إنذارات يونيو المجلجلة/احمدو ولد الوديعة |
الأربعاء, 25 يونيو 2014 09:39 |
نحن في بلاد لكل فيها نصيب من الانقلاب ربما لو دارت عجلة الزمن إلى الوراء وزارنا ذاك الصحفي الكويتي الذي سمانا يوما بلاد المليون شاعر لعدل في التسمية وسمانا بلاد ملايين المنقلبين، الانقلابية هذه ليست حالة يتلبس بها أفراد مؤثرون هنا أو هناك بل إنها– وفي الجوهر - صفة ملازمة لمنطق الأشياء هنا، المنطق هنا منقلب غالبا ومختل إلى الحد الذي بات من القواعد المنطقية المستقرة أن الأسلم دائما هو توقع الأشياء من خارج دائرة التوقع المنطقي وكثيرا ما تصدق هذه الحالة لدرجة أنهاأصبحت منطقا جديدا ربما يخرق استقراره قاعدة أنه لايوجد في هذه البلاد منطق. كان منطق الأشياء يقتضي أن تكون رئاسيات 2014 محطة يتطهر فيها نظام الرئيس الجنرال محمد ولد عبدالعزيز من أدران كثيرة صاحبته منذ الميلاد، ويدلف إلى مأمورية ثانية يفترض أنها الأخيرة بعملية سياسية ذات مصداقية يعيد فيها للبلد نزرا يسيرا من حلم ديمقراطي كان فخامته قرر ذات صباح من أغسطس أن يسطو عليه ردة فعل على قرار إداري صادر من ذات الجهة التي توجته أول جنرال في تاريخ العسكرية الموريتانية، لكن منطقنا الوطني في الزمن الانقلابي تغلب على منطق الأشياء لتكون رئاسيات 2014 تتويجا لمسار الانتكاس الديمقراطي وحتى المجتمعي. لم تكن رئاسيات 2014 قنطرة ولافرصة للتطهر لكنها حملت معها حزمة إنذارات وبشائر هامة يمكن إن وجدت من يحسن الاصغاء أن تفتح طريقا في يوم ما – عسى أن يكون قريبا – لمنطق سليم يعيد الأمور إلى نصابها ويتدارك بلدا يسير بسرعة جنونية إلى هاوية سحيقة محمولا على كف جنرال، أتذكر أني كتبت مقالا عن رحلة موريتانيا على كف جنرال ساعات بعد انقلاب 2008.
- جاءت أقوى الإنذارات التي حملتها رئاسيات 2014 من الداخل، إنذارا مفزعا للنظام القائم وللبنية الصلبة للدولة القمعية التي تعودت على مواجهة "جيوب" معارضة في العاصمة وبعض المدن الكبيرة، في حين ظل الداخل بكل ما له من ثقل سكاني ومعنوي " محسوما" في كفة أو جيب من يحكم، لكن نتائج رئاسيات 2014 كشفت عن تصدع كبير في جدار حماية الاستبداد هذا وهو ما تعبر عنه بشكل صارخ نتائج مقاطعات وبلديات وبلدت ظل المستبدون يعدونها من حصنهم المنيع، فإذا بها اليوم تعزف عن انتخابات العسكر وتقدم نسب مقاطعة عالية رغم كل ما قيم به من تزوير وتحوير وتعديل على عدة مستويات من الصندوق الانتخابي في مكاتب التصويت إلى صندوق العسكر الكبير المسمى اللجنة المستقلة للانتخابات. تطور الوعي في مدننا الداخلية حالة ظهرت مؤشراتها مبكرا لكن قادة الفعل السياسي عندنا – موالين ومعارضين – لم يفطنوا لها فظلوا يبنون خططهم السياسية على الفعل في وسط العاصمة، والحقيقة أن هذا الوعي هو في جوهره نتيجة قوة الإعلام خلال السنوات الأخيرة التي اخترقت فيها القنوات التلفزيونية الدولية والمحلية كل البيوت والأكواخ والخيم والأعرشة إضافة إلى وجود الانترنت وخدمات الرسائل القصيرة على الهواتف الذكية والغبية.
- كان في جملة ما سطا عليه الجنرال ولد عبدالعزيز يوم وكز العملية الديمقراطية فأرداها قتيلة، مشاعر وعواطف الفقراء المطحونين وما أكثرهم وأقل ما قدمت لهم الانظمة المتعاقبة، فأخذ الجنرال يعدهم ويمنيهم ويرفع لهم الشعارات البراقة، لكن ليس بالشعارات والوعود تكسب ثقة الفقراء فقد شبع هؤلاء من شعارات حزب " الشعب" وتنظيرات " هياكل تهذيب الجماهير"، ومشاريع" المصلحة" و" محو الأمية" و" الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر. لم تختلف مشاريع التضامن ومحلات أمل كثيرا عن ما سبقها من خطط في عهود ولد هيدالة وولد الطائع وولد محمدفال وحتى ولد الشيخ عبدالله، فهي كلها مقاربات " تهين الفقير وتذله مقابل أن يستلم ما لايسد رمقه من ثروة طائلة منهوبة من قطعان نهاب الثروة المحترفين الذين يحتكرون مال البلد وسلطته دولة بينهم منذ عقود.
- رغم كل حبائل الصيد الظاهرة والمستترة التي وضعت في طريق الشباب لإغوائه عن الاستمرار في نضاله الثوري من أجل تحرير موريتانيا من حكم العسكر، فقد كان عزوفه قويا ومشهودا عن رئاسيات 2014، وهي حالة ظهرت شديدة الوضوح لمن تجول بين مكاتب التصويت يوم الاقتراع حيث لاتكاد تجد شابا بين المشاركين. لقد أزعجت حالة تصدر الشباب للمشهد النضالي والثوري خلال السنوات الأخيرة عديدين، فكان أن أنخرطت السلطة بكل أجهزتها لإفساد هذه الحالة في مهدها وإعادة الشباب إلى مربعات الاحباط، وبعد أن ظنت بفعل الزخم الافتراضي لبعض الواقعين في الشباك أنها ضمنت الشباب إلى جانبها قدم الشباب صفعة قوية للمستخفين بهم، مؤكدين بذلك أنهم، مهما كانت ملاحظاتهم عديدة وجوهرية على بعض المتصدرين في المشهد المعارض لكنهم يدركون أن الشباب هو من يملك زمام المبادرة حقا وأصالة، وهومن يرسم ملامح المستقبل فعلا لاسطوا و"بلطجة" كما ادعت حملة الرئيس الذي نافس نفسه وانتصرت عليه.
- لم يبدأ الاصطفاف العرقي والفئوي مع رئاسيات 2014 ،والواضح أنه لن ينتهي معها لكنه انحدر درجة جديدة ، مجددا بذلك التعبير في الفضاء المكشوف عن إخفاق كبير للمجتمع والدولة والقوى السياسية في تجاوز إشكالات ومعضلات تصاحب الكيان الموريتاني منذ نشأته بل إن بعضها يضرب بجذوره الظالمة قرونا قبل إنشاء الدولة. أعرف أنه يروق لكثيرين اختصار حالة الاصطفاف الحالية في شخص أو حركة أو مجموعة لكن ذلك تبسيط مخل وعملية هروب مكشوفة إلى الأمام فالخطابات المتشنجة التي يعبر عنها هذا الطرف أو ذاك ليست أسوأ ما في الأمر، بل إنها في الكثير من الحالات تجد فرصتها للتأثير من خلال الإحالة – وإن بطريقة فيها بعض المبالغة أحيانا – إلى واقع ظالم مختل خلو من أي قيم إسلامية أو إنسانية، وهو واقع تفضل السلطة والكثير من الجماعات الوطنية الاستمرار في غض الطرف وصم الآذان عنه في رهان غبي على الزمن ، دون أن تدرك أنها تقدم دون أن يدري – بعضها على الأقل – أكبر خدمة للاصطفاف العرقي والممارسات والخطابات العنصرية الصادرة عن كل المجموعات والمصبوغة بكل الألوان. لايتجه إنذار الاصطفاف العرقي واللوني إلى السلطة وحدها فهو أولا وأخيرا إنذار للجميع – ربما يكون الإنذار الأخير – مؤداه أن الوقت قد فات لمغادرة مقارباتهم البالية وتخندقاتهم اللونية، والتداعي إلى أرضية محررة من الرواسب والخلفيات الجاهلية المؤسسة لعنصرياتنا وعبودياتنا وطبقياتنا النتنة.
- أما أكبر وأخطر الإنذارات الصادرة عن رئاسيات 2014 فهو ذاك الخاص بالشروع في جريمة الإجهاز على آخر أمل في استعادة الديمقراطية من خلال تغيير الدستور لإزالة الكوابح التي تحول دون تأبيد الرئيس الجنرال في الحكم، وتمثل المقابلة التي أجراها ولد عبدالعزيز مع إذاعة فرنسا الدولية بعيد إعلان نتائج 21 يونيو، الدليل المادي على أن الشروع في الجريمة تم بالفعل، وهو ما يستدعي يقظة ضمير وطنية تتجاوز التموقعات السياسية والتباينات الفكرية لحماية بصيص الأمل المنبعث من نهاية نفق سنوات الجنرال العجاف. سترتكب القوى الديمقراطية خطيئة كبيرة في حق الديمقراطية والوطن إن هي تركت إنذار إطفاء البصيص يمر دون موقف وطني مجلجل يفرض الاقلاع الفوري عن الجرم، ويستبق مبادرات المطالبة بتغيير الدستور التي توشك أن تنطلق مطالبة بتغيير دستور المفسدين، مؤسسة على رصيد من فتاوي فقهية وقانونية تجزم ببدعية تحديد مأمورية" رئيس العمل الإسلامي، وتحشد الأدلة الديمقراطية على مرجوحية مذهب تحديد المأمورية.... إنها معركة اليوم والغد التى لايجوز لنا أن نخسرها فلنخضها مبكرا وبفعالية ونضالية وعزم دفاعا عن نافذة الخروج الوحيدة من قفص الجنرال المسلح. |