| عمالة الأطفال : لا طفولة .. لا تعليم ..لا حياة |
| الثلاثاء, 21 سبتمبر 2010 13:57 |
|
عمل لا يسمن ولا يغني بل يضر بالطفل و المجتمع و يخطف أعمارهم ليجدوا أنفسهم في النهاية إما مساجين لصالح الحق العام أو أعضاء في احدي العصابات الإجرامية فيضيع الباقي من العمر كما ضاع أوله . و يعمل الأطفال في موريتانيا في مجالات كثيرة منها العمل في ورشات النجارة و باعة متجولون و خدم في المنازل و يعملون في رمي القمامة و حمالون إلي غير ذلك من الأعمال التي لا تناسب خشونتها أجسادهم الضعيفة, وتتنافي ظروفها القاسية مع ما تحتاجه طبيعتهم البريئة. ما يحتاجه الطفل هو الأمان , أمان في السكن و المعيشة , أمان مع من يحترم طفولته و براءته و حقه في التعليم وأن يستوفي كافة السل التي تمكنه من خوض تجارب يستكشف من خلالها الوجه المفرح و البهي لهذا العالم , وعلي هذا الأساس يكون كلما يحل بالأطفال من تنكيل و سوء في المعاملة و استغلال غير إنساني لهم , فكل هذه الأحداث يتحمل الأهل مسؤوليتها , فمن ينجب أطفالا في ظروف لا تحمل أدني الاستعداد لاستقبال إنسان و توفير كافة حقوقه الطبيعية , فهو يتحمل عواقب الضرر الذي سيلحق بهذا الإنسان الذي أنجبه في ظروف سمحت له بالضياع بحيث لم تتوفر له أدني درجات الأمان. عمالة الأطفال هي ظاهرة يرفدها الفقر و الجهل و غياب الدولة , إضافة إلي طبيعة المجتمع الموريتاني الحديث , التي سمحت بتشكل فئة تقبع تحت فقر مدقع , يسكنون في مناطق عشوائية في مساكن لا تصلح للاستخدام الآدمي فهي مساكن كأكواخ الدجاج من بعيد تري المساكن ملتحمة لا ممر بينها , وحين تقترب تكتشف أن هذه المناطق تشكل ممرا يعبر منه المتشردون و المجرمون و الباعة المتجولون و راموا النفايات و عمال جلب المياه , وهي فئة صنعتها الجغرافيا , فالنزوح المتزايد نحو العاصمة سبب انفجار سكاني أدي إلي عدم توازن ديمغرافي سبب ظواهر كثيرة بدئت بالسكن العشوائي المعروف بظاهرة "القسرة " مما شكل ضغطا بشريا يستحيل استيعاب كل مشاكله و حاجياته , إضافة إلي أن هؤلاء النازحين لم يحملوا إلي العاصمة شيء فقد جاؤوها مطاردين بفعل الجفاف الذي ضرب مواشيهم وأراضيهم , فجاؤوا يطلبون النجدة من ولاية لم تقف بعد علي أرجلها , فهي بدورها كانت ولازالت تطلب النجدة فحصل ما يعرف ب " سند الضعيف علي الضعيف الذي يؤدي إلي سقوطهما معا " و بالفعل سقط الجميع . وفي هذا الجو ولدت أجيال و نمت لتكون وقودا لظاهرة العمالة الرخيصة التي يتصدر قائمة المغذين لها الأطفال الذين يرميهم الجوع و الفقر في غياهب الاستغلال المجحف من طرف المجتمع الذي بدل أن يحمي أطفاله يمتص دمائهم و يرميهم في فيافي الحياة لينتجوا له واقعا مشبعا بالفوضى و الجهل و الحقد و الجريمة , فالمجتمع هو المنتج الأول لعمالة الأطفال حيث يسمح باستغلال فئة معينة كانت تاريخيا تمثل اليد العاملة في المجتمع التقليدي فأنسحب ذلك علي مستقبل أبنائها . يعمل الأطفال في قطاع الخدمة العمومية و هو قطاع خارج السيطرة الإدارية للحكومة , فهم ليسوا عمالا رسميين ولا ينضوون تحت لواء نقابات حقيقية تحمي حقوقهم, فكل حياتهم وهم في وهم بدء من عملهم الخارج عن إطار الشرعية وصولا إلي أجورهم الزهيدة التي لا تستحق العناء الذي يبذلونه لأجلها , ز أكثر ما ينتجه أطفالنا العمال هو الفقر و المرض و الجهل و تراكم أعباء الحياة عليهم . غياب الدولة يفاقم هذه الظاهرة و غيرها من الظواهر الاجتماعية التي أنتجها المجتمع و تضرر منها , ثم عجز عن معالجتها , فكانت الدولة وتشريعاتها الرادعة لهذا الضرر هي الملاذ , وهي ملاذ مسدود لأنه مشغول بأشياء لم نفهما حتى الآن, إن الدولة بغيابها المفزع عن الواقع الاجتماعي تساهم في تعميق الهوة بينها و بين التقدم و التطور الذي تطمح له- إذا كانت حقا تطمح له- فضعف التعليم وانعدام قدرته علي إخراج مجموعات قادرة علي صنع واقع جديد ,وتزايد انعدام فرص العمل هي الروافد التي تغذي نسب الكارهين للتعليم و الهاربون ومن المدارس , بحثا عن عمل و العمل يريد من يخلقه كي يوجد لا منن يطلب و جوده . إضافة إلي غياب المؤسسات المتخصصة في احتواء مشاكل و أزمات المواطن بشكل فعلي , فلا مشاريع حقيقية للنهوض بواقع البلاد الاقتصادي و لا وجود لجهود فعلية و متواصلة لدعم عجلة التنمية في البلد , وكل ذلك تغذيه حالة عدم الاستقرار السياسي التي لجناح البلد من فترة لآخري و المسبب الأكبر و الأكثر تأثيرا هو ضغط القوي السياسية الخارجة التي لا تسمح للبلد بالاستقلال بقراره السياسي و لا بواقعه الاقتصادي , وهي قوي تجد صدى واسعا داخل الشريحة المثقفة و قادة الرأي في البلد , وهي الشريحة المعول في إدارة دفة التغيير من داخل المجتمع ز ذلك بصناعة رأي عام قادرعلي دعم واقعه بلفت الانتباه علي مشاكله المزمنة ليساهم في صياغة القرار السياسي. إن عمالة الأطفال بقدر ما تضر المجتمع تضر الدولة , وبقدر ما تهدر أعمار الأطفال بقدر ما تهدر الطاقة البشرية التي يعتمد عليها في بناء مستقبله , فلماذا نسمح للمستقبل أن يقتله العوز و الجوع و الجهل , وهو يلهث في طريق مسدود , ونحن من يسده , بصناعة جيل من الأطفال الغير قادرين عل بالمشاركة في الحياة المعرفية فهم محرومون من حق التعليم و من حق الاستمتاع بطفولتهم في جو عادي و ظروف طبيعية , إنه جيل من المتضررين نفسيا و الغاضبين من الواقع الناقمين علي من صنعه |
