تحية إلى المبدع أحمد بن أبي هدال |
الاثنين, 21 مارس 2011 10:46 |
بقلم أبي إسحاق الدويري أستاذي العزيز وصديقي الأثير، قرأت في بعض كتب جن سليمان (فيسبوك) وجادة عن سيدة من أعلام ذلك العالم الذي ترك الأسرار من أساطير الأولين أنك في موقف من مواقف العز وموضع من مواضع المجد فهزني هذا النبأ فساءلت الجزيرة عنك- وهي من هي في معرفة أحوال الناس سيما الأعلام ورجال الإعلام- فلم تنبس ببنت شفة ولم أغاضبها لأنها أفهمتني قول مولانا أبي الطيب – طيب الله ثراه-
طوى "الجزيرة" حتى جاءني خبر فزعت فيه لآمالي من الكذب فلما هدأ روعي بعد اطمئنان ثقة عليك رجعت إلى ماضي أخبارك وسالف أيامك قبل أن تكون من "لقاطة الأخبار"وقبل أن تلتحق بركب "جوالة الأرض" على حد تعبير التوحيدي الذي ذكر في ترجمته لك أنك "من عجائب خلق الله وطرف عباده"، فلما راجعت تلك الذكريات "الممتعة المؤنسة" عرضت لي صور طريفة من غرامك بمغامرات المجد.
أتذكر يوم ذهبت من المحظرة يوم الأربعاء وكنت عادة تعود ليلة السبت وقد انتظرك الطلاب بين باحث عن مجلسك الأدبي وباحث عن خبز العاصمة ونعناعها، فلما لم تعد تلك الليلة ظنوك ذهبت إلى موسم البلح في مدينة العلماء "قرو" ففاجأتهم باتصال من شيكاغو الأمريكية - فويل أم طرة ابن بونه وويح مختصر خليل من لغة شكسبير- وهناك كنت الأذن الوحيدة التي تصغي لأهازيج المجد وتستمع لأحاديث الروح – لا أقصد مولاي قصيدة إقبال: "جواب وشكوى" التي صدحت بها أم كلثوم وألهمتك رسالة التخرج المحلقة ككتاباتك- بل أقصد يوم نادى عليك مولانا أبو الطيب ممتحنا فيك عزة النفس وطعم المكارم وأنشد في أذنك:
وشر ما قنصته راحة قنص شهب البزاة سواء فيه والرخم
فأوعيت ما قال فآذن لك حينها أن تردد في فضاء الله: "تغرب" لا مستعظما غير نفسه ولا قابلا إلا لخالقه حكما ولا سالكا إلا فؤاد عجـــــاجة ولا واجدا إلا لمكرمة طعما
مولانا هدال! هي عظام الأمور ولا بد لها من عظام الرجال، وقد علمنا من استقراء التاريخ أن كل العظماء مروا ببيت المهلب بن أبي صفرة الثاني، المجد هو الإقدام على جسام الأمور حينا يترك في الدنيا دويا وحينا تقتضي المهمة الهدوء والتخفي كما فعل صقر قريش في مسيرته المظفرة.
سيدي هدال.. كأني بك حين هيأوك نظرت إلى من فيه وأنشدت: ألا أيّها البيتُ الذي أنا هاجِرُه فلا البيتُ منسيٌّ ولا أنا زائرُهْ ثم نظرت إلى ليلى منشدا: فإن أنجُ يا ليلى فربّ فتىً نجا وإن تَكنِ الأخرى فشيءٌ أحاذره
أما وقد وقع ما كنت تحذره وما لا تحبه ليلى ولا يوده محبوك في شرق البلاد وغربها سيما أعضاء المدرسة وطلاب المحاظر وما تخشاه الجزيرة ففي الرضا بقضاء الله وفي جميل حفظه وبديع كفايته اطمئنان وفي أبيات شاعر الرصافة وعيون المها سلوة: قالوا حُبستَ فقلت ليس بضائري حبسي وأيُّ مُهنّد لا يُغمدُ أو ما رأيت اللّيث يألف غيله كبراً وأوباش السّباع تردَّدُ والبدر يدركه السّرار فتنجلي أيامه وكأنه متـــــــــــــــجدّد والشمس لولا أنها محجوبة عن ناظريك لما أضاء الفرقدُ والحبس ما لم تغشه لدنيئة شنعاءَ، نعم المنزل المتورِّدُ بيتٌ يجدد للكريم كرامةً ويزار فيه ولا يزور ويحمد
ثم يخصك بخطاب: يا أحمد بن أبي هدال إنما تدعى لكل عظيمةٍ يا أحمد
أخي أبا ليلى...هو طريق تسمونه حرفة المتاعب، وقد اخترته من طرق كثيرة أهمها مشيخة المحظرة ألم أحدثك بحديث ذلك الفتى الذي يتصف برزانة أهل إكيدي مع وضوح أهل النعمة وحيوية أهل تكانت وقد غبت عن ناظريه زمانا فظنك مقيما بين معشر كسمار ولد الشيخ سيديا وأراد الله أن يفتح عينيه يوما على شاشتكم الثائرة فإذا بك جالس بين عجائز من شرق إفريقيا قد أخذ الجوع حتى من رؤوسهن فمسح عينيه تكذيبا لهما وانتهى الأمر إلى أنك اخترت أن تكون من "برد الآفاق" فالله يحفظك سيدي أبا ليلى، ألم يجزك شيخنا زكي مبارك بأبياته وادخرها لك لتكون نشيدك بين العالمين:
جنتْ علي الليالي غير ظالمة إني لأهـل لما ألقـاه مـن زمني! فما رأيتُ من الأخطار عادية إلا بينـت على أجـوازها سـكني ولا لمحتُ من الآمال بارقة ً إلا تقحمـتُ ما تجــتاز من قُنُـُن أحلتُ دنياي معنى لا قرار له في ذمة المجد ما شردتُ من وسن
سيدي...إن وشى ضعاف الناس فإن دعاء شيخ التيسير ومرابط عين الخشبة بإذن الله يردان القدر.
أما يعلم المعتوهون أنك أول من تنبأ بالثورات المباركة عليهم يوم كتبت قبل الثورة بقليل أن العرب صناع الحياة. أخي إن كان من وصية فردد في جلواتك وخلواتك الدعاء الذي كنا نقرؤه في الجانب الغربي من المخبأ، ذلك الدعاء الذي انتقاه شيخ الثقلين وأستاذ العالمين أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ ونسبه لمتشرد من بني غني:(أعوذ بك من السجن والدين والسب والضرب ومن الغل والقيد ومن التعذيب والتجسيس وأعوذ بك من الحور بعد الكور ومن شر العدو في النفس والأهل والمال وأعوذ بك من الهم والأرق ومن الهرب والطلب ومن الاستخزاء والاستخفاء ومن الاطراد والإغراب ومن الكذب والعضيهة ومن "السعاية والنميمة" ومن لؤم القدرة ومقام الخزي في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير). |