صراع الأجندات وتأثيره على مسار حرب الحليفين على القاعدة
الأربعاء, 29 سبتمبر 2010 11:07

محمد الحافظ الغابد
عادت حيوية التنسيق الأمني من جديد بين دول الساحل انطلاقا من تمنراست لمواجهة قاعدة المغرب الإسلامي مع ملاحظة تناقض الأجندة التكتيكية والإستراتيجية لدول الإقليم؛ ففي الوقت الذي تهادن فيه النيجر ومالي التنظيم وتتغاضيان عن قواعده العسكرية في أراضيهما
بعد فشلهما سابقا في مواجهته تعلن موريتانيا حربها عليه مشفوعة بتحالف قوي معلن مع الفرنسيين غير أن الجزائر التي تعتبر دولة منطلق ومقر مركزي لهذا التنظيم ترفض بشدة حرب التحالف الموريتاني الفرنسي بذريعة رفضها التدخل الأجنبي.

ولا يخفى على العديد من المراقبين أن الجزائر ضالعة في تفعيل نشاطات التنظيم في الصحراء كجزء من مقاربة محلية لإغرائه بالتحول باتجاه منازلة القوى الأجنبية وحلفائها في الإقليم للتخفيف من مخاطر نجاحه على الصعيد المحلي.
وقد تزامنت اجتماعات التنسيق الأمني مع إطلاق مسئولين فرنسيين تصريحات باستعداد فرنسا للحوار مع التنظيم في الوقت الذي بدأت فيه قوات فرنسية أخذ استعداداتها لمعارك قادمة في كل من النيجر وموريتانيا حراك أمني وعسكري وسياسي ينطلق بصورة متوازية لمواجهة تنظيم القاعدة الذي نجح في امتصاص الضربة الفرنسية الموريتانية قبل شهرين والتي أفقدته ستة من مقاتليه وسيارات وأسلحة فكيف إذا تتحرك أطراف هذه الحرب حاليا؟ وما هي وجهة ومآل الحرب الراهنة؟.
القاعدة وامتصاص الصدمة
شكلت الضربة الموريتانية الفرنسية على الحدود مع مالي في 24 يوليو2010 صدمة قوية لتنظيم القاعدة وتحرك التنظيم على وقع المفاجأة ليُخلي أكثر من عشرين موقعا له في اليومين التاليين للضربة ويعيد بناء الاستعدادات العسكرية للمواجهة الجديدة حيث وردت العديد من التسريبات في الصحافة الإقليمية وخصوصا الجزائرية عن إعادة التنظيم ترتيب كتائبه المقاتلة استعدادا للمعارك الجديدة وقد أنجز فعلا منذ ذلك التاريخ خمسة أعمال هامة توضح مدى النشاط والفعالية التي يتمتع بها هذا التنظيم أحدها لملمة جراح التنظيم واعتماد آليات انتشار أمني لتفادي المخاطر المحتملة بعد ضربة 24- 7 -2010 لتحرير ميشل جيرمانو وثانيتها إتمام عملية التفاوض مع الأسبان للإفراج عنهم مقابل فدية مالية كبيرة إضافة لتحرير حليف التنظيم عمر الصحراوي المسئول عن اختطاف ذات الإسبانيين المحررين من عمق الأراضي الموريتانية والثالثة تمثلت في الضربة التي وجهت لقاعدة النعمة عبر سيارة مفخخة وقد أشفعت بتسريب شريط إعلامي هو الأول من نوعه وقد أظهر مدى فاعلية حضور العناصر الموريتانية في التنظيم.
أما لإنجاز الرابع والأهم فقد كان اختطاف خمسة خبراء نوويين ممن يتولون التنقيب عن اليورانيوم في النيجر أما الإنجاز الخامس الذي سيكون له تأثير كبير في مسار هذه الحرب فهو عملية المباغتة التي نفذها التنظيم ضد كتيبة من الجيش الموريتاني عند "حاسي سيدي" قرب مدينة تنبكتو التاريخية 17-09-2010 والتي لم ينقشع غبارها بعد غير أنها أبانت عن الوجه الكالح للحرب حيث كانت أول معركة تسجل تضرر المدنيين في الحرب لتكشر أنياب هذه الحرب لأول مرة عن قذارتها وخطئها الفادح.
واضح إذا من خلال مجريات الحدث اليومي أن تنظيم القاعدة ليس كما يصوره الكثيرون مجموعات هزيلة وضعيفة خرجت إلى الصحراء فرارا من معارك التضاريس الوعرة للوسط الجزائري بقدر ما هو منظمة قوية ذات خبرات عالية في حروب الاستنزاف والكر والفر كما أنه امتص على ما يبدوا العديد من التجارب الإستراتيجية والتكتيكية للحركات المتمردة في الإقليم بدءا بتراث حرب التحرير الوطني التي خاضها الوطنيون الجزائريون ضد فرنسا في الستينيات وانتهاء بخبرات الأفغان العرب مرورا بتكتيكات وخبرات الجبهات الطوارقية في مالي والنيجر إضافة إلى رصيد التجربة الميداني خلال العقدين الماضيين من عمر الأزمة الناتجة عن الانقلاب على المسار الانتخابي 1992 على يد ثلة من العسكر اللائكي ما يزالون إلى اليوم أهم ثدي ترضعها فتنة الإرهاب وعدم الاستقرار في الجزائر وفي شبه المنطقة.

جنوح للسلم

يجد التحالف الفرنسي الموريتاني نفسه في هذه اللحظات في موقف حرج فهو خارج قبل عدة أسابيع فقط من مواجهة مع التنظيم أدت إلى اغتيال المهندس ميشال جيرمانو وقادت تداعياتها التنظيم إلى اختطاف حوالي ثمانية فرنسيين مما يعني أن الرعايا الفرنسيين المختطفين الآن يشكلون عبئا على الأداء الميداني حيث باتت حركة المناورة العسكرية الميدانية مكبلة وفي أحسن الأحوال مزاحمة من الأجندة الدبلوماسية كما أن أداء الجيش الموريتاني وهو الآن بمثابة الذراع المتقدمة الضاربة لفرنسا في المنطقة لا يثلج أداؤه الصدر ولم تتجاوز قيادته ورأيها العام صدمة عملية الجمعة (17-09-2010) ويبقى عنصر التفوق الجوي للحلفاء منفذا وحيدا لإنقاذ ماء الوجه عبر شن هجوم خاطف لتحرير الرهائن إذا ما تمكنت الاستطلاعات الميدانية من تحديد مكان احتجازهم بدقة لا تتحمل مزيدا من المجازفات التي قد تعمق جرح المهندس الذبيح جيرمانو وتثير من جديد الرأي العام الفرنسي ضد الرئيس ساركوزي الذي ربما تصور في إحدى لحظات يوليو الماضي أنه بخوض هذه الحرب سيصيد أكثر من عصفورين بحجر واحد وهو وهم ربما عمقه حلفاؤه في الإقليم خصوصا الموريتانيين تحت تأثير المجاملات الدبلوماسية.

استعداد يمنح ويمنع

تقول قواعد الإستراتيجية إن الاستعداد للحرب يمنع الحرب واليوم تأخذ جبهات هذه الحرب كامل استعداداتها فأكبر قوة في النزال الحالي وهي فرنسا اجتمع فيها المجلس الأعلى للدفاع وتناول بدون شك نتائج ومسار الحرب وأوصى بجملة من التدابير عادة ما تحوطها السرية والتكتم وفي الجزائر عادت من جديد قاطرة التنسيق بين قيادات جيوش المنطقة ولا تخفي الجزائر قلقها من نشاط وقوة بطش الضربات التي نفذتها القاعدة ضد جيوش وأمن البلدان المجاورة خصوصا النيجر وموريتانيا ولكنها في ذات الوقت قلقة من التدخل الفرنسي السافر الذي ترى أن عواقبه ستكون وخيمة وفي المحصلة النهائية ستخدم التنظيم أكثر من أن تضره.

وقد صرح مسئول جزائري رفيع معبرا عن قلق الجزائر من تداعيات الحرب التي يقرع طبولها الحليفان الأضعف(موريتانيا-وفرنسا) فيما شاهده الجميع من نزال الفريقين على الأرض لحد الساعة محذرا من أن هذه الحرب ربما توفر لتنظيم القاعدة فرصة ذهبية للإقلاع من كبواته عبر إسقاط أنظمة وزعزعة استقرار عدة بلدان والتخوف الجزائري يستبطن قلقا ملازما للنظام الجزائري من تحول القاعدة إلى منظمة تكسب من نفسية الانتصار على الجيوش الضعيفة مكنة نفسية تمكنها من بناء نموذج ناجح في التصدي للجيش الجزائري في الداخل لإسقاط النظام الجزائري المتدثر بحالة طوارئ دائمة حولت الوضع في الجزائر إلى فتيل قابل للاشتعال في أي وقت.

النجدة الأمريكية

تشير العديد من التقارير إلى أن هذه الدول طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية مساعدتها في مجال تقنيات الأقمار الصناعية لرصد وتعقب نشاطات التنظيم وتحديد تحركاته ومعاقله الرئيسية وكشفت صحيفة الوطن الجزائرية النقاب عن وجود مراكز رصد أمريكية تعمل حاليا في الجزائر لهذا الغرض وقد أكدت السفيرة الأمريكية الجديدة في نواكشوط أمام لجنة الشئون الخارجية في الكونجرس الآمريكي أن بلادها مستعدة لدعم موريتانيا التي أثبتت مرات عديدة أنها مصرة على مكافحة الإرهاب.

ويمكن أن نخلص إلى أن أطراف هذا الصراع المناهضين للإرهاب بحاجة لتنسيق يتفادى التناقضات الجوهرية الحاصلة فيما بين الأطراف الأهم في إدارة الصراع خصوصا الجزائر وفرنسا أما الدول الإفريقية الأخرى فهي في الحقيقة سياط في يد من ينجح في الاستقطاب والتوظيف وأحسنهم حالا من ينجح في تحييد نفسه عن دفع خسائر باهظة في هذا الصراع الأهوج الذي يفقد الوجهة ووحدة المسار فضلا عن القيادة والتحكم المنضبط بالمصالح الوطنية الصرفة. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

صراع الأجندات وتأثيره على مسار حرب الحليفين على القاعدة

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox