قال تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )
فالله جل وعلا يعلمنا كيف نتجنب ردة الفعل التي من شأنها أن تحمل شحنة الغلو والتطرف المؤديان إلى الظلم ويؤخذ من هذه الآية أن الظلم لا يبرر الظلم وهذا المنهج صعب لا يسلكه إلا من وفقه الله تعالى فللشيطان نزغتان نزغة غلو ونزغة تقصير فبأيهما غفر قنع، ويحتاج سلوك هذا المنهج مجموعة من الصفات لا تتوفر في كثير من الناس.

انطلاقا من هذه المقدمة القصيرة نلفت انتباه الكتاب والمنظرين والحقوقيين وكل من يتكلم في مجال الرق انطلاقا من الشرع أن نفي الرق عن الشرع من أصله لا يستقيم ولا ينبغي أن يكون مثار جدل بيننا وكأن هؤلاء نظروا إلى أن الرق في الشرع هو النهب والسرقة والإيذاء التي حصلت كلها فيما غبر منه في موريتانيا
وكأننا نحكم على المشرع الحكيم بأن هذه الأحكام والأخلاق السامية المنظمة للرق هي من العبث وترف الكلام أو من تصوير الماضي ولا علاقة لها بحياة الناس بل إن مجرد فكرة الرق هي جريمة إنسانية واستغلال للبشرية لا يجوز أن تنسب للشرع
أيها الإخوة الكرام إن هذه الأحكام الواردة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليست منسوخة وليست عبثا وقد شرعت ليعمل بها على وجهها وليست قراءتها ولا تدريسها جريمة فقد كنا نقرأ أحكام الجمعة ونحن في بلاد السيبة لا توجد جمعة ونقرأ أحكام الجهاد والقصاص إلى آخره
إن عدم وجود الحكم في بلد لا يمنع أبدا من معرفة الأحكام ومدارستها تعبدا لله تعالى بمعرفة أحكامه وقد ذكرني بعض الكتاب بما حصل لنا أثناء التطبيع مع اليهود حيث أصبح الخطباء والمحاضرون يستحون من قراءة الأيات التي تتحدث عن اليهود خوفا من غضبهم وغضب السلطات المطبعة معهم بل إن الآيات حذفت من المناهج الدراسية وقد بدأ الهجوم اليوم على الفقه المتعلق بالرق وتجريم كتبه وقارئه ومدرسه وقد بدا التشكيك في الايات والأحاديث في الموضوع وعن قريب تكون قراءتها جريمة هل هذا هو الحل؟ وهل قراءتها وتدريسها يثبت رقا أو ينفيه ؟ كلا
أيها الإخوة كان بودي أن نسرد عليكم آيات كثيرة في أحكام الرقيق وأحاديث كثيرة في نفس الموضوع ونذكركم بقصة بريرة وكيف اشترتها عائشة رضي الله عنها وكيف اختارت نفسها لكني آثرت أن نترك الموضوع إلى وقت آخر خوف الإطالة عليكم كما آثرت أن نترك تأصيل كثير من الأحكام الفقهية المتعلقة بالموضوع
أيها الإخوة الكرام إن العلماء الموريتانيين ليسوا استعباديين كما وصفتموهم بل إنهم أول من هب لمعالجة الرق في موريتانيا من منظور شرعي أقنع السلطات والعامة فعقدوا الندوات وخطبوا وكتبوا وعلى رأسهم العلامة المرحوم محمد سالم بن عدود حين لم يكن هناك حقوقيون ولا من يتكلم عن العبودية كما قاموا بأدوار كبيرة في هذا المجال وخاصة في الجمال الإجتماعي رفعا للمعنويات ومحوا للآثار النفسية المتعلقة بذلك ولم يكن لذلك من سبب إلا الأخوة والمحبة المتبادلة بين بني الدين الواحد والبلد الواحد والمصالح المشتركة ليس ببسب ضغط من منظمة ولا جهة فكان قبل وجود المنظمات وأنا اعرف نماذج من ذلك لا داعي لتعيينها فلو اعتبر الفقهاء الرق في موريتانيا لما قسموا تركة ولا عقدوا نكاحا..
ما زلت أتذكر مقال الشنقيطي الذي وصف فيه كبار المفسرين من أمثال الطبري ومجاهد وكبارالإئمة بأوصاف لا تليق ويبدو أن بعض الكتاب نحوا نحوه في الهجوم العشوائي على الإئمة الأعلام والفقهاء
أيها الإخوة الكتاب إن العلماء أدري منكم بالشرع ومقاصده وأكثر ورعا واستقامة (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )فلا تخلطوا الأوراق ولا تسيئؤوا إلى قضية اتفق الموريتانيون على تجاوزها ومعالجة آثارها كل من منظوره بما يخدم المجتمع.