أيها المواطنون... إنكم لسارقون!
الاثنين, 30 يونيو 2014 13:18

بقلم/ م. محفوظ ولد أحمد

كان منظر حملة السيد ولد عبد العزيز ووزيره للشؤون الاقتصادية والتنمية، يتحدث لإحدى المحطات التلفزيونية. وبعد الجولة المفضلة في الأرقام الصماءـ سألته محاورته فقالت: إن الناس في معاشهم لم يشعروا بأثر لهذه الأرقام ولم تتحسن حياتهم. فأجاب الوزير بعد تلعثم قائلا: "طبعا! لأنهم تعودوا أكل المال العام، والمال العام قُطع عنهم ولم يعد متاحا لهم أكله"!.

ومن الواضح أن الوزير الذرب اللسان المذرذري الجنان، لا يقصد المواطنين العاديين في القرى والبوادي والكبات، لأنهم هم الأغلبية الساحقة التي لا سبيل لها إلى المال العام. ولكنه أراد أن يتغنى بمعزوفة "فساد المعارضة" فأخطأ الأوتار والمقام، دون شعور بالخجل أو الحرج.

وكان يجاريه مسئول كبير في حزب الدولة يتحدث في محطة أخرى فيقول بقدر كبير من التفاصح وإشباع الحروف وإشهاد الخلق: إن الرئيس ولد عبد العزيز كان بلسم دواء الفساد، ونظامُه يشكل أيقونة الطهر والإصلاح، بينما تجسد المعارضة المقاطعة (المنسقية) الفساد بعينه، وتتشكل أحزابها وقادتها من رموز الفساد الباكين على ربوعه وأزمنته.

ولكي لا يشك أحد في ذلك أعطى فيلسوف حزب  UPRالبرهان التالي: قال "إن فترات الفساد في هذه البلاد كانت ثلاثا: فترة ولد الطائع، والفترة الانتقالية (ولد محمدفال)، وفترة ولد الشيخ عبد الله. وهذه الفترات الثلاث ـ كما يعلم الجميع (قالها بهذا التعبير) ـ كان الأمر والشأن والنهب فيها لقادة المعارضة وخلقها"!!.

وعلى استحياء استدرك المحاور متسائلا: هل كان ولد داداه وولد منصور وولد بدر الدين وولد حنن...  لهم الأمر والشأن في قيادة البلاد خلال هذه الفترات؟!

لكن سؤالا جوهريا بقي على الصحفي الأخرس ألا وهو أين كان السيد الرئيس المرشح، مكافح الفساد وقائد الإصلاح، الجنرال محمد ولد عبد العزيز، خلال تلك الفترات الثلاث بالذات؟؟!!.

**

في هذه الحملة الرئاسية التي لم تكن حملة انتخابية؛ لأنه لم تكن هناك حاجة لأية حملة أصلا، أبدع المنافقون والمصفقون، القدماء والجدد على السواء، من الكذب والزور ما لم يكن من قبل أبدا، وأصبح قلب الحقائق وتزوير الواقع الملموس ـ كما في المثالين الآنفين ـ أمرا مألوفا لا يندى له جبين ولا يتلعثم لسان.

النص الأصلي يصدر عن السيد الرئيس ولد عبد العزيز، في صفحتين: صفحة اتهامات عامة للمعارضة بالفساد، وبأن قادتها يعارضون لأنهم قد حُرموا من نهب أموال الدولة وسلطانها... ثم صفحة المنجزات التي هي عبارة عن أرقام فلكية توحي بعموم الخير والرفاهية على الناس جميعا. وعلى هاتين الصفحتين طفق المنافقون والمصفقون يكتبون الأسفار والموسوعات في الشرح والإطراء والافتراء ... حتى بدا ما فيهما من الباطل حقا مقدسا.

وتنحصر محتويات الصفحة الأولى بتكرارها "اللوبي" (نسبة إلى عبارة Loopفي لغات البرمجة) في الإشارة إلى قريب السيد الرئيس وولي نعمته العقيد اعل ولد محمدفال، وبضعة أشخاص آخرين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد، وليس من بينهم أي قيادي في أحزاب المعارضة أو المنسقية.

وبوجود هؤلاء النفر في المعارضة، أو على هامشها على الأصح، يتخذ ولد عبد العزيز منهم "مسمار جحا" ليطلق أوصافهم والاتهامات الممكنة بحقهم على المعارضة كلها. ومع ذلك يتساءل الناس لما ذا لا يأمر السيد الرئيس وإدارته المُصلِحة وقضاؤه العادل بالقبض على كافة من يتهمهم مرارا وتكرارا بالفساد والمنكر، أو التحقيق معهم ومحاكمتهم... أليس هذا واجبا قانونيا وشرعيا في كل دولة حقيقية؟!

أما صفحة المنجزات فهي تعبر عنها شعارات الحملة الأخيرة بصدق وعمق. شعارات لا أثر فيها للإنسان وقيمه... إنما فيها سطحية الطرق السيارة ومادية المكينة وبلادة الخرسانة.

ما ذا يمكن أن يقول علماء النفس والاجتماع عن دعاية تتخذ من عمارات وطرق دبي وهونغ كونغ ولوس انجلوس، شعارا لها في بلد صحراوي شاسع معظم مساكنه حجرات زنك مفردة وخيام وأكواخ بارتفاع متر، وطرقه الرئيسية الثلاث هالكة منهوشة أو ممزقة مقطوعة، حتى باتت ثالث أسباب الموت بعد الملاريا والسل؟!.

هل كان اعتماد المرشح المحظوظ على الطيران في جميع تنقلاته تقشفا وحرصا على الوقت، أم كان تفاديا لوعثاء ومخاطر السفر على الطرق، بما فيها الطرق التي كانت ـ قبله ـ معبدة ثم أصبحت مصيدة للحديد والبشر والدواب؟!

**

لقد كانت بالفعل حملة رئاسية مصطنعة، ليس بسبب مقاطعة المعارضة فقط، ولكن بسبب سببِ تلك المقاطعة: وهو انعدام المصداقية.

يتبجح دهاقنة النظام وأئمته وقساوسته بأن الإدارة كانت محايدة وبأن الدولة لم تنفق المال العام على حملة الرئيس... وقد يكون هذا ما قُصد إظهاره. إلا أن الدولة لا تملك المال والسيارات فقط، ولكنها أصبحت اليوم "تملك" أصحاب المال وأرباب السيارات. فكم من رجل أعمال كبير وتاجر بسيط وموظف مغمور وشيخ وقور... جمعتهم حملة السيد الرئيس من حولها وأخضعتهم لسلطانها فبذلوا الغالي والنفيس، وجمعوا الجموع واستوردوا الصور المضخمة والأثاث الفاخر وتنافسوا في سباق محموم على بلوغ الغاية القصوى في الدعاية والتبجيل والتهويل، وجمع ونقل المواطنين، ورشوتهم عند اللزوم، لمناصرة مرشحهم والتصويت له.

وهؤلاء حين تسأل منهم مَن تعرف معارضته الشخصية لولد عبد العزيز وسخطه على نظامه، يقول لك بصوت خافت: في الأرزاق تقطع الأعناق! لا أستطيع تحمل عقاب الجمارك وضرب الضرائب وحصار البنك المركزي، و... وقد أيقنت أن لا منجاة من ذلك إلا بهذه القرابين الانتخابية، ثم إن الرجل في النهاية ناجح، ناجح بدون ريب!!.

وشاع أن بعض النافذين في الدولة وحزبها وحُزيباتها، يرسلون في قبائلهم وأوساطهم من يهدد المتخلفين عن المبادرات بمثل ذاك العقاب، ويبشر "المبادرين" بالسلامة وحظ من الثواب.

حتى قال بعض الظرفاء إن المبادرات لم تسلم من الغلاء وارتفاع الأسعار؛ فقد كانت في عهد الأنظمة العسكرية السابقة مجرد بيان في ورقة، وأصبحت اليوم "بوسترات" ملونة و"ندويات" وخيام مجهزة وسيارات مُبوَّقة!

أما المترشحون "المنافسون" في لسباق الرئاسي فقد كانوا ديكورا صوريا ولا أثر لهم على الأرض، واضطر النظام لمسايرتهم وغض الطرف عن مخالفاتهم الواضحة للقوانين وانتهاكاتهم الفاضحة للسِّلم الاجتماعي وستفزازاتهم العنصرية البغيضة، حتى لا ينهار ذلك الديكور الانتخابي المتداعي أصلا.

وعلى سبيل المثال فإن النظام لو وجد سترا مناسبا لما كان سمح للسيد برام ولد الداه بالترشح؛ على الأقل للأسباب التي ساقها بالأمس في منع الترخيص لحزبه، ولكنه اليوم مضطر للترخيص له ومجاراته أو مداراته.

ولعل الخاسر الأكبر من هؤلاء هو السيد ولد هميد الذي كان بكل تأكيد مؤهلا للفوز بأصوات كثيرة، لو كان تخير مضمارا مناسبا وطبيعيا غير هذا. فقد باء بنسبة قزَّمته وأساءت إليه وإلى مستقبله السياسي.

وفي خضم الحملة الرئاسية، تجاهل الجميع نتائج الخمس سنوات الماضية، (الفترة الرئاسية الأولى، مزيدة بسنة الانقلاب) للقفز فوق إخفاقاتها ووعودها المخلَفة، واكتفوا بتعداد الإنجازات المحققة وتلك المتخيلة، لا فرق بين الواقع وبين ما قيل إنه سيقع؛ فكل شيء تم إنجازه فعلا، أو "متبارك معه" في الأذهان، وذلك إنجاز كبير أيضا!.

والآن حان الوقت لنتساءل عن المستقبل. فبما أن جوقة "البوقولوجيا" قد أنبأونا قبل فترة وجيزة أن برنامج السيد الرئيس ولد عبد العزيز لانتخابات 2009 قد أنجز 100%، فإن الخمس سنوات القادمة لها برنامجها الذي سينجز أيضا بنسبة 100% أو أكثر، ولهذا نتطلع إليه بشوق وفضول. وبالتأكيد فلن يكون فيه القضاء على الفساد، ولا رفع معيشة المواطنين ولا إصلاح التعليم المنهار ولا تأمين البيوت والشوارع من اللصوص وقطاع الطرق المظلمة مثلا، لأن هذه المطالب كلها كان السيد الرئيس قد تبناها ووضعها أركانا لبرنامج مأموريته الأولى التي أكدوا مراحل اكتمالها تباعا في السنوات الماضية... وبالتالي تكون قد تحققت، وفرغ منها. ووجود كافة رموز الفساد وقادة أزمنته المذكورة اليوم في نظام ولد عبد العزيز ومؤسساته المرئية والمخفية، إما أنه دليل على أنه أصلح بَالهم وطهر نفوسهم، أو أن للفساد نفسه مفهوما آخر لا تفسره اللغة!.

وفي جميع الأحوال فلن يفاجأ أحد إذا دبت الحياة، بعد سنتين أو ثلاث أو أربع، في "الكتيبة البرلمانية" ومنتسبيها القدماء والجدد، ليصدعوا بالدعوة إلى تعديل الدستور، أو تبديله، حتى يتم إسقاط معوقات ترشح السيد محمد ولد عبد العزيز لمأمورية ثالثة ورابعة... أطال الله عمره.

وبالطبع فستكون هذه التعديلات من أبرز إنجازات المرحلة الجديدة و"إصلاحاتها الدستورية التاريخية"، ولن يجد الرجل بعد ذلك بدا من تلبية "نداء الشعب" وفتاوى "العلماء" بوجوب ترشحه لتلك الفترات الرئاسية! ولنا في "الديمقراطيات" الإفريقية القريبة (اتشاد، النيجر، بوركينافاسو ... الخ) أسوة حسنة بالفال!

وبعد ذلك وفي يوم ما ـ من التاريخ ـ يستطيع المحيطون بالسيد الرئيس من وزراء ومستشارين ومديرين... القول صادقين بأنهم كانوا مجرد سعاة لا تأثير لهم في ما يجري حولهم، ولا حتى في ما يُجرى بأسمائهم وتوقيعاتهم. بل لا يتحكمون في ألسنتهم عندما يقولون إن أسباب عدم تحسن حياة المواطنين هي أنهم كانوا يسرقون المال العام فمُنع منهم... ثم يقفون أمام هؤلاء المواطنين ويعقدون بكل براءة المقارنة التالية: هذه الطرق والمطارات والمياه والكهرباء وإذاعة القرآن... كلها إنجازات الرئيس محمد ولد عبد العزيز التي تحققت، فأين ما حققته المعارضة من إنجازات؟! انظر إلى هذا الإنصاف!!.

أيها المواطنون... إنكم لسارقون!

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox