أودية السراب/ بقلم محمد الشيخ ولد لمرابط (ح1) |
السبت, 26 يوليو 2014 10:52 |
تتوسط مدينة أكجوجت السهول الواقعة ما بين كلابة الكليتات جنوبا وكدية أم أقرين غربا وسلسلة لويبدة شرقا. هناك ترتمى كريمة وو حيدة ولاية إينشرى حيث كانت مضارب القوم من اليعقوبين وآل تشافغ الخطاط وحيث عانق باطن الشرع ظاهره، وكان الناس يحبرون القرءان تحبيرا ويعيشون الكرامة رأي العين صباح من صباحات أكتوبر ذوات النسيم المائل للبرودة قليلا وخاصة فى مدينة أكجوجت هنا كل شئ على عادته لاشئ يتغير. فى شوارع المدينة باصات تذهب وتجيئ وعمال يغادرون بيوتهم وسواد الفجر يلفهم. أما هنا فى البيت فاقهوة المهندسSmith تكاد تشق الرأس نصفين والكسل يدعونى لمواصلة الهواية المفضلة ولو قليلا. إحتسيت رشفات معدودات من قهوة الرفيق قبل أن تنطلق بنا السيارة، تكاد لا تميز الشخص من سواد الفجر. الحياة هنا تدب باكرا أو لا تتوقف إلا لتبدء من جديد. رجال يغدون والطير فى وكناتها ولكن هذه المرة إلى مكاتبهم أو ورشاتهم، وآخرون إلى تجارتهم .كل شئ كما كان بالأمس سيارات تقل مسافرين يمرون من هنا فينالون من لحم مشوي أكجوجت بعضهم فى رحلة العودة إلى أنواكشوط وبعض إلى مناطق الشمال. تدب الحياة هنا فى هذه المنطقة من موريتانيا باكرا فكل فى شغل فاكهين. هكذا هي الحياة فى مدن المناجم، عمال يغادرون مواقع العمل وآخرون يدخلون إليها. تدوم الحياة هنا بدوران عقارب الساعة. ليلا ونهارا. هنا نقطة البداية للعبور إلى الشمال الموريتانى حيث واحات النخيل، وحيث تركزات المعادن.أكجوجت هي حاضرة معادن موريتانيا تجمع تركزات الحديد ومناجم النحاس والذهب.
، ألتقيت بمولود وهو فتى جلد عرفته صبورا فى حفر الإستغلال وعلى ظهور الأليات ووسط أصوات الورشات.إلتقيته ذات إقامة للشاي فى ورشة إصلاح السيارات وكنت أعتدت المرور كل يوم لنيل كأس شاي ولجلسة مع عمال بسطاء ألفتها أيام التشرد فى شوارع توجنين. ما أكثر ما شربت من كاسات الشاي عند جارى الغسال ذالك الرجل الأربعينى وزوجته هاوه، هي أمرأة صبورة تحضر الكسكس لتخرج به إلى قارعة الطريق لتبيعه بعيد المغرب.اتذكر أنى علمت بنجاحى فى مسابقة دوخول سنة أولى إعدادية وأناأقف فى الصف أنتظركسكسها. لقد كان يتخذنى معلما من غير وعي منى. كان كلما جئته زائرا قرب أدوات الشاي وصب كأسا ساخنا وجلب لوحه وبدء يتهجى الحروف. علمته الحروف وحفظ سورة الأعلى كاملة. سألته مرة لماذا لم يتعلم القراءة ولكتابة وهو صغير أشاح بوجهه عنى وقال تنمية البقر وزرع الأرض وإنتجاع مواقع المطر. تشابه كبير بين صديقى امبارك الغسال كما كان يدعى فى الحي وبين عدة زملاء كنت ألقاهم على مائدة ذالك الشاي داخل إحدى أكبر شرائك المعادن فى البلد. يومها لقيت مولود غارق العينين شاحب الوجه تعلوه كآبة .هل كان ذالك نتجية القرارات التى أتخذتها الشركة مؤخرا؟ لاأدرى. كلما نظرت إلى ذالك الرجل أحسست كما لو لقيته من قبل؟ ربما فى الأمر تشابه الله أعلم. لطالما سألته عن ذالك من قبل فلم يتذكر. قصة التشابه هذه دفعتنى إلى تذكر أشخاص عديدين وإلى تأمل وتتبع خطاهم وحضورهم وما أشتركنا من لحظات فى ذاكرة الزمن. يحدثنى مولود فى صباح أكتوبر ذاك ونحن نحتسى كأس شاي ساخن حرص أن يصنعه بيده. بدأت عملى مع هذه الشركة قبل سبع سنين عددا كاسائق شاحنة كبيرة لفترة تربص تدوم ثلاثة أشهر بعقد يسمح لكلا الطرفين التخلص من الثانى فى حال عدم الموافقة خلال الأشهر الثلاث الأولى بعدها يصير عقدا لفترة غير محددة. بدأت العمل ومضت الأيام سراعا وما كنت أحرص على شئ حرصى على أن ألتزم بأوقات الدوام وأمتثال أوامر رئيسى فى العمل وتنفيذها. وجعلت من مدينة أكجوجت وطنا وأنا القادم من أغوار العصابة ثم تعرفت على أسرة أهل (بونن) وهم من قد عرفت وتزوجت كريمتهم (زينب) وكانت حياة سر بها الصديق وغيظ بها العدو. أتذكر يوم جئت أخطب يدها وكيف تلقتنى والدتها بسرور وكانت قد جمعت فى البيت مايربو على عشرة نسوة رفعن أصواتهن بالزغاريد، ثم مدت الموائد وكان فرحا كبيرا لم يوازيه إلا يوم زفافنا حيث نحرت النوق وذبحت الشياه ولم يسأل يومها من خالى أو إبن من أكون. من أغوار لعصابةخرجت رفقة أبى حدثنى عن طالبن كثيرا وأنه يريدنى أن أكون مثله أحفظ كتاب الله وأدرسه و أن أكون إماما للصلاة وحدثنى عن جدى وأنه كانت له خيمة كبيرة تؤى إليه الناس طلبا للفتيا وفصلا للخصومات وإلتماسا للدعاء والبركة. كنت أؤكد لأبى كل مرة أنى أسحقق له هذه الأمنية وهو يقول لى وللقبيلة. طالبن ذالك الشيخ الوقور والهادئ قبل أن أخرج أو أي أحد من التلاميذ عن النص. تقع خيمة مرابطن وعريش الطلاب إلى الجانب الغربي من قرية طيبة الواقعة مباشرة على طريق الأسفلت كانت هذه أول مرة أرى فيها الطريق المعبد قبل أن تفاجأنى السيارات وهي أسرع عدوا من الفرس. فى قرية ظيبة رأيت الشاحنات ذالك المخلوق الكبير كثير الحمولة شديد الصبر كبير الصوت حين يريد المشي. فسر لى صديقى ولد طالبن أن ذالك الصوت إنما هو أنين من كثرة الحمولة ولسوف يحاسب الله عليه صاحبه يوم القيامة لماذا لم يترفق بدابته؟ تعلقت بالشاحنات وهي تأتى من أنواكشوط محملة بالبضائع مواد غذائية و أفرشة وكل شئ ثم تعود إليه محملة بالإبل ومرة بالبقر وأحيانا بالغنم. كان أنواكشوط بالنسبة لى الجنة الموعودة وخاصة حين كنت أرى شبانا يعدون منه ويقيمون الأفراح ويتزوجون ويشيدون الدور. كنت أتربص أي غفلة من والدي لأسافر إلى أنواكشوط ولكن كيف؟ وعين الرقيب ترمقنى لم يكن ذالك الرقيب إلا عين زوجة طالبن. لمرابط لايهتم لى بعد أن أسرد لوحى فليس لديه من الوقت مايكفى بالنسبة له لست إلا رقما فى لائحة طلاب تصل الأربعين وعندما تحين العطلة الصيفية وتغلق المدارس أبوابها تصل الائحة إلى مآئة أو أكثر.أما زوجته أخديجة فما إن أنهى حفظى للوحى حتى تبدء رحلة أعمالها من حلب وجلب للحطب ثم غسيل وإن لم يكن هناك غسيل فهناك تنظيف وترتيب للخيمة. بعد مكابدة وفترات تربص تيقنت أن لافرصة إلا حين أكلف بالبحث عن ضالة، هناك يكون متسع من الوقت وحرية أكثر. بعد أن أحكمت الخطة أخذت جديا من غنم طالبن ودفعته لسائق شاحنة لقاء إيصالى لمدينة أنواكشوط أنواكشوط تتسع أكثر وأكثر وتمتد أطول فأطول لاشك أن هذه السيارات تزرع فى مكان ما هنا فى هذه المدينة الكبيرة. أي شئ هذا ناس كثيرون هنا وبنايات طويلة ليست كما هي هناك فى طيبة. الله هنا أغنام عجاف قليلة، بقر بقر إلتفت صديقى الجديد عبد الله قائلا مولود مابك؟ هل كنت نائما؟ خذ كأسك لا لست نائما إذا لماذا تصرخ بقر بقر هل تظن أنه لا يوجد بقر إلا فى قريتكم؟ هنا بقر كثير إنتظر حتى نصل سوق الحيوان سترى بقرا أكثر. من منزلى الجديد حيث يقيم سائق الشاحنة كانت البداية ساحة الإتحادية الوطنية للنقل، كثير من الشاحنات فى طوابير متجهة للمدن كثيرة فى إتجاهات عديدة. أصحاب جدد فى عمرى وأصغر وأكبر. هذه ليست مخلوقات هذه آليات. كان ذالك الدرس الذى عرفته فى أيامي الأولى على إديم تلك الساحة التى طالما تعلم عليها أمثالى وإن بطرق متفاوة فى القسوة هل لى أن أنسى ذالك اليوم الذى بالكاد نجى صديق لنا من مطرقة رماه بها بطرونه بها بعد أن عجزت قواه الضعيفة عن إسناد إطار سيارة. قال صديق للبطرون معلقا لوكانت لقمة أرز ما عجزت عن رفعها سرعة فك العجلات وربطها وتفقدها عند كل توقف، وإعداد الشاي والطعام والسيارة تجرى تلك هي المهارات التى تتطلبها المهنة الجديدة ثم شئ من المحفزات مثل دلك قدمي البطرون قبل النوم أرسلنى بطرونى إلى أكراج لتعلم فن المكينيكا كم كنت سعيدا يومها حين كلفت بفتح ماكينة سيارة زبون. كنت أحاول جاهدا أن أتقن كل شئ وأن أختزل تلك المسافة العميقة بين العالمين اللذين يتعايشين بداخلى. أريد أن أعرف شيئا أتكلم به فى المجالس. فرحة عارمة وأنا أتمكن من إصلاح عطب فى سيارة زبون رفقة زملاء وأثنى البطرون خيرا علينا. كنت أفرح لفرحه ويثقل علي غضبه خاصة حين يقول مقولته الشهيرة(إردك لسرحت الغنم بداخلى تحدث هزة عنيفة لماذا لم يجد هذ الرجل عبارة يعبر بها عن فشلنا إلا هذه الجملة. العودة إلى المسارح. هل العودة إلى المسارح هي قمة الفشل. إذا كان ذالك كذالك فهل الإقامة فى مسارح الغنم هي إقا مة مكتملة الشروط فى أودية الفشل؟ وهل مهنة الرعى هي مهنة الفاشلين؟ ولكن هؤلاء الذين يجلبون سياراتهم دائما تبدو عليهم نضرة النعيم. معنى ذالك أنه يوجد من هو أحسن حالا...... لم يقطع حديثى إلا صوت البطرون إجلب مفتاح 10 وحضر كأس شاي . علق أحد الزبناء قائلا ترفق به لايزال طفلا. هنا مكان الرجال وليس حديقة أطفال فى الطريق من منزل البطرون إلى المحل كنت دائما أرى أطفالا منهم من يكبرنى سنا ومنهم من يكون فى سنى يمرون وعلى ظهورهم محافظ فى طريقهم إلى المدرسة. فأتذكر ماقاله البطرون مرة حين سمعنى أتكلم مع صديق من فريق العمل. ؤلئك يذهبون إلى المدرسة ليتعملو ثم يحملو شهادات قد تكون حقيقية وقد لاتكون. ثم يبحثون عن العمل وقد يتوظفون وقد لايجدون. أنتم هنا تتعلمون الكفاءة والخبرة لستم بحاجة إلى شهادة من أحد .ما كان أعذب كلام البطرون يومها. إلتفت إلي زميلى قائلا غدا سيأتى هؤلاء يستنجدون بنا لإصلاح سياراتهم، تما ما كما يحدث لهؤلاء الكبار مع البطرون إننا نتعلم شيئا ليس فى المدارس. سيحتاجون لنا يوما. .على أديم أرض تشبعت بأنواع الزيوت و شربت من عرقنا حتى الثمالة مرت سنوات تعلمت فيها الكثير. وغادر زملاء لى وفتحو محلاتهم الخاصة. كان أول الخارجين زميلى عبد الله فتح محلا خاصا به كنت أزوره من وقت لوقت فى بيته بعد أن تزوج وصار له أولاد. قال لى مرة وقد سألته عن أحد أولاده. لقد أرسلته للمدرسة لن أترك أولادى يعانون الذى ذقت أنا من الهوان . رجعت من إحدى زياراتى لعبد الله وقد عزمت على أن يكون لى محل وبيت. وقد كبر في قوله أنه لن يترك أبنه للضياع ولكن هل كان تمسحنا وتسكعنا فى محل البطرون ضياعا؟ إنا إذا كنا نطارد سرابا. لم يقطع خلوتى إلا هاتف من زوجة عبد الله لتقول قبل إعادة السلام تدارك صاحبك عبد الله لقد ألقت الشرطة عليه القبض بتهمة حيازة حشيش فى محله. قطعت الخط أم قطعته أنا لست أدرى الله أعلم. ألتحقت بعبد الله فى مخفر للشرطة. ماذا حدث؟ ماذا جرى؟ لم أنت هنا؟ قال عبد الله اليوم فى المحل نودي علي لطفل فاقد للوعى حملناه إلى الطبيب بعد الكشف تبين أنه أستعمل الحشيش قبل قليل ولما أفاق إستجوبته شرطة القصر أرشدهم إلى علب كان يخبأها فى زاوية من المحل. وأنت ما علاقتك بالموضوع؟ ومن يصدق أنى لاعلاقة لى وقد وجد فى محلى ومكان عملى. وحتى الآن تأكد أن ثلاثة من صبيانى مدمنون. وأين أهلهم وذويهم؟ وهل صدقت أن لهؤلاء أباءا وأمهات معروفين؟ إبن من أنت؟ أصابت كلمات عبد الله جرحا عميقا لما يندمل بعد. وخرجت وظلام كثيف يعلو وجهى وحيرة ما إن تفسيرا. وعدلت يومها عن فكرة فتح محل لإصلاح السيارات. .قادتنى خطاي المثقلة إلى مدينة أكجوجت وأنا أسوق شاحنة لأحدهم بعد إنى أستعملنى سائقا لمشروع ينفذه لصالح هذه الشركة.يوم قدمت أكجوجت لم أكن أعرف أحدا غير بضعة رجال هم مثلى وافدون كسائقين. بعد فشلى فى عدة إكتتابات لصالح هذه الشركة. نصحنى البعض بقصد موسى وهو من علمت نفوذا وحضورا فى الشركة. وعدنى بالعمل لقاء ثلثي راتبى مدة ثلاثة أشهر. وقبلت بالعرض وتم إكتتابى وأنا الذى كنت يوم الإمتحان أنقل الماء فى صهريج لموسى لإبله وهي ترعى فى أمساكة الخظرة. حسبت يومها أن الحظ قد إبتسم وأن زمن الضياع فى أودية السراب ولى إلى غير رجعة .أو أن أودية السراب أنبتت زهورا وأمسكت ماءا. مضت سنون عديدة بدلت فيها أصحابا غير أصحابى وأرضا غير أرض أنواكشوط. وأصبحت واحدا من أهل أكجوجت أفكر تفكييرهم وأعمل مثل الذى يعملون. تزوجت لأول مرة. وأصررت على أن أرسل ولدى الوحيد للمدرسة.. .فى ورشات شركةMCM كان العمال يتها مسون وكانت الإجتماعات تنعقد سرا فى الورشات وعلى جلسات الشاي وداخل حفر الإستخراج تبحث سبل الخروج من ربقة العبودية المعاصرة. ما أبشع إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان |