت خطابات الرئيس - وإن اختلف لون العمامة التي ينتقيها الرئيس في كل مناسبة جديدة للحديث عنه - مع أن حرمات الدين انتهكت لأول مرة في عهده (حرق كتب الفقه المالكي - حرق المصحف الشريف - سب النبي صلى الله عليه وسلم - السخرية من رموز الدين ومظاهره (بيان المظمات الحقوقية)، وقد أثبتت الأيام أن أجهزة الأمن كانت على علم بكل ذلك قبل وقوعه - وربما الرئيس كان على علم - وأخيرا حين قرر الرئيس محاربة التدين بتجفيف منابعه وإغلاق مؤسسات الدعوة والخير في الوطن.
تذكرني هذه المفارقة بأيام الراحل جمال عبد الناصر، - مع فارق الثقافة والمكانة - الذي كان يُكَبِّر للجماهير من الطائرة ويوقع لوائح المطلوبين والمحكومين بالإعدام من علماء مصر ودعاتها وخيرة شبابها في أزل جلسة له على كرسيه بعد النزول، إنه الطغيان في أشكالها المختلفة وأساليبه الموحدة، استخفاف الشعب بالحديث عن ثوابته وقيمه واستغلال مشاعره والعمل على تدمير تلك القيم والثوابت، إنها في الحقيقة مشاعر ذباح العصافير.
فلا تنظر أيها الشعب إلى العين الدامعة ولكن انظر إلى الكف المخضبة بدم كرامتك وعزتك، واعرف هل ستنتخب ذباح العصافير مرة ثانية.
|