هل نجاح أردغان نصر للعلمانية؟
السبت, 23 أغسطس 2014 14:36

أحمد ميلودمنذ فترة صارت الإنتخابات التركية شأنا عربيا بإمتياز. فالعالم العربي الذي يمر بحالة من الإحتراب الفكري بين من يرون أنفسهم أنصارا العلمانية، وبين أنصار التيارات الإسلامية يبحثون في النموذ التركي عن نقاط تقوي حجج هذا الطرف أو ذاك. طبعا كون تركيا تثير كل هذا الإهتمام ليس صدفة. فمن ناحية لتركيا تاريخ مهم في منطقة الشرق الأوسط والناطق من بلدانه بالعربية على وجه الخصوص.

 

كما أن النفوذ التركي، السياسي، و الإقتصادي، و التجاري و الثقافي تزايد بشكل ملحوظ في العقد الأخير. لكن ما يميز تركا حقا، وهو إلى حد ما سبب كله هذا النفوذ و هذا الإهتمام العربي، هو كونها أخرجت في  العقد الأخير تجربة فريدة تزاوج بين نظام الحكم الذي يعلن علمانيته وبين

قادته الذين يعلنون إنتمائهم الإسلامي.

 

في الإنتخابات الماضية حظيت تركيا بنفس الإهتمام و تمنى الكثيرون من غرماء الإسلاميين أن يُسحق أردغان، بينما إحتفل الكثير من الإسلاميين حين إنتصر حزبه رغم أن الأمر كان متوقعا.

 

في الإنتخابات الرآسية الحالية و التي هي حالة جديدة حتى في النظام الديموقراطي التركي يلحظ المراقب عودة نفس حالة الشد والجذب.

 

لكن الممتع حقا في التجاذب العربي ليس الحملات الدعائية من الطرفين مع أو ضد إسلاميي تركيا قبل الانتخابات ولكن ما يعقب إنتصاراتهم من الشد و الجذب في صالونات الفكر، وعلى صفحات التواصل الإجتماعي،وعلى وسائل الإعلام.

فعندما يصبح نجاح الإسلاميين مسئلة معروفة ينتقل الحوار إلا التحدث عن فحوى نجاحهم. هل نجحوا لأنهم إسلاميون ناجحون،؟ أم أن السر في نجاحهم يعود إلى كونهم علمانيين؟  طبعا لا يخفى على أحد أن الخلاصات  ليست عن إسلاميي تركيا أو عن علمانييها بقدر ما هي هل نجاج أدغان مثال على نجاح الفكر الإسلامي أم الفكر العلماني؟ورغم أن السؤال ليست بالبساطة التي يتعامل  الكثيرون معه بها لأن المطلحات المستخدمة  (علمانية، إسلامية) ليست بالقدر من التحديد الذي يتبادر للذهن إلا أن كلا الفريقين يعمدان إلى التبسيط.  

 

فرغم كره مناصري العلمانية في العالم العربي في الأغلب لأردغان، كشخص و للفكر الإسلامي الذي يتبنى، فإنهم يرون نصره نصرا للعلمانية.

 

ومرد هذا إلا ان الكثير من العلمانيين لا يمكن أن تتخيل أذهانهم هزيمة العلمانية لأنها بالنسبة لهم صيرورة تاريخية.

 

طبعا يعكس هذا التفكير عجزا-- سواء بسبب جهل التاريخ، أو بسبب التكييف التعليمي الغربي، أو بسبب المكابرة في أحيان أخرى--عن استشعار العنف الفكري و العسكري الذي قاد إلى طغيان النسق العلماني كحقائق على الأرض وكخطاب أيديولوجي يوفر ترسانة متنوعة من الحجج التي تجد تبريرها في بعضها البعض في حلقة تليولوجية

(teleology) لا تنقضي.

 

ويقع الإسلاميون في الغالب في نفس الخطأ.  فالكثير من الإسلاميين ومناصريهم يرى أن نجاح أردغان هزيمة ماحقة للعلمانية.وهذا يعكس عجزا عن فهم حقيقة أن النجاح الذي يحققه أردغان يحصل في نسق، إجرائي علماني، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة، نحاجا للعلمانية ذاتها.

 

إن من يعتقدون أن نجاح أردغان يمثل هزيمة ماحقة للعلمانية لا يعي أن نجاح أردغان هو قبول بالعلمانية دولة، وسياسة. وأن النسق الذي يعيشه و الذي يسير فيه ويشارك فيه أردغان وحزبه هو نسق علماني محض

 

لكن أردغان--وهنا مربط الفرس-- لم يكن لينجح لو بنى خطابه السياسي على فرض النسق العلماني و تزيينه وتعليبه لشعب عرف العلمانية، حلوها ومرها وبات يبحث عن بدائل لها.

 

ما لا يفهمه العلمانيون العرب، و العلمانيون المسلمون في الأساس، أن الخطاب العلماني بوصفه نتاجا و تعبيرا عن حالة من الإستسلام الغربي لقيم الأرض، لا يمتلك ذلك البريق في بلاد المسلمين، لأن قيم الأرض هذه لم تعن لهم إلا الغبن و الحيف، ليس فقط لأنها منافية لقيمهم التي يؤمنون بها--حتى وإن عجزوا عن تطبيقها--ولكن لأنها خرجت من عباءة صليبية، تبقى لا دينيتها مهووسة بكره دفين للإسلام وأهله ومن يتابع الحروب اليوم يرى فيها رخص دماء المسلمين مع أن المفروض تعادل و تساوي الإنسانية.

 

 

طبعا يرى أردغان وغيره من الإسلاميين أنهم بقبول قوالب العلمانية الخارجية، وإجاراءاتها التقنية، وخطابها الإنساني العام يمكنهم أن يخلقوا مساحات إسلامية وأن يوّسعوها لكي تجد في وقت ما تعبيرا آخر أكثر ثقة في النفس وأكثر مركزية. فمع توسع المساحات، حسب هؤلاء، ينحسر الطغيان المادي، ومع إنحسار الطغيان المادي، تنحسر صور التقديس التي يتمتع بها الفكر العلماني و ما يرتبط به من أدوات.

 

طبعا من حق العلمانيين العرب أن يقولوا أن المشاركة في العمل السياسي، و القبول بالقالب و التسمية العلمانية للدولة مختلف عن الخطاب العام للكثير من الجماعات الإسلامية  ومخالف للغايات العامة التي تطرحها الجماعات الإسلامية كمبرر لوجودها السياسي، وأنه بهذا المعنى نصر للعلمانية.

 

لكن ذلك يبقى فقط نصف الحقيقة بل ربما أقل من ذلك. فأردغان و غيره من ساسة العالم الإسلامي يدركون أن المعركة  بالنسبة للشعوب حسمت على مستوى الأحاسيس و الشعور و الوجدان، ولم يتبقى منها إلا ما كان على مستوى العقول و إكراهات المادة.

 

فالعلمانية كخطاب قد هدمت أركانها، رغم أنها لا تزال قائمة كنسق مادي وفكري، وإن كانت تتخبط، خصوصا في الشرق.،

 

وبطبيعة الحال فمن غير المستبعد في جو كهذا أن يحصل الكثير من التحور و التحور المضاد في الخطاب والرؤى و التصرفات، فتظهر علمانية بثوب إسلامي وإسلامية بثوب علماني، لأن كلا الفريقين يلبس-- لأغراض شخصية نفعية أو عامة جمعية-- تقية لهذا ولذاك.

 

لكن الفجوات ستتسع، وسيتخلى كل فريق عن تقيته التي إتقى بها قبل أو بعد أن تفتضح.

 

إن صعود أدغان هو تعبير عن تراجع العلمانية كفكر في بلاد الترك وبقائها كنسق للتداول على الحكم و للأنشطة الإقتصادية و للتفكير الجمعي

 

بمعنى آخر، إن أردغان لم يهزم العلمانية، ولم ينصر الإسلامية

 

لقد استفاد أردغان من النجاح الفكري الذي حققته أقلام و ألسنة الإسلاميين في العالم الإسلامي، و كلما إستطاع أن يبقي دولة تركيا قوة اقتصادية وسياسية مهمة، غير متورطة بشكل علني في حرب ضد المسلمين، فإنه بذلك سيساهم في زيادة قوة التيار الإسلامي وحججه، وفي خلق صورة جذابة له. ويستفيد من هذه الصورة في المقام الأول التيار الإسلامي المتشبث بالديموقراطية كطريقة للتعامل مع وضع إقتصادي وسياسي وعسكري غير مثالي بالنسبة للغالبية العامة من المسلمين. وسيقوى في هذه الحالة هذا التيار الإسلامي الديموقراطي ضد تيار إسلامي آخر يتبنى المكاشفة و المجاهرة ولا يعبئ إن وصف بالبربري أو بالهمجي في وقت يحاول فيه إعادة خلق توازن في المغامرة أمام تفاوت هائل في الوسائل و البنى التحتية و القدرات الإعلامية.

طبعا يبقى العلمانيون المسلمون منقسمين بين من لاذمة له، ومن يناصر المسلمين على استحياء، ومن حسم المعركة وقبل ذمة الغرب تحت لبوس الإنسانية..

هل نجاح أردغان نصر للعلمانية؟

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox