العبودية بين الإسلام و عصور الانحطاط والإنعتاقيين الجدد.
الأربعاء, 12 أكتوبر 2011 12:59

 

الإســــــلام و العبـــودية

عند ظهور الإسلام كانت هناك أبواب كثيرة للعبودية منها الحروب و الديون و غيرها، فسد الإسلام هذه الأبواب و لم يترك منها إلا بابا واحدا و هو الأسير في الحرب الجهادية مهما كان لونه (أبيض أو أحمر أو أسود دون تمييز للون).

لقد كان بإمكان الإسلام أن يبني سجونا لهؤلاء الأسري الكفار، لكن الإسلام كدين هدفه هداية البشرية كلها لعبادة ربها أختار أن يعطي هذا الكافر لأسرة مسلمة يعيش معها جو الإيمان و تمتثل فيه قول الرسول صلي الله عليه و سلم : "إخوانكم خولكم، قد ملككم الله إياهم، ولو شاء لملكهم إياكم، فأطعموهم مما تطعمون، وأكسوهم مما تكسون ".  و قوله : "هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فأن كلفتموهم فأعينوهم عليه " 1.  و هنا نتساءل : أي أسير في العالم يطعمه من أسره بما يطعم به نفسه و يكسوه مما يلبس ...إلخ؟. بهذه المعاملة الطيبة و في الجو الرباني السامي بقيمه و أخلاقه الذي يفترض أن يكون في الأسرة المؤمنة التي يعيش عندها هذا الكافر يريد الإسلام لهذا الكافر أن يهتدي لعبادة الخالق. و هنا عندما يصبح مؤمنا يفتح الإسلام أبواب كثيرة لتحريره كالكفارات الكثيرة:

1-    كفارة القتل الخطأ : قال تعالي :(وَمَا كَانَ لمُؤمنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ وَدِيةٌ مُّسلَّمَةٌ إِلى أهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبةٍ مُّؤمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسلَّمةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنَ ...)2

2-    كفارة الظهار: قال تعالي: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً...)3

3-    كفارة اليمين : قال تعالي: (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ...)4

4-    كفارة الإفطار عمدا في رمضان كما روي البخاري و مسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ثم إن معاملة غير لائقة كالضرب تفتح الباب لتحريره:

-         أخرج مسلم في صحيحه  عن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " من لطم مملوكاً له أو ضربه فكفارته عتقه ".

-         و أخرج مسلم كذالك في صحيحه عن أبي علي سويد بن مقرن قال:" لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرن مالنا خادم إلا واحدة لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها."

-                     كما أخرج البخاري و مسلم في صحيحيهما و غيرهم عن أبي مسعود البدري: كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي صوتا "أعلم أبا مسعود، الله أقدر عليك منك عليه". فالتفت فإذا هو رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ، هو حر لوجه الله. فقال :"أما لو لم تفعل، للفحتك النار أو لمستك النار."

ثم إن الإسلام فتح باب المكاتبة للعبد إذا كان خيِّرا و هو تحريره مقابل تعويض مادي فقال تعالي: (وَالَّذينَ يَبتغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمتُمْ فِيهمْ خَيْراً وَأَتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الَّذي أَتاكُمْ)  5

و كما لاحظتم فإنه تعالي يأمر بإعطائهم من المال الذي أعطاه الله زيادة بعد مكاتبتهم، و قد جعل في الزكاة نصيبا لتحرير الرقاب فقال تعالي: (إِنَّما الصَّدقَاتُ للفُقَراءِ وَالمَسَاكينِ وَالعَاملِينَ عَليْها وَالمُؤلفةِ قُلوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالغَارِمينَ وَفِي سَبيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبيلِ فَرِيضةً مِّن اللهِ وَاللهُ عَليمٌ حَكيمٌ) 6

بل رغب أكثر من ذالك ترغيبا شديدا في العتق فقال رسول الله صلي الله عليه و سلم:

"أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار." 7

والأحاديث في هذا الباب كثيرة منها علي سبيل المثال:

-         عن شعبة الكوفي قال كنا عند أبي بردة بن أبي موسى فقال أي بني ألا أحدثكم حديثا حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار.8

-         من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه.9

-         من ضم يتيما من أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة ومن أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار يجزي بكل عضو منه عضوا منه من النار.10 - من أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار.11

-         من أعتق رقبة فك الله بكل عضو من أعضائه عضوا من أعضائه من النار.12

و قال تعالي : (فلاَ اقْتَحمَ العَقَبةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبةَ فَكُّ رَقبَةٍ أَو إِطعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغبةٍ يَتيماً ذَا مَقْرَبةٍ أَوْ مِسْكيناً ذَا مَتْربةٍ)13

 ففك الرقبة أي تحريرها من أهم القربات إلي الله تعالي.

لكن قد يسأل البعض لماذا جاء في القرآن الكر يم الحر بالحر و العبد بالعبد؟ ثم لماذا يسميه العبد؟ ألم يكن من اللائق تسميته تسمية أخري؟

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ.)14

كما يقول مفسر القرآن الكريم و المؤرخ الموسوعي ابن جرير الطبري:وذلك أن الآية عندهم نزلت في حزبين تحاربوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل بعضهم بعضا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم، بأن تسقط ديات نساء أحد الحزبين بديات نساء الآخرين، وديات رجالهم بديات رجالهم، وديات عبيدهم بديات عبيدهم قصاصا فذلك عندهم معنى القصاص في هذه الآية.

فإن قال قائل: فإنه تعالى ذكره قال: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} فما لنا أن نقتص للحر إلا من الحر، ولا للأنثى إلا من الأنثى؟ قيل: بل لنا أن نقتص للحر من العبد وللأنثى من الذكر، بقول الله تعالى ذكره: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) [الإسراء: 33] وبالنقل المستفيض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المسلمون تتكافأ دماؤهم ". اهـ

وقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد ذالك عن مجاهد وعن ابن عباس و عن السدي و عن أبي مالك و غيرهم. 

و الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة المائدة : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون)15 . ذكر هذا أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ ونقله بإسناده عن ابن عباس و رواه أبو عبيد في ناسخه وابن جرير في تفسيره من وجه آخر بإسناد صحيح لكن بلفظ مغاير عن ابن عباس.

 و قد قال صلي الله عليه وسلم:" منقتلعبدهقتلناه، ومن جدععبدهجدعناه." كما روي الإمام أحمد و الترمذي و النسائي و أبو داوود و ابن ماجة و الدارمي و صححه الحاكم.

أما لماذا يسمي القرآن العبد بالعبد فهذا تحرير المصطلح لكي لا يكون هناك لبس. إذ هكذا اعتادت الناس التسمية علي غرار جمعيات الإنعتاق التي تسمي نفسها : نجدة العبيد و غيرها. لكن الإسلام كما أسلفنا يعطي هذا المصطلح معاني أخري كما أسلفنا سابقا. وقد قال تعالي : (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ )16. و مع هذا يأمر الإسلام بخطاب العبد و الأمة إذا لم يكن الإنسان يخشى لبسا في الفهم مثل أن يكون يكلمهم بشكل مباشر بفتاي و فتاتي.

 وأما لماذا يجيز الإسلام التزوج من المملوكات بدون حدود و شروط ؟ أليس ذالك إهانة لهن؟

فهذه محاولة من الإسلام لتحرير المملوكات، إذ يوم يدخل سيد المملوكة بها و تحمل منه تصبح حرة و أم ولده. لذالك يضع الإسلام عراقيل أمام زواج الحرة و ينزع أي عراقيل أمام زواج المملوكة من سيدها، كالطعم الذي يوضع للسمك علي الصنارة كي تمسكه، أي كي يدخل بها و تصبح حرة.  

و قد قص لنا القرآن عن نبي من الأنبياء مرت به فترة من حياته عبدا و هو نبي الله يوسف عليه السلام. و حكي لنا كذالك عن عبد آخر كان قدوة و منبع الحكمة لينقض الفكرة القائمة أن العبودية مسألة موروثة بتخلفها العقلي و نقص منزلتها و قيمتها و حكمة أصحابها، و قد كان هذا العبد لقمان عليه السلام، إذ كان كما قال ابن جرير الطبري نقلا عن ابن عباس و مجاهد و غيرهم : عبدا حبشيا.

وقد أوصي محمد صلي الله عليه وسلم و الموت يحتضره؛ أي في آخر لحظة من الدنيا وصيته المعروفة، فقالت زوجته أم سلمة: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الصلاة الصلاة و ما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغر بها في صدره و ما يفيض بها لسانه" !!!.17

فلم يوصي في هذه اللحظة لا بذريته أو أهل بيته عموما أو أصدقائه أو بعض المقربين منه و إنما قال: الصلاة الصلاة و ما ملكت أيمانكم!!!. فقرن بين الوصية بالصلاة لرب العالمين و هي أهم ركن في الإسلام و بين الوصية بالمملوكين!!!

 

أين جيل الصحــــابة و التابعيــــن من تطبيـــــق هذه التعاليـــم؟

 

رغم تحجر العقليات في تلك الحقبة خاصة فيما يعني حقوق العبيد، فقد حول جيل الصحابة و التابعين هذه التعاليم إلي واقع ملموس. تعالوا بنا نسأل مولي رسول الله صلي الله عليه و سلم أنس رضي الله عنه.

 كيف عاملك محمد  الله صلي الله عليه و سلم ؟

أنس : " خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال أف قط ، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا " 18

بل و ساعد رسول الله في أعماله المنزلية. لنسأل زوجته عائشة رضي الله عنها ما كان رسول الله يصنع في بيته ؟

الجواب:  " كان بشرًا من البشر، ينظف ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه".19

و لنسأل بعد ذالك مؤرخ مشهور غير مسلم و هو أدوارد جبون ماكان يفعل محمد في بيته؟

الجواب: " الحس السليم لمحمد مقت أبهة الملوك. رسول الله خدم في بيته؛  أوقد النار؛ كنس البلاط؛ حلب النعاج؛ و أصلح بيده أحذيته و ملابسه. " 20

و لنسأل كذالك جواري المدينة كيف كان رسول الله و رئيس الدولة في المدينة يعاملكم؟

الجواب: " إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله فتنطلق به حيث شاءت" 21

فهذا رسول الذي يجب أن يكون القدوة و الأسوة لجميع المسلمين كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)22

بل لقد ذهب محمد صلي الله عليه وسلم إلي أبعد من ذالك فزوج بنت عمته زينب بنت جحش لمولاه زيد رغم أنفها ورغم أنها من أشراف القوم. و قد تزوج بلال رضي الله عنه من هالة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف من أشراف و أثرياء قريش.

بل قد و لي الموالي علي أشرف و أقدس البقاع و هي مكة. فقد روى مسلم في صحيحه أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة. فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزي. قال: ومن ابن أبزي؟ قال: مولى من موالينا.

 فتصوروا يولي مولي علي أقدس البقاع عند المسلمين و هي مكة المكرمة في الوقت التي هي و الدولة الإسلامية من حولها مليئة بالصحابة من آل النبي و أشراف قريش و غيرها.

 و قد قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" لو كان سالم مولي أبي حذيفة حيا لوليته علي المسلمين."  

أما جيل التابعين- تجنبا للإطالة- فسنكتفي بذكر علمين بارزين :

-          الحسن البصري و قد كانت أمه خادمة لأم سلمة و مع ذالك فقد كانت أم سلمة تحمل مولاها الحسن البصري إلي أبي بكر وعمر وتطلبهما أن يدعوا له. فأصبح بعدها الحسن البصري علما من أعلام السلف و الأمة الإسلامية علي مر العصور.

-         عبد الله بن المبارك و قد كان أبوه المبارك عبدا لأحد الأثرياء المسلمين و كان يخدم عنده في حدائق له. و ذات يوم أتي سيده ضيفا فذهب به إلي الحديقة و طلب من عبده المبارك أن يأتيه برمان حلو فذهب و أتاه برمان حامض فقال له ألم آمرك أن تأتني برمان حلو ، فذهب مرة أخر و أتي برمان آخر حامض فما كان من سيده إلا أن صرخ عليه ألم آمرك أن تأتيني برمان حلو، فقال المبارك والله لا أميز الرمان الحلو من الحامض لأنك لم تأذن لي في أكله. فأعجب به سيده و حرره بل و زوجه ابنته التي ولدت عبد الله بن المبارك الذي يعتبر من أعلام السلف و رمزا من رموز الأمة الإسلامية.

فلا غرابة أن قال مؤرخ الحضارات أرنولد اتوينبي متذكرا تلك الفترة : " إن انقراض أي شعور بالانتماء لجنس محدد بين المسلمين تعتبر من أعظم ما توصل إليه الإسلام و في عالمنا المعاصر حاجة ماسة لنشر هذه الفضيلة الإسلامية..."23

 

 

 

 

العبـــــودية في عصــور الانحطــــــــــاط

 

 لقد أنقلب الهدف الذي و ضع الإسلام لحجز الكافر في جو أسرة مسلمة تطبعه الرحمة و الإيمان و الأخلاق السامية لينتقل ذالك الكافر من الكفر إلي عبادة الخالق و يصبح أخا مسلما لا يؤمن المسلم إلا أن يحب له ما يحب لنفسه، أقول أنقلب هذا الهدف إلي هدف استغلال وحشي أشبه ما يكون باستغلال الدواب بدون رأفة و لا رحمة و بتجهيل تام بالدين الذي يدلهم علي عبادة الله التي خلق الجميع  من أجلها. بل قال بعضهم إن القرآن حرام أن يوضع في صدور هؤلاء متناسين أو جاهلين أن جميع قرّاء القرآن الذين أوصلوا لنا القراءات المعروفة من نافع و غيره كلهم موالي عدى اثنين. ثم و قع انحراف آخر لدي عموم الناس-لا أقول الجميع- في مفهوم العبودية و هو أنها خاصة بالسود دون الألوان الأخرى. كما أن مصدر العبودية في هذه العصور إن لم يكن غير شرعي فهو علي الأقل في الغالب مشبوه، ناهيك عن الممارسات الغير شرعية التي تخرجهم من دائرة العبودية إذا أحسنا الظن و اعتبرنا مصدرهم شرعيا.

لكن هذا الانحراف لدي الأمة الإسلامية لم يكن هو الوحيد بل ظهرت انحرافات أخري في كثير من الجوانب من بينها الأخلاق و القيم و حتى العبادات فظهر مجتمع تنتشر فيه ظاهرة النهب و السلب (اتهنتيت علي حد التعبير الموريتاني) في وضح النهار و ظاهرة المجون و الفاحشة تحت تسميات مختلفة و أنواع الخداع و الاحتيالات المختلفة و الأخذ من الدين ما فيه المصلحة الشخصية و رفض ما فيه مصالح الآخرين عن طريق تحوير و تشويه المفاهيم و اجتزاءها علي طريقة ويل للمصلين.

لقد أبِقت الأمة الإسلامية علي خالقها و هو ما سبب كل هذه الانحرافات التي من بينها بل و أولها مسألة العبودية. لقد كان تخلفا عن معاني الدين الصحيحة نظرية و تطبيقا كما طبقها الرعيل الأول كما رأينا و من سار علي هديه بصفة شخصية عبر العصور، قبل أن يكون تخلفا أخلاقيا و ماديا بل و بعض الأحيان عقائديا.

إن من يعيب شخصا بقوله أنت عبد، لا يختلف عمن يعيب شخصا بأن يقول له أنت كنت مظلوما، فالعيب في الظالم لا المظلوم. فكان الأحرى أن يعيب سيده السابق بقوله أنت كنت ظالما و آبقا علي رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

هل حل المشكلة هو اللجوء إلي الغرب؟ أم أنه لجوء من الرمضاء إلي النار؟

 

إن التاريخ الغربي ليعج بسوء معاملة العبيد حسب مؤرخيهم أمثال المؤرخ لاس كساس و القسيسالبرتغالى فرناندو دى أليفيرا و آدم هوتشيلد و غيرهم.  فهذا هوتشيلد يحكي في كتابه :

  King Leopold’s Ghost  AStory of Greed, Terror, and Heroism in  Colonial Africa

الذي حاز علي كثير من الجوائز الدولية كيف جاء الأوروبيون ببواخرهم إلي إفريقيا حاملين معهم الأسلحة لإكراه أبناء القارة و حملهم عبيدا بعشرات الملايين إلي أوروبا بطريقة وحشية في اصطيادهم و شحنهم في البواخر ليخدموا البيض الأوروبيين في أمريكا. فقد كان الأوروبيون حسب مؤرخيهم من أبناء جلدتهم يطلقون النار علي القرى الإفريقية أثناء نومهم، فيقتلون بالرصاص من أراد أن يهرب و يأخذوا البقية و يغتصبوا بعض نسائهم و يقطعوا آذان بعضهم و أيديهم و أرجلهم و  حتى أعضاءهم التناسلية ثم إنهم ذهبوا إلي أبعد من ذالك فقتلوهم و علقوا جثثهم في الأشجار ثم شحنوا ما تبقي في بواخرهم في أماكن ضيقة كشحن البهائم بل اشد في أقبية بواخر بدون تهوية و بدون مراحيض إذ يموت بعضهم جوعا و عطشا و بعضهم يختنق و البعض الآخر ينتحر فلا يصل الشواطئ الأمريكية من كل عشر أفارقة إلا واحد أو اثنين. بل وصل الأمر إلي أن الأوروبيين كانوا يكوون هؤلاء السود المساكين بالحديد شديد الحرارة ليضعوا عليهم علامات السفن التي سيحملون عليها حسب الكاتب الأمريكي الكبيرآليكس هيلى الذي حصل علي جائزة بولتزر علي مسلسله الرائعRoots  عن حقائق من محنة السود و حيث يحكي قصة جده الإفريقي الذي بعد محاولته الهروب ربطه الأوروبيون علي شجرة و قطعوا بعض قدمه.

 و قد سن بعض الأوروبيين قانون Code Noir  أي القانون الأسود الذي تقول مادته 38 :

L’esclave fugitif qui aura été en fuite pendant un mois, à compter du jour que son maître l’aura dénoncé en justice, aura les oreilles coupées et sera marqué d’une fleur de lis une épaule ; s’il récidive un autre mois pareillement du jour de la dénonciation, il aura le jarret coupé, et il sera marqué d’une fleur de lys sur l’autre épaule ; et, la troisième fois, il sera puni de mort.

و ها هي ترجمتها:إن العبد  الهارب لمدة شهر،بدءا من اليوم الذي ندد به سيده لدي المحكمة، ينبغي قطع أذنيه وتجعل علامة على كتفه في المرة الأولى فإن عاود شهرا آخر، يقطع باطن ركبته وتجعل ندبة على كتفه الآخر فإن عاود ثالثة يحكم عليه بالإعدام.

وقد كان الرئيس الأمريكي جورج واشنطن يملك حوالي 300 من العبيد كانوا يخدمون في مزرعته الخاصة و لم يحرر أي واحد منهم.

وليس هذا غريبا من مجتمع جذوره مسيحية، فمن شاء فليقرأ دعوة الإنجيل للعبودية في سفر اللاويين ،الإصحاح 25 ،الآية 46 و غيرها. زيادة علي ذالك فإن الإنجيل لا يعرف العتق إذ العبودية إلي الأبد. ففى مارس 2007  قاد الدكتور روان ويليامز رئيس أساقفة كانترى مسيرة حاشدة في لندن اعتذارا عن " تورط الكنيسة في التاريخ البشع للعبودية" علي حد تعبيره. و انتقد الرئيس الفنزويلي أوغو اتشافز بابا الفاتيكان علي عدم اعتذاره عن دور الكنيسة السيئ في استعباد كثير من البشر بشكل لا يليق حتى بالحيوانات، في الوقت الذي قدم البابا الاعتذار لليهود.

إن الأوروبيين خاصة في أمريكا ذهبوا إلي أنواع كثيرة من التمييز ضد السود في القرن العشرين مثل منعهم من ركوب النقل العام مع الأوروبيين البيض و منعهم من دخول المطاعم و حتى دور العبادة(الكنائس)  ناهيك عن الدراسة فحتى بعد 1960 لم يكن المجتمع الأمريكي الأبيض يسمح لطالب أسود أن يحضر الدروس في الجامعة مما حدي علي سبيل المثال بأن يرسل الرئيس الأمريكي جون كندي قوات فدرالية إلي جامعة المسيسبي لإرغامهم علي السماح لأول طالب أسود إسمه جيمس مرديث بحضور الدروس في الجامعة. في الوقت الذي كان فيه السود في العالم الإسلامي خاصة في صدر الإسلام لا يسمح لهم بالدراسة فقط بل كان بعضهم أعلاما و مشاييخ كعطاء بن رباح الذي كان عبدا قصيرا، أفطس الأنف و مشوه الخلقة يدرس عليه البيض من أعلي الناس شرفا. فقد تعلم علي عائشة وأبي هريرة وأم سلمة وابن عباس وعبد الله بن عمرو وابن عمر وجابر وابن الزبير ومعاوية وأبي سعيد وعدة من كبار الصحابة و التابعين. و درس عليه الأوزاعي وابن جريج والإمام أبو حنيفة والليث. وحدث عنه مجاهد بن جبر، وأبو إسحاق السبيعي، وعمرو بن دينار، وقتادة، وعمرو بن شعيب، وأيوب السختياني، ويحيى بن أبي كثير، وكثير غيرهم . و هذا ليس غريبا في دين يقول: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " 24

و يقول : لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمى على عربي ، ولا لأبيض على أسود . ولا لأسود على أبيض ، إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب .25

أما النظريات الإلحادية التي يبدو أن البعض معجب بها (انظروا في نقد الإلحاد ما كتبته تحت عنوان: هل الإلحاد حقيقة علمية أم خرافة؟) و التي تنطلق من نظرية التطور و الإرتقاء كما أسس لها اتشارلز داروين في كتابه : أصل الأنواع  The Origin of Species، فهي تعتبر الأفارقة السود الحلقة البشرية الأقرب للقرد في شجرة التطور البشري المزعومة بينما الأوربيون البيض هم القمة في تلك الشجرة، عكس ما يعتبره الإسلام و هو أن الجميع أبناء آدم و حواء الذين خلقهم الله.

ولن ينسي الجميع دعم الأوربيين والأمريكيين للعصابة الأوروبية البيضاء التي أقامت حكم ابري توريا العنصري في جنوب إفريقيا. فمن شاء تفاصيل ذالك الفصل العنصري البغيض و كيف نكلت هذه العصابة بأهل البلاد الأصليين السود و زجت بقادتهم كمانديلا في السجون حتى نهاية القرن العشرين، رغم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلن من باريس سنة 1949 عندما كان الاستعمار الغربي يغطي الكرة الأرضية، أقول من أراد تفاصيل ذالك فليرجع إلي كتابات مانديلا و غيره ممن شهدوا وعانوا أمرَّ أنواع الاضطهاد علي أرضهم من العصابة الأوروبية البيضاء .

نظــــرة في منهج بعض الإنعتـــــــاقيين الجدد

إن ظاهرة العبودية ليست ظاهرة موريتانية أو إسلامية كما رأيتم بل هي ظاهرة عالمية عانت منها شعوب العالم بأسره لكن ليست لهدف هداية الناس إلي عبادة الخالق و بمعاملات سامية علي طريقة أطعموهم من ما تطعمون و أكسوهم من ما تكسون و لا تحملوهم ما لا يطيقون ليحرروا فيما بعد إذا اهتدوا بالطرق التي رأينا سابقا بل بهدف الاستغلال الوحشي كالدواب بل أشد. فحتى الشعوب السلافية التي كانت تُستعبد لفترة من الفترات من طرف الشعوب الأخرى الحاملة لراية المسيحية و من هنا أصل كلمة Slaveأي سلافي التي أصبحت علما علي العبيد، أقول حتى هذه الشعوب مارست العبودية فيما بعد. فاسألوا أحد هذه الشعوب السلافية و هو الشعب الروسي عن  КРЕПОСНОЕ ПРАВОاكرپاسنوى اپرافا.

كما قلنا سابقا فإن عصور الانحطاط تركت مخلفات سيئة بما في ذالك في المجتمع الموريتانيو أحيانا حالات استرقاق تحتاج لمساعدة أهلها في التخلص منها. لكن رغم ذالك فإن نقلة نوعية في إطار الإنعتاق حدثت بالفعل رغم الرواسب. فغالب العبيد السابقين الآن يعمل حرا و بعضهم درس و حصل علي شهادات عليا و بعضهم تقلد وظائف عالية و أحيانا مفصلية في الدولة و بعضهم شارك و لا يزال يشارك في تنوير المجتمع الموريتاني بشقيه الأبيض والأسود مشكورا علي ذالك. و مع ذالك فإن هناك من يعمل علي التهويل من حجم الظاهرة خاصة عند مجتمع البيظان حيث غالبية العبيد السابقين حتى و إن عملوا أحيانا عند أسيادهم السابقين فإنهم يعملون مقابل أجور أو مكافئات، و يتجاهل لحاجة في نفس يعقوب حجم الكارثة لدي المجتمع الإفريقي الموريتاني. فليست هي ظاهرة استعباد الأبيض للأسود كما يريد بعض الإنعتاقيين الجدد بل هي ظاهرة عامة يستعبد فيها الأسود الأسود كذالك، بل بطريقة أشد فظاعة من استعباد الأبيض للأسود. فعبيد الأفارقة السود لا يمكنهم حتى أن يدفنوا في مقابر الأسياد ناهيك عن مسائل أخري كثيرة كالجلوس معهم علي فراش واحد و السكن معهم في حي واحد خاصة في القرى التي مازالت تقاليدهم تتحكم فيها. فلا يمكن مثلا لسيد أسود أن يتزوج من أمة سوداء في الوقت الذي يتزوج السادة البيض من بنات عبيدهم. .كما أنه يوجد داخل مجتمع البيظان عبيد بيض، كما عند جماعة أهل بارك الله. فهي إذا كما رأيتم ليست كما يحلو للبعض مسألة استعباد البيض للسود.وقد ذهب بعض الإنعتاقيين الجدد إلي صب الزيت علي النار، بل عمل علي إحداث حالة استقطاب و توتر و تحريض شق من المجتمع علي الشق الآخر، و هو ما لا يليق بمن يعرف سنن التغيير الرشيد الذي يعمل علي التخلص من الظاهرة السيئة مع إذابة المجتمع مع مرور الزمن في جو من الأخوة و المساواة و التراحم نبذا لمخلفات عصور الانحطاط  و رجوعا إلي تعاليم الإسلام الصافية نظرية و تطبيقا كما أسلفنا عند الرعيل الأول من المسلمين. فقد تحقق ظاهرة تحريض بعض الإنعتاقيين السود علي البيض نصوص مساواة قانونية مع تطبيقات تعسفية لكنها لن تقنع الأبيض بمساواته مع الأسود ولن تجعل الأبيض يحب الأسود و لن تقضي علي البؤس المادي لبعض السود، بل تزيده أحيانا. فسألوا آلاف من ألغي في الشارع من السود الذين كانوا يوفرون لقمة عيشهم و أولادهم بالعمل عند البيض برواتب( مع أني أستقل هذه الرواتب، لكني لا أقفز علي الواقع الاقتصادي لغالبية المجتمع الموريتاني الذي يتقاضى الفرد فيه ستون ألف أوقية في المتوسط، يدفع منها تكاليف أسرة بكاملها بل وأحيانا بعض عشيرته.) أقول اسألوهم هل و فر لهم الإنعتاقيون الجدد المأوى و العلاج؟ أم أنهم تركوهم و معاناتهم في ظروف اقتصادية خانقة؟!!!. بالمناسبة أتذكر قصة حكتها لي امرأة سوداء و هي أنها تركت بنتها تلعب مع بنات أسرة بيضاء من محيطها ريثما تقضي حاجتها خلال ساعات و ترجع. لكن البنت الصغيرة مرضت فجأة فأخذتها العائلة البيضاء إلي مركز صحي بالمقاطعة لعلاجها، فبدل أن يساعدوا و يشجعوا علي هذا العمل الإنساني في إنقاذ البنت المريضة فوجئوا ببعض الإنعتاقيين الجدد يسأل ما علاقتكم بهذه البنت السوداء؟ ثم أردف قائلا إنكم تستعبدونها و كادوا يدخلون مشكلة جزاءا علي هذا العمل الإنساني الرفيع. إن مثل هذه التصرفات ستكون سببا في أن يموت الأسود جوعا أو مرضا بجانب الأبيض  دون أن ينقذه خوفا من أن تتحول المساعدة إلي مشكله هو في غنى عنها.إن علم الحلول المثالية الواقعية Optimization theory يقول بأن الحل يجب أن يأخذ في الحسبان جميع القيود Constraints التي يضعها الواقع للخروج بحل مثالي قد لا يكون كما يعرف الرياضيون محققا المثالية في جميع العوامل Parameters  بل قد تتراجع بعض العوامل لحساب أخري . هذا في الرياضيات البحتة فما بالكم بالواقع الاجتماعي المعقد و سنن التغير التي تحتاج التدرج و الحكمة و الرزانة و الصبر علي طريق التغيير الذي قد يكون طويلا من أجل صياغة نفسية المجتمع المعقدة صياغة صحيحة و سليمة تتوارثها الأجيال القادمة في جو من المحبة و المساواة و التراحم يطبعه حب المرء المسلم لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، لا صياغة النفسية صياغة تصادم و تناحر مع تلغيم المجتمع تلغيما يدفع به إلي الانفجار. فليست نفسية المجتمع كالآلة بالضغط علي زر أو مقود يمكنك تغيير اتجاهها. زد علي ذالك أن التمييز لا يقع ضد السود فقط بل داخل حتى البيض نتيجة لعصور الانحطاط ، إذ توجد الطبقية البغيضة، حتى أن تمييز الطبقة العليا من البيض ضد بعض الطبقات الأخرى من البيض أشد منه ضد السود المستعبدين سابقا. فعلي سبيل المثال يشيع زواج البيض من الطبقات العليا من الإماء السود في الوقت الذي لا يكاد يقع زواج هذه الطبقات من طبقات أخري، علي سبيل المثال الصناع التقليديين.لكن الطريق إلي حل المشكلة كما أسلفنا يقع في الرجوع إلي تعاليم الدين الإسلامي الصافية و تنوير الناس بها. إنها كما قلت مشكلة إرث ثقيل من عصور الانحطاط عم جميع الطبقات و المجــــــالات.

 ثم إن المسألة قُضي عليها في عصرنا هذا في بعض أرجاء الوطن الذين لم يعرفوا منهج بعض الإنعتاقيين الجدد في صب الزيت علي النار و نشر الأحقاد و فكر الانتقام و هي بعض المناطق الشمالية حيث وصل الأمر إلي أن يتزوج الموريتاني الأسود من سيدة بيضاء و حيث لا يوجد إحساس بشكل عام بتفوق لون علي لون، إذ الأهم المؤهلات و الكفاءات.

 

بدل الخـــــــــــــــاتمة

 إن الإهمال و كذالك دغدغة الأحقاد لا يحلان المشكلة و اسألوا التاريخ عن ذالك، فليس نضال منديلا و عفوه و صفحه خاصة بعد انتصاره و تمكنه عنا ببعيد. ثم إنها ليست مشكلة الأسود دون الأبيض بل هي مشكلة جميع من يؤمن بالله إيمان قناعة ويجعل دينه منهجا عمليا في الحياة، لا إيمان عادةٍ تآكل بسبب ما اشرأبَّ به من عصور  الانحطاط.

ولنا مثل عملي معاصر في تلك ألأخوة و المساواة بين الأبيض و الأسود  التي نراها عند بعض جماعات الدعوة الإسلامية المعاصرة التي تحاول الرجوع إلي تعاليم الإسلام في معينها الأول رغم أنهم ما زالوا في بداية الطريق ولم يبلغوا مستوى الرعيل الأول من المسلمين في الإيمان و القيم. و ليكن قدوة الجميع سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه و ها هي قصته:

 اجتمع الصحابة في مجلس و لم يكن معهم الرسول صلي الله عليه و سلم فجلس خالد بن الوليد وجلس ابن عوف وجلس بلال وجلس أبو ذر و آخرون، وكان أبو ذر فيه حدة وحرارة فتكلم الناس في موضوع ما، فتكلم أبو ذر بكلمة اقتراح :أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا

قال بلال: لا ، هذا الاقتراح خطأ

فقال أبو ذر : حتى أنت يا ابن السوداء تخطئني

فقام بلال مندهشا و غضباناً أسفاً وقال: والله لأرفعنك لرسول الله صلي الله عليه و سلم،وأندفع ماضياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  و وصل بلال إلي رسول صلي الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أما سمعت أبا ذر ماذا يقول في ؟

قال عليه الصلاة والسلام: ماذا يقول فيك ؟؟

قال بلال: يقول كذا وكذا

فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأتى أبو ذر وقد سمع الخبر فاندفع مسرعاً إلى المسجد

فقال : يا رسول الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال عليه الصلاة والسلام : يا أبا ذر أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية !!

 فبكى أبو ذر وأتى الرسول صلي الله عليه وسلم وجلس وقال يا رسول الله استغفر لي .. سل الله لي المغفرة ثم خرج باكياً من المسجد…

وأقبل بلال ماشياً  فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال ووضع خده على التراب

وقال: والله يا بلال لا ارفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك !!أنت الكريم وأنا المهان. فأخذ بلال يبكي وقال أنا لا أطأ بقدمي وجها سجد لله و أقترب وقبل ذلك الخد ثم قاما وتعانقا وتباكيا.

إنها العظمة، عظمة سيدنا بلال الحبشي مولي سيدنا أبي بكر رضي الله عنهما الذي تزوج من أخت عبد الرحمن بن عوف أحد أشراف و أثرياء قريش كما أسلفنا والتي نتيجة لعظمته بكته عندما كان يحتضر، فقال لها اصبري، غدا نلتقي بالأحباب : محمد و الأصحاب.

فلا غرابة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال بأنه لم يدخل مكانا في الجنة إلا و سمع خشخشة نعل سيدنا بلال رضي الله عنه.

هكذا تصحح الأخطاء و يقضي علي التصرفات الجاهلية دون تجاهلها أو دغدغة الأحقاد و صب الزيت علي النار، فالنار لا تطفئها النار.

الكاتب محمد فاضل ولد المجتبي

ملاحظات:

-         استخدمت عبارة الأسود الصريحة لئلا يقع لبس في الموضوع ، مع أني أفضل تسميات أخرى.

-         استخدمت عبارة: بعض الإنعتاقيين الجدد، لأن كثيرا من الإنعتاقيين الجدد ينتهجون مناهج إن لم تكن صوابا فهي قريبة منه.

 

الهوامـــــــــــــش:

[1]– رواه البخاري في صحيحه عن أبي ذر الغفاري

[2]- سورة النساء، الآية 92

[3]- سورة المجادلة، الآية 3-4

[4] -سورة المائدة، الآية 89

-[5]سورة النور، الآية 33

[6]- سورة التوبة، الآية 60

-[7]البخاري و مسلم في صحيحيهما و غيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه

[8]- رواه أحمد ورواته ثقات

[9]– رواه البخاري و مسلم والترمذي

[10]- رواه أحمد من طريق علي بن زيد عن زرارة بن أبي أوفى عن مالك بن الحارث رضي الله عنه .

[11]- رواه أحمد بإسناد صحيح واللفظ له وأبو داود والنسائي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه

[12]– رواه أبو يعلى والحاكم وقال صحيح الإسناد

[13]- سورة البلد، الآيات 11-16

[14]– سورة البقرة، الآية 178

[15]– سورة المائدة، الآية 45

[16]– سورة البقرة، الآية 221

[17]- أخرجه الطحاوي و صححه الحاكم و الذهبي و آخر من حديث علي أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " و أبو داود و غيره و هو مخرج في " الإرواء " و صححه الألباني.

[18]- رواه الشيخان وأبو داود و الترمذي.

[19]- رواه الترمذي

[20]-EDWARD GIBBON , The Decline and Fall of the Roman Empire, 1823

[21]- رواه البخاري من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه

[22]- سورة الأحزاب، الآية 21

[23]- A.J. TOYNBEE, CIVILIZATION ON TRIAL, New York, p. 205.

[24]- سورة الحجرات،الآية  13

[25]- رواه الترمذي وحسنه الألباني

 العبودية بين  الإسلام و عصور الانحطاط  والإنعتاقيين الجدد.

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox