البعد القبلي في تعيينات رئيس الجمهورية
الثلاثاء, 21 سبتمبر 2010 13:50

 

منذ استلام الرئيس الحالي للسلطة برز كثيرا للعيان اهتمامه السامي بعشيرته الأقربين وتقريبهم من بين الكثير من المواطنين الآخرين ،وذلك بتعيينهم في وظائف هامة بالدولة رغم أن أغلبهم لم يكن في جهاز السلم الإداري للوزارة التي حل ضيفا عليها

 

 

،،وإنما جاء إليها عبر "إنزال مظلي" على حساب الكثير من الأطر الأكفاء فيها الذين صبروا سنوات طويلة على الجمر ،ليفاجؤوا دائما باستمرار تهميشهم وإقصائهم من التعيينات ،لا لشيئ إلا لأنهم ليسوا من أقارب فخامة رئيس الجمهورية الذي صوت عليه أغلب المواطنين من الفقراء وفاز في الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية ،لتكون مكافأة العديد من الأطر الفاعلين والناشطين في حملته الانتخابية هي النسيان وعدم الاهتمام إلا من وجد وساطة أو كان من بني عم الرئيس وذلك حظ عظيم.

أقول هذا وأنا أتأمل التعيينات الأخيرة في مجلس الوزراء يوم أمس والتي كانت خاصة فقط بوزارتين هما الثقافة والشباب والرياضة،ووزارة التعليم العالي،حيث كانت أولى الأسماء المحظوطة بالتعيين هي لشخصين من عشيرة الرئيس وهو أمر ملفت للانتباه ولا يراعي الحد الأدنى من التوازن المطلوب بين مكونات مجتمع تقليدي معروف بتعدد قبائله وجهاته المليئة طبعا بالأطر الأكفاء.

إن مسلسل تعيين الأقارب في زمن الرئيس المحارب ما زال مستمرا ،ولا يكاد يخلو اجتماع لمجلس الوزراء من تسمية أحدهم مديرا أو رئس مجلس إدارة أو أمين عام لإحدى الوزارات أو واليا ،والأمثلة عديدة هنا وهناك ،فقبل أسابيع قليلة فقط تفاجأ عمال وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية بتعيين فتى من أقارب الرئيس مديرا لإدارة التمويلات وهي أهم قطاع في الوزارة رغم أنه لم يكن موظفا فيها أصلا بل جاء لتوه من أمريكا يحمل معه أولا شهادة القرابة ونسب الدم مع فخامة الرئيس ،وليتجرع أطر الوزارة الأكفاء مرارة الخيبة وتوزيع ما بقي من العدالة في زمن محاربة القبلية والجهوية والمحسوبية وبقية الأغنية.

لم يكن هذا الأسلوب جديدا فيما يبدو لدى رئيسنا المحترم ،فبعد انقلابه على الرئيس المنتخب المسكين بادر إلى تعيين شاب جديد من أقاربه وزيرا للشؤون الخارجية والتعاون لم يمض على وجوده في الوزارة سوى فترة وجيزة،تم استقدامه أيضا من أمريكا ووضعه في إدارة مركزية بها تمهيدا لتسلقه إلى رأس الشجرة بعد طرد سفير سابق من نفس الإدارة من جيل الدبلوماسيين المخضرمين،ما زال حتى الآن بعيدا عن الأنظار،ولن نذهب بعيدا في سرد الأمثلة فالجميع يعلم أن أول قرار اتخذه رئيسنا العادل-رئيس الفقراء والعمل الإسلامي والقبيلة أيضا-في يومه الأول في الحكم في الدقيقة الاولى قبل البيان رقم واحد هي تعيين أحد أقاربه مديرا عاما لإحدى المؤسسات الإعلامية قبل أن يغضب عليه في مناسبة معروفة ويقيله بعد ذلك،ليعود ويرضى عنه ويعينه من جديد أمينا عاما لإحدى الوزارات مع وزير ينتمي وإياه لنفس الجهة والولاية.

ويمكن أن نذكر في هذا السياق أيضا تعيينه لشاب من فرسان القبيلة دون غيره مؤخرا عضوا في السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية ،بعد أن كان المستشار الإعلامي للحزب الحاكم،وهلم جرا وحدث ولا حرج.

ومن الشهادات والأوسمة التي يمكن توشيح السيد الرئس بها أيضا في إطار النزعة القبلية الإيجابية عند فخامته ،أنه عندما قام بسجن ثلاثة من أهم رجال الأعمال في البلد ينتمون إلى قبيلة واحدة ،قام سيادته في اليوم الموالي بمناسبة عيد الاستقلال بتوشيح رجل أعمال من بني عمومته وحده من بين كل أصحاب الأيادي البيضاء في البلد بوسام فارس ،ولا غرو فهو واحد من فوارس الأهل ،وخيركم خيركم لأهله ورئيسنا الذي انتخبناه جميعا في ظروف استثنائية هو خيركم فقط لأهله وعشيرته الأقربين، جزاه الله خيرا عن سائر قبائل المسلمين في بلده الأمين.

بعد "العصيان العسكري" لفخامة الرئيس الحالي على "القرار المدني" لفخامة الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله يوم السادس اغسطس 2008 ،ظل الأول يتهم الثاني ،بأن من أسباب الانقلاب عليه ،تعيينه لأقاربه في الوظائف العليا للدولة وتدخلهم في كل شؤون الحكم ،والاعتماد فقط على معايير العشائرية والقبلية الضيقة،فهل نسي رئيسنا المنتخب الآن أنه بدأ السير على خطى سلفه الصالح،ام أن ذلك كان مجرد سراب آنذاك يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا؟!

وعلى كل حال فنحن لا يسعنا إلا أن نهنئ السيد الرئيس بمناسبة عيد الفطر المبارك وما يقوم به دائما من صلة للرحم وعطف على الأهل وأبناء العم خصوصا بمناسبة العيد ،فذلك جائز شرعا وقانونا فالأقربون أولى بالمعروف ، ونعرف أن ما يقوم به لصالحهم هو برور أولا ببرنامجه الانتخابي وتطلعاته النيرة لبناء مجتمع السلم وتكافؤ الفرص ومحاربة المحسوبية والزبونية والسعي الدائم لترسيخ قيم المواطنة والجمهورية.

إن رئيس الجمهورية يهتم بالجميع والتعيينات هي للجميع،فقط علينا أن ننتظر قليلا حتى ينتهي فخامته من تعيين جميع أقاربه في مرافق الدولة ليأتي دورنا نحن، ومن كان مستعجلا منكم فليثبت لدى الحالة المدنية أي قرابة له بالرئيس أو رضاعة طبيعية من ذويه أو مصاهرة ليس بعدها طلاق مع أقاربه أو أي من الأدلة الشرعية الأخرى غير "المزيفة."

إن ما يقوم به الرئيس من جهود قبلية حثيثة لتعيين ذوي القربى في عهده الميمون ،يبشر بتجاوز كل أزمات الدولة الوطنية نحو سلطة القبيلة "العصماء" التي هي وحدها صمام الأمان من شرور القبائل الأخرى في الجمهورية.

واليوم يمكن لله الحمد أن يفخر أقارب الرئيس بأنهم في كل مكان من أجل التأمين الصحي للجميع ومشروع التنمية الحضرية للجميع،وسلطة التنظيم للجميع ومختلف الإدارات المركزية في أهم الوزارات والمؤسسات،ومغانم أخرى تأخذونها من مستشارين ومحاسبين وضباط عسكريين وتجار ورجال أعمال ومتنفذين وراء الكواليس ومستفيدين من الصفقات العمومية ونواب وعمد ومنتخبين بفضل ابن العم "عزيز"ليس إلا.

إن لسان الحال اليوم في موريتانيا يقول:

 

أنت ابن عم الرئيس إذن أنت محظوظ في التعيينات

 

أما أن تكون مواطنا فقط دون "شهادة تبريز حقيقية" فأنت مجرد وهم في دولة العدل والمساواة.

 

فهل أنت مستعد الآن لتكون من أقارب الرئيس فقط

 

فكر جيدا قبل اجتماع مجلس الوزراء القادم.

 

/ بقلم: مريم بنت أحمد فال-نواذيبو

البعد القبلي في تعيينات رئيس الجمهورية

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox