التعليم بين مدرستين ...
الجمعة, 15 أكتوبر 2010 13:40

زينب بنت محفوظزينب بنت محفوظبزيها القديم وواجهتها المعتادة تستقبل طلابها . علي عكس المفروض تتوالي السنون علي مدارسنا الحكومية وهي علي حالها في كل عام دراسي تستقبل أبنائنا بنفس الثوب البالي والوجه الشاحب الذي عهدوها عليه و كرهوا أن يعودوا  إليه بعد أن غمرتهم أحلام العطلة الصيفية ,أما في الطرف الآخر ينعم طلاب المدارس الحرة بطلة جديدة كل سنة تقريبا , فالمدارس الحرة في كل مدة تزيد بنيانها و تغير في شكلها فهي لا زالت في طور التشكل وتسعي للتماشي مع عدد طلابها المتزايد كل عام , وبين المدرسة مكتملة التشكيل منتهية الصلاحية و تلك المتجددة و المتلونة بلون واقعها ومصلحتها فرق تفسيره واضح فالفرق بين المدرستين يترجمه الفرق بين القطاعين "الخاص و العام " .

 

 

التعليم العام هو مأوي للطبقة ضعيفة الدخل أو معدومته  , أما التعليم الخاص فهو ملجأ الباحثين عن قدر من الجدية يدفعون مقابله ما استطاعوا , و بالطبع هو تعليم واحد في بلد واحد يخضع لنفس النظام ويعتمد علي نفس المناهج و تسيره ذات الضوابط , إلا أن  العام عجز عن استيعاب حاجات طلابه و معلميه , فجاء الخاص ليسد ذلك العجز و ينقذ ما أمكن إنقاذه , ولم ينقذ إلا جيوب ملاك المدارس الحرة فضاع  التعليم بين " هيكل وطموح " هيكل متهالك  و طموح بلا أرضية يتحقق عليها .

في السابق كانت مناهج التعليم الفرنسية تسد حاجة الطلاب من المعرفة والتكوين وهذه المناهج و إن كانت منهج المستعمر لكنها  كونت  من بنو الدولة وقامت علي أكتافهم ردحا من الزمن و لازالت تقف علي ذلك التاريخ ,وبحركة خالية من الإستراتيجية  جاء التعريب لتشل مسيرة التعليم بحجة الحفاظ علي اللغة و البحث عن الهوية تلك الموضة التي راجت آن ذاك ليبني جيل من المنبوذين مهنيا الذين عجز مشرعو التعريب عن استيعابهم في سوق العمل, و الحجة باطلة  فكل من كانوا يكونون وفقا لنظام التعليم الفرنسي كانوا من أوائل الناس المتقنين للغة العربية , أما منذ مطلع الثمانينات ونحن ننتج جيل لا إلي هؤلاء و لا إلي هؤلاء إلا من رحم ربك .

إن تدني مستويات التعليم و ارتفاع نسبة الأمية و عدد المتشردين من المتسربين من المدارس و غير الدارسين أصلا , هو ذنب يتحمل وزره نظام التعليم في موريتانيا و مشاريعه اللامدروسة  و غير المطابق للواقع واحتياجات المجتمع , والمجتمع له دور في هدم العملية التعليمية فهو من يخرج أجيالا تتلهف للمال و التوظيف , وتكره التعب و الصبر علي التلقي حتى و إن كان ثمن هذا التلقي بطالة مزمنة ,فعاطل عن العمل وعقله يعمل أجدي من عاطل تعطلت يده عقله .

بالتأكيد نحن دولة فقيرة و غير مستقرة سياسيا فيما مضي من عمرها مما لم يعطينا الفرصة كي تعيش فينا مشاريع حقيقة مستمرة تهدف إلي خدمة التعليم و الرفع من مستوي التكوين المعرفي بين أبنائنا, علما أن أي نهضة حقيقية لا تكون إلا علي عاتق نظام تعليمي صارم ومناسب يحقق الكفاية من الكوادر المكونة و القادرة علي حماية مستقبل البلد من الضياع بين "السياسة و الاقتصاد"  سياسة جاهلة واقتصاد مستعمر , لذا فلا عجب من حالة التدني المعرفي المزمنة التي تنتابنا إلا أن حجة من ينتقد هذه الحالة أننا مجتمع له تاريخ زاخر بالعلم والمعرفة تاريخ لو اتكأنا علية بجدية لكان أساسا قوية لنظام تعليمي قوي و ناضج لأنه لم يأت من فراغ . لكنها فرصة فشلنا في استغلالها و الأسباب كثيرة .

ففي العادة يبني النظام التعليمي علي أساسين : أولهما النظام التقليدي الذي بناه المجتمع واجتهد علي تطويره زمنيا مراقبا تصاعد الاحتياجات المعرفية و متسلسلا مع الأحداث المتعاقبة سياسية واقتصادية و اجتماعية ومعرفية , والثاني النظام الحديث الذي تنشؤه الدولة حديثة العهد بالاستقلال و هو نظام في البداية يمثل التركة الثقافية للمستعمر  وفي النهاية هو نظام إذا استخدم بذكاء ومهنية وبعيدا عن التسييس كان نظاما تعليميا ناجحا و إلا  كانت النهاية هي مشاريع لتطوير التعليم و بث الإصلاح فيه يلفها طابع البحث عن الهوية و رغبة التخلص من سيطرة المستعمر الثقافية و في الحالتين نحتاج إلي الجدية و الابتكار و التخطيط و الاستمرارية .

و النتيجة هي فجوة تزداد بين الفقراء و الأغنياء , فبعد أن كان المدرسة هي المكان الذي يتساوى فيه ابن الغني و ابن الفقير أصبحت  أرضية خصبة لتوطيد هذه الفجوة , فانقرضت فرص الفقير في التعليم الجدي و انحصرت الفرص في جيب الغني و أبنائه.

 

 

 

 التعليم بين مدرستين ...

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox