الثلاثاء, 11 نوفمبر 2014 18:11 |
الأستاذ / عثمان ولد بيجل عدم معاصرة التأويلات ومراجعة نصوص الفقه الاستعبادي دليل صريح على التواطئ مع التشريع التعتيمي لملاك العبيد
لقد رفع الملتقي النقاب مرة أخرى عن مستوى القصور الفكري والنقدي لفقهائنا المتشبثين بموروثاتهم بكل ما في ذلك من ظلم وهول وأغلاط.
وهكذا فلقد اجتهد المؤتمرون الذين تنتمي غالبيتهم لطبقة الزوايا المهيمنة على المرافق الدينية وأروقة صنع فكرهم المحظري على تحجيم النقاش إلى حد الابتذال المطلق للدفاع عن الذاكرة الجمعوية لملاك العبيد وتجنيب أسلافهم المذنبين بحق العبيد والعبيد السابقين في أكثر من شأن إدانة مشروعة لتبريرهم منذ سالف الزمان لممارسة العبودية بغير حق شرعي علما أن مصدر الرق في هذه الرقعة من المعمورة يقتصر حصرا على الاختطاف والغارات والسرقة. بينما الثابت هو أن المصدر الوحيد المشروع هو "الجهاد" أي الحرب المقدسة والتي لاتقاد إلا ضد الكفار ومع ذلك فأن اعتماد المن والفداء في حالة أسرى بدر يجعل شرعية هذا المصدر محل جدل.
إن اختيار المنظمين لموضوع "العبودية في موريتانيا، (" هل هي ممارسات" أم "مخلفات")؟" كشعار للملتقى يعد مسخرة كبيرة لأنها محاولة تمويه وإلهاء قديمة جديدة لا يمكن أن تنطلي على أحد. ذلك أن المصادقة المتكررة على القوانين منذ قانون إلقاء الرق في الثمانينات إلى حد اليوم تشكل في حد ذاتها دليلا بينا على وجود الرق. فالحوار الوطني في 2007 و الذي كان له الفضل في إحداث إجماع وطني حول قضية اقتصرت حصرا حتى ذلك الحين على الأرقاء والأرقاء السابقين، حجة بينة أخرى شأنها في ذلك شأن تقارير المقررة الأممية لحقوق الإنسان والرق ويضاف إلى ذلك التغيير الدستوري عقب حوار 2011 الذي رفع ممارسة الرق إلى جريمة ضد الإنسانية مثل ذلك مثل إقرار الحكومة لخارطة طريق من 29 نقطة تم تعديلها على نطاق واسع من طرف الأمم المتحدة. انطلاقا مما ورد سالفا ’كيف إذا يمكن التشكيك في وجود العبودية واختزالها في مخلفات. من الغرابة بمكان عزم فقهائنا على نفي الواقع في تجلياته التي لا مراء فيها لا لشيء سوى تمكين ملاك العبيد من الحفاظ على امتيازاتهم شديدة الحيف والمكتسبة على أساس الولادة والعرق.
إن هذا الملتقى والجدل الفظ الذي يحاول البعض إحداثه عبثا يلقي بظلال الغموض ويفتح على مصراعيه باب التمويه ولفت الأنظار عن الجوهر الذي يهدف إلى تقويض حظوظ القيام بإصلاحات فكرية حقيقية في فترة لا يساهم فيها مؤيدوا القراءات البالية وتمجيد التناقضات الاجتماعية إلا تشويها للإسلام وإلحاق وصمة العار بالمسلمين، كما أن ذلك يعرض أيضا كنه خصوصية ديننا الحنيف الذي يجعل منه الرسالة السماوية الوحيدة الصالحة لكل زمان ومكان، رسالة حرية وعدالة حقيقية. وما من أحد يجهل أن من أول الأعمال التي قام بها الإسلام هو تحرير لعبيد ثم تجفيف جميع منابع الرق بتشجيع عتق الرقاب في كل الحالات ثم الدعوة لتحريرها مجانا رغبة في الله. لم يبقي الإسلام على مبرر للاسترقاق يقربه إلا واحد فقط رغم ما يحوم حوله من شكوك، ألا وهو الجهاد ضد الكفار. يستشف من ذلك أن بقية ممارسات الاسترقاق التي ينكرها الدين سبقت الإسلام ومنبوذة سلفا ذالك أنها تمثل شكلا وضيعا من أشكال سلب الكرامة والتي تتعارض جملة و تفصيلا مع الآية 70 من سورة الإسراء التي تقول: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا " .
من الجلي إذا أن محاولات تبرير العبودية بشكلها الموجود في موريتانيا تعد في الحقيقة إهانة للضمير البشري وفظاظة بل تدنيسا لحرمة و أعراض البشر’ فكيف لنا في هذه الحالة التردد أو التلعثم في البوح بهذه الحقائق علما بأن سبب الوضع الإسترقاقي لكل العبيد والعبيد السابقين الخاضعين اليوم أو في الماضي على هذه البقعة من الأرض يرجع للغارات والخطف وسرقة البشر وهي ظواهر ظلت قائمة حتى بداية السبعينات. ويثبت زيف نسبة الرق عندنا إلى الجهاد إذا عرفنا أنه لم يقام أبدا بالجهاد في هذا القطر من العالم. كل ما عرفته شبه المنطقة حالات حرب طرق الدين و/أو نزاعات سياسية مسلحة (المرابطون والإمارات وغزو الحاج عمر تال والإمام ألمام تور، الخ.).
ومما لا مراء فيه أن الإسلام – الدين الذي يدعو لحامية الإنسان وحفظ كرامته – يدين الممارسات الإسترقاقية. فكل تعاليمه تقر بجلاء أن الإسلام ضد إخضاع البشر للأشغال الذليلة خاصة العبودية وهو ما توضحه ملاحظات الشيخ أبو العلاء المودودي في كتابه " حقوق الإنسان في الإسلام "الذي نذكر منه الاستشهاد التالي الذي يقول فيه:"إن الإسلام حرم جازما وبجلاء الممارسات البدائية المتمثلة في أخذ أي بشر حر كغنيمة لاستعباده أو بيعه كرقيق. وكفى بمن باع حرا واكل ثمنه خسرانا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القيامة وهذا الوعيد لم يصدر أو يحصر على أمة بمفردها ولا إثنية ولا عنصر ولا دولة بصفة خاصة أو أتباع دين معين".
اليوم وأمام اتساع رقعة انتشار الدين، لا تستطيع أي قوة، دينية كانت، إيقاف مسيرة الزمن. وإن ديناميكية الإصلاح الديني وتحيين ما يتطلبه العصر من فتاوى لأمر محتوم ولا يمكن تفاديه رغم أنف هول قوة التقاليد. وباختصار، فمن المؤكد لحسن الحظ أن تيه المسلمين لن يدوم طويلا.
طبعا خلال التاريخ وحتى في زمن الفوضى العارمة المعروفة بالسيبة كان هناك بعض الإرادات المتذبذبة التي حاولت الوقوف في وجه مد العبودية والاستعباد فيما سيعرف بموريتانيا، إلا أنه يجب علينا الاعتراف أنها كلها للأسف باءت بالفشل. فقد أثبتت القرائن بما لا يدع مجالا للشك أن ناصر الدين والذي دأب مداهنيه على تقديمه كمناهض للعبودية لم يكن أبدا انعتاقيا وإنما كان استعباديا بمعنى الكلمة. فلقد عارض ناصر الدين فعلا بيع العبيد للغربيين الذين طالما اعتبرهم مشركين مطالبا أن يباع الرقيق للمسلمين مما يمكن الفئة المهيمنة آنذاك من بسط سيطرتها والاستئثار بالسوق وحدها؟ ولنا أن نتساءل حقا إذا كان هذا هو مفهوم ودلالة مناهضة العبودية عند الإمام ناصر الدين كما يدعي البعض؟ وهكذا يجب القول أن السلطات الدينية والسياسية آنذاك استسلمت معا للخضوع لوطأة التقاليد ومستلزمات المصالح الاجتماعية والاقتصادية لارستقراطية رجال الدين(الزوايا) والمحاربين(حسان) والتي تحاول ذريتهم الغيورة عليهم الدفاع عنهم باستبسال.
إن مسؤولية تطوير الرق وتحويله إلى حقيقة إقطاعية ونظام تمييزي بذيء يرجع إلى صمت العلماء المطبق المخيم من ذو قرون عدة. فلقد فقدت كل الأنظمة المتعاقبة منذ الاستقلال دورها في ضمان تكريس مبدأ المساواة و العدالة في الحقوق بين الجميع بما يجعلها فوق جميع المصالح الجزئية الخاصة والخصوصية والطائفية، وذلك بموجب احتضان مثل هذه المذاهب الفكرية الرجعية. ومهما بلغ نفي ولاءات الوزير الأول ووزير التوجيه الإسلامي ومواكبة بعض فقهاء البلاط المتحجرين المندفعين باستماتة وزيغ في مناورات التضليل لإثبات عدم وجود الرق،سيبقى الرق حقيقة راسخة يستعصي القضاء عليه إلا بالاعتراف والمجابهة الحقيقية و الفعالة وعدم التستر على مرتكبيها والمتواطئين معهم في جميع أروقة ومفاصل الدولة والزاويات والمحاظر ومنابر المساجد.
إن العبودية موجود بوضوح كبير كممارسة ثابتة وبشكل بشع وعلى نطاق كبير في البلد حتى وإن كان غني عن الذكر أن هذه الظاهرة موجودة أيضا كمخلفات على نطاق أوسع جدا يستحيل حصره لانتشارها الرهيب. ومهما يكن من شيء فوجود الرق ومخلفاته محل إجماع كبير في الشارع الموريتاني رغم دأب السلطات الرسمية ومزمريها على نفي الممارسة وهو النفي الذي بدأ يتراجع ويتلاشى تحت الضغط السياسي والحقوقي للعبيد والعبيد السابقين والتقدميين من شتى المكونات الوطنية بالإضافة إلى المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة و بقية منظمات حقوق الإنسان الأخرى.
|