الأربعاء, 26 نوفمبر 2014 13:35 |
لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم "على فترة من الرسل و قلة من العلم و ضلالة من الناس.."
وقد أكل القوي الضعيف وساد الظلم وانتشرت الفواحش ومع ذلك بقيت هناك أخلاق وافقت طباع الناس كالكرم وحفظ العهد.. فبحث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق
وكان من بين الأخلاق السيئة التي سادت إذ ذاك استرقاق الأحرار بأوجه متعددة فجاء الإسلام لينظمها تنظيما يناسب كرامة الإنسان
فأجازه ولم يحرمه كما حرم الخمر بل نظمه كما نظم المعاملات الأخرى كالنكاح والبيع ..
نعم لم يوجب الاسترقاق ولم يجعل له من المنافذ إلا منفذا واحدا وهو الأسر في الجهاد من بين خيارات أخرى ورغب في العتق وجعل فيه الأجر العظيم ولكنه لم يوجبه فكان حكم الاسترقاق الإباحة وسببه الأسر في الجهاد الصحيح وتحيط به منظومة أخلاق تهذب العلاقة وتحفظ الكرامة.
ومن هنا لا يمكن أن نقول إن الشارع أنهى الرق أو قضى عليه بل ربط وجوده بالجهاد الصحيح فمهما حصل الجهاد حصل سبب الاسترقاق وقد استمر الجهاد عدة قرون من الزمن وإذا حصل الاسترقاق أمكن الاستمرار بحكم التوارث مع أن الجهاد ممكن في كل زمن إن توفرت شروطه وبذلك يمكن استمرار الرق بكل من السببين التوارث والجهاد.
ولهذا جاءت أحكام الرقيق في آيات محكمات تتلى وأحاديث نبوية ثابتة وعمل بذلك كله سلف الأمة الصالح أصحاب القرون المزكاة وعلى ذلك سار الفقهاء فدونوا أحكامه كما دونوا أحكام القصاص والجهاد والنكاح..
ولا شك أن الاجتهاد يدخل في هذا الباب كما يدخل في أبواب الفقه كلها فيقع الاختلاف في بعض المسائل يترجح طرف الخلاف ويضعف طرف ولا يعود ذلك على الأصل بالطعن ولا بالبطلان وليس طعنا في العلماء ولا مؤلفاتهم وقد قالوا "حسب العالم من التحقيق أن يكون صوابه أكثر من خطئه" إذ لا عصمة إلا للمعصوم وكل كلام منه مقبول ومردود إلا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أنما تحتويه كتب الفقه من الصواب أكثر مما تحتويه من الخطإ وبعضها يكمل بعضها وإذا رأى البعض أن هناك حكما ليس له دليل فاليناقشه بالدليل فالحكم بين المسلمين هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
وفي هذا الصدد يمكن عرض جملة من أحكام الرقيق وردت في كتاب الله تعلى وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تنبيها على الأصل
فمنها وطء الأمة بدون عقد ودون مهر وتحديد بعدد وكذلك تشطير الحد في حق الأمة وأيضا جواز زواج الحر للأمة عند فقد الطول
قال جل وعلا (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) فنصت هذه الآيات على ثلاثة أحكام من أحكام الرقيق
الحكم الأول:
حكم التسري وهو وطء السيد أمته دون عقد أو صداق ودون تقيد بعدد كما قال تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)
الحكم الثاني تشطير الحد للأمة فإذا زنت الأمة فتجلد خمسين جلدة نصف حد الحرة بنص هذه الآية لأن الحرة إذا زنت جلدت مائة جلدة لقوله تعالى ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)
الحكم الثالث جواز نكاح الحر للأمة عند فقد الطول لعلة أن ولده سيكون رقيقا بخلاف ولد السيد من أمته فهو حر لذلك لم يجز زواج الحر للأمة إلا في حالة الضرورة لهذا المعنى كما قال تعالى (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ)
وختم الله تعالى هذه الآيات بقوله تعالى يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم ) وما بعد بيان الله بيان ولا بعد هدي الله هدى
فهذه بعض الأحكام التي لا مطعن فيها والطعن فيها طعن في القرآن قال تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
وإلى حلقة أخرى إن شاء الله تعالى
|