جائزة نوبل في" قلة الأدب" |
السبت, 23 أكتوبر 2010 14:11 |
مما يأسف كل من يأسف، ويحزن له كل من يحزن أن الإعلام العربي والإعلام المستعرب والموجه للعرب مصاب بعمى ألوان لا يبدو في الأفق له علاج، فلا يرى من الصورة إلا طرفيها المتناقضين، ولا يتابع من الناس إلا المفرطين أو المفرّطين، ولا يسمع من الأصوات إلا أصوات المتخاصمين، ويجهل أو يتجاهل كل أوجل المناطق الوسطى الفاصلة بين ذينك الحدين. ومن ثم فلا غرابة أن نجد الغلاة المتطرفين من أصحاب اليمين وأصحاب الشمال دائما ما يلتقطون الأضواء من أصحابها، ويجلبون الانتباه الإعلامي إليهم بأقوالهم الشاذة وأفعالهم المنكرة، وفي النهاية يجنون ثمار الغلو والتطرف من الشرق والغرب إذا هم استمروا على غلوهم حتى النهاية ، وإذا باعوا القضايا فإنهم يبيعونها بأثمان باهظة تخسر فيها الأمة أغلى ما لديها، ويكسب هؤلاء الغلاة فيها كل ما يريدون. وإذا أخذنا مساحة التغطية الإعلامية المخصصة للمتطرفين في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وهي معيار عالمي لقياس الأهمية، لوجدنا أن المتطرفين على اختلافهم هم أكبر مكافح للبطالة الإعلامية، وأخبارهم هي الأكثر أهمية وأولوية بين الأخبار، فلا تكاد تخلو جريدة ولا إذاعة ولا تلفزيون ولا موقع من أخبار رئيسية عن المتطرفين، ولو تقاعد المتطرفون أو قعدوا لأفلست كل وسائل الإعلام الإخبارية. وكما تطارد الكاميرات والميكروفونات المتطرفين في مشارق الأرض ومغاربها صباح مساء فليس بمستغرب أن تلاحقهم من حيث يدرون أولا يدرون جائزة نوبل للآداب مكافأة لهم على قلة أدبهم مع الله أو مع الناس أو مع الوطن، أو جائزة نوبل للسلام لأنهم لم يسلم من أيديهم ولا من ألسنتهم أحد، فجائزة نوبل جائزة مسيسية كما يعرف الجميع، وشق الآداب منها موغل أكثر من غيره في السياسة، و أما جائزة السلام فهيهات أن تخرج عن السياسة، لأن السلام وضده ببساطة فعلان سياسيان. وأستطيع ومن الآن أن أبشر السيدين بلعور خالد أبو العباس، والمناضل بيرام ولد عبيدي رغم بعد الشقة بينهما بأنهما يسلكان طريقين يؤديان وبسرعة رهيبة إلى جائزة نوبل، وقد يكونان على قائمة المرشحين للجائزة وربما الفائزين بها في إحدى الدورات القادمة، وما على الأول سوى المزيد من الغلو والإرهاب والتطرف والولوغ في دماء الأبرياء والبريئات، ثم يأتي يوما ما ويعلن أنه حسّن من طرق القتل وأنه صارت لديه أساليب أكثر إنسانية في الذبح، أو يعلن عن حسن نوايا تجاه ضحاياه المقتولين، أو يوقع على خارطة طريق إلى لاشيء، ربما توصله في النهاية إلى حيث جائزة نوبل. وما على الثاني سوى المزيد من الهروب نحو الشمال، ونبش مزابل التاريخ، والرفض لكل شيء، والتشنيع على كل أحد، وإطلاق التصريحات الغربية الواحد تلو الثاني، وفتح قنوات اتصال مع جمعيات غربية لا تعرف ما تريد، ويعلن في نهاية المطاف أنه مهدد بالتصفية على أيدي أصحابه المتطرفين، ليكتشف أخيرا أنهم قدموا له أكبر هدية وأنه توج بنوبل من حيث لا يحتسب. فليست الدماء التي سفكها ويسفكها بلعور وجنوده بأكثر عددا ولا بأوضح براءة من الدماء التي سفكها السفاح المجرم وزعيم العصابات الصهيونية مناحيم بيجن ولا صنوه إسحاق رابين الذين حازا الجائزة عن جدارة واستحقاق. وليست آراء بيرام سوى نسخة معدلة من آراء سلمان رشدي وأرهان باموق وشيرين عبادي الذين يجمع بينهم جميعا شيء من ازدراء الأديان، وبعض من المعارضة التي لا تميز بين الثوابت والمتغيرات، وجنوح صريح أو غير صريح نحو الغرب أو نحو إسرائيل. وإذا لم يحرز بيرام الجائزة وحده فلا أقل من أن يتناصفها مع نظيره في ضفة الغلو الأخرى كما تقاسم الرئيس أنور السادات نوبل مع صديقه اللدود. |