إلى الدكتور محمد إسحاق الكنتي
الأربعاء, 04 يناير 2012 13:07

 

وجهاده بالسيف والقلم ملء السمع والبصر !
عبد الله ولد محمد أحمد 
 
ebdmhd@gmail.com
 
altalt.. وما زال الناس يتقارضون الثناء ويتهادون المديح ويتبادلون الهدايا ويتعاطون البيان جدا وهزلا ، ويتطارحون الغريب في محاوراتهم ـــ مستخرجن غوامض الحكم وأسرار الحروف ! ــــ ويتنازعون قضب الريحان ( كناية عن قضبان الحديد )!!
وما زالوا يتخاشنون ويتعاقلون ويتحامقون ! 
على أن التوقير فرض عين والتعزير واجب ، والتعرض لنفحات الدكتور بالثناء من أوسع أبواب الخير وأزكاها . وهذه هدية إلى الدكتور في عيد ميلاده الثالث والأربعين ، لا زالت أيامه كلها أعيادا وأحفالا ومسرات وأفراحا ومسيرات خضراء ..!
 
 
 
 
إرهاصات المولد!
 
ما كان حديثا يفترى ، أن ميلاد الدكتور في آخر يوم من شهر الكانون ، من عام ربنا الثامن والسبعين بعد الثلاثمائة والألف ، " من وفاة الرسول " كان إيذانا للعرب بنصر قد اقترب ، بعد هزيمتهم المنكرة في عام 67، فبعد تسعة أشهر نزلت فاتحة الثورات ، فاخضرت الأرض وأخذت زخرفها وازينت ..
فاستيقظ الدكتور، القمر ابن الشمس ، على دنيا نعمتها يقظى ونقمتها وسني ! فتقبله ربه بقبول حسن وأنبته نباتا حسنا وكفله العقيد! ثم أوتي الحكم صبيا ؛ فأحكمته التجارب وأدبته النوائب ، فكان الحكم الترضى حكومته في كل شيء ، بصير بأعقاب الأمور ومصائر الدهور ، وأسرار الديانات واللغات .
وبرع في الكهانة والعرافة والقيافة والعيافة والطيرة والزجر! وكان مبرزا في علوم الفلك والطب والحساب والهندسة ، وكان فيلسوفا ، ادخرت له كنوز الفلسفة ومكنون الحكمة ، حسن التأتي قويم الرأي ، سديد النظر شديد الفطنة .
ثم كان راهبا متنسكا ، ولا كأبي عامر، زاهدا وقذه الورع ، وأضناه الخوف ، 
شديد النفور من الصغائر، بله الكبائر ! 
وكان نسابة محققا ، شهدته يدرس أنساب أهل الفلا بسرت المحروسة .
ثم هو شاعر فحل تخشى صولته البزل القناعيس .
وظل الحال يرتقي بالدكتور ، حتى نادم الملوك وباشر الحروب ،
وحتى قال فيه حبيب :
فأنتم بذي قال أمالت سيوفكم عروش الذين استرهنوا قوس حاجب 
وذي قار هي جامعة قار يونس فيها تخرج الدكتور وفيها أعاد وأبدا وإليها يحن حنين المزجّى وجهة لا يريدها !
 
وبعد : فلحا الله العجز؛ فلولا البلادة وقلة الحيلة لملأت الأرض من نظم القوافي ؛ لا طمعا في عطاء ، هو زين العطاء وخير النوال ؛
وإن تلادي إن نظرت وشكتي ومهري وما ضمت إليه الأنامل
حباؤك والعيس العتاق كأنها هجان المها تردي عليها الرحائل
ولكن قياما بحقك ووفاء بعهدك ! واقتداء بمذهبك في تقريظ الثورة الخضراء بعد أن صوحت وصارت هشيما تذروه الرياح .
.. ولحا الله الفقر ؛ لو كان رجلا لقتله علي ( رضي الله عنه ) ، ولو كان امرأة لقتلها الدكتور ( أعز الله جنده ) ! 
فلو كان لي من الأمر شيء لأقمت لك تمثالا شامخا شموخ الجبال ! حتى يراك الأعداء مطلا على عوراتهم وسوآتهم ..
وحتى يشرق وجهك ، قادما من الجنة ، نقيا من تجاعيد الحياة وغبار الزمن ونكد الفلسفة وصدإ الدهر ، وحتى يصبح وجهك المأمول حجة لمن لا حجة لهم وعزاء للثكالى وثمالا لليتامى وزادا للمرملين !
ولْيكن فتنة لربات الحجال أو معبودا لضعاف العقول !
ضلة لبني إسراءيل عبدوا عجلا جسدا له خوار ، فكيف لو رأو وجه الدكتور الأخضر (المملّح المبلّم ) وهو يحدو برجع من نهاق أي غناء صحراوي !
أو وهو يتنحنح مشمرا للقرى !
ولقد روينا بأسانيد بعضها أضعف من بعض: أن النظر في وجوه الصالحات عبادة ، فكيف بالنظر في وجه الدكتور الأمين المكين .
والآثار الضعيفة صحيحة في فضول المديح .
 
 
 
الجمال المقدس :
 
ولولا أن يقال صبا نصيب ؛ لقلت بنفسي وجهك الخصيب الممرع ، 
وإني لأولى من المتنبي بقوله : إذا ظفرت منك العيون بنظرة ..
وبقوله : زودينا من حسن وجهك ما دام .. 
ومن الطائي بقوله : هي البدر يغنيها تودد وجهها ..
وإني لأعجب من ضلال سعي ابن الجهم في حديث الرصافة والجسر وما بينهما ..
ومن خيبة غيلان وضياع شعره في مية الخرقاء ! 
بنفسي تلك النظارات النجل ـــ التي في مافي طرفها حور ــــ كم رأت من ينابيع النور ومباهج الفلسفة وأبكار العلوم وعونها . وذاك الخطام الرخو، أعني الرسن المشرف على هلك في نفنف يتطوح ! 
...........
لحا الله ذي الدنيا مناخا لراكب ، وأف لهذا الزمن الغادر؛ أبقى لنا كل قبيح وفجعنا بالثائرين! أف وتف ونعلان وخف، قالت كاهنة الغفران: هما واديان في جهنم ، ثار الأوباش والغوغاء على دولة الخلافة العظمى وقتل شهيد المحراب الأخضر ؛ غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية !
لَحاها اللَه دارا ما تُدارى بمثل المين في لجج وقمس !
 
 
 
وعيرني الواشون !!
 
أنا أعلم أن الدكتورالعظيم شديد الحب للإنصاف في الخصومة شديد التحري للحق في الحكومة ، وأنه صاحب علم مكين وأدب رصين . ولقد روينا عنه في أيام الطلب الأولى قول ابن المقفع : " الناس ، إلا قليلا ممن عصم الله ، مدخولون في أمورهم ؛ فقائلهم باغ ، وسامعهم عياب ، وسائلهم متعنت ، ومجيبهم متكلف .. يتناقضون البنى ، ويترقبون الدول ، ويتعاطون القبيح ، ويرعون في الرخاء بالتحاسد ، وفي الشدة بالتجاذب !"
وقدعير الواشون الدكتور فقالوا : إنه يتربع على عرش كبير من الوهم المهزوز والكبرياء المجروح ، وعلى مساحة واسعة، تمتد بين مهانة نفسية ضارعة ، استعصت مرارتها على الأيام ، وبين قصور عقلي شائن ، أعيا الألقاب والمناصب والجامعات ! واحتجوا علينا بقول أبي مسلم الخراساني : 
ما تاه إلا وضيع ولا فاخر إلا لقيط ولا تعصب إلا دخيل .
وبقول الأول :
لحا الله من ينبو الحسام بكفه ومن يدخل الماخور في الحجل يرسف !
وقالوا قبيح بالدكتور أن يستدعي مر الجواب ويتعرض لصرعات البغي ، وصرد النبال ، ويقحم نفسه في المهالك .
واتهموه أعز الله مقامه، بالضحالة والسخف والركاكة والضعف ، وقالوا : هو نضو الفكر مهزول المروءة ، كز الخلق ، ضيق العطن .
وما في سجاياه منازعة العلى !!
وقالوا : سلم منه الروم والترك ولم يسلم منه المسلون !
وتلك والله شكاة ظاهر عنك عارها؛ فقد جالدت الروم ، وواجهت الكرد والترك وهزمت المغول وأدبت الروس ! 
 
 
 
تهم واهية !!
 
يقول العدى لا بارك الله في العدى : إن ادعاء الدكتور للعلوم على قدر جهله بها ، وإنه قليل السماع غمر وصحفي غفل لا ينطق عن فكر ولا يصدر عن حكم ، يثق بأول خاطر ، ولا يفصل بين اعتزام الغمر واستبصار المحق ، يعد أسماء الكتب ولا يفهم معانيها ، يحسد العلماء من غير أن يتعلق منهم بسبب "
ونقول لهم لقد جئتم شيئا إدا ، وهذه بضاعتنا ردت إلينا ، هذا كلام شيخنا أبي عثمان في أحمد بن عبد الوهاب ، ولا قياس مع وجود النص ! 
على أني لا أعلم أحدا أطول صمتا من الدكتور ولا أعمق فكرا ولا أشد رزانه ( ثهلان ذو الهضبات ما يتحلحل ) ولا أبلغ حكمة إذا خلا بقلمه أو خطب بلسانه ،
أوجعل ينشر حكمته بين الناس ، لا يداري ولا يماري .
ونم عليك الكاشحون سيدي الدكتور بأنك كما قال التوحيدي عن الحاتمي ( محمد بن الحسن الشاعر ) وهو غير حاتم الطائي ! :
( يتطاول شاخصا ، فيتضاءل متقاعسا ، إذ صدق فهو مهين وإذا كذب فهو مشين ، بادي العورة فيما يقول .. يطير بعيدا ويقع قريبا ) !
قالوا وهو مبتلى بسوء العادة ولؤم الطبع ورعونة الغريزة ، أرفق الناس في لؤم وأخرقهم في حرص , لا ينفك متهتكا يخبط في الظلماء ؛ مستخفا بالإشراف متكبرا على أهل الفضل ، يترقى في دركات الضعة والهوان ، ينافر صاغرا ويفاخر مهزوما ؛ وليس لركب حطه الله حامل !
ولولا علمي بأن ليس إهداء الخنا من شمائل الدكتور ، وأنه يشتم بالأفعال لا بالتكلم ، وأن الله قد أغناه عن الحجة وعصمه من الشبهة ! لقلت للشانئين والكاشحين : لو ( ولو حرف امتناع ) لو مسخ الله الدكتور خلقا آخر ، أعني لو سلخ الدكتور من فضائل البشر كلها ؛ فكان قردا يقهقه أو عجوزا تلطم ، بل أكثر من ذلك لو تبدل الدكتور خنزيرا يتمرغ في الرماد ، بل أكثر من ذلك ، لو أصبح الدكتور حمارا بأذنين ولسان وشفتين ، بل أكثر من ذلك لو خلق الدكتور بنصف وجه ونصف لسان على مافيها من قبح المنظر وعجز المخبر ـــ كما يقول ابن أبي العروبة ـــ وهي أخته لا أمه !ــ لما كان الدكتور إلا الدكتور أصالة في الرأي وعراقة في الحسب ، وثباتا على المبادئ ، وتطاولا على الأيام ، وتصاونا ومروءة ، ولو سيم الخسف ، وريم الضيم . كيف لا وقد أنهج الجود وعلم القول ، وأدمن الحفاظ المر والخلق الوعر ! وتحمل أعباء نفس مثقلة بأمجاد الماضي ، مرهقة بأعباء الحاضر . وهو المعني حقا بقول الجاحظ :
إياك أن تتعرض لجرير إذا هجا، وللفرزدق إذا فخر، ولهرثمة إذا دبر، ولقيس بن زهير إذا مكر، وللأغلب إذا كر، ولطاهر إذا صال. 
بل من هؤلاء جميعا إنما غر الجاحظ أن أحدا من هؤلاء لم ير خطام الدكتور ، وفي عنق الدكتور ييتحسن الخطام ، ساعة من نهار، وإلا لضاق عليهم العذر وخذلتهم عزائمهم وأسلمتهم عقولهم !
وفي الدكتور تقول الكنانية : ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على خير منك ؛ أغض طرفا وأقل فحشا وأجود يدا وأحمى لحقيقة وآية ذلك رآها أهل سرت !
وهو في غنى أعز الله جنده عن أن يرفع خسيسته الطاهرة أو يتصدق بفضل حماقته الراشدة ، أو يهجم على الموبقات أو يتخلق بأخلاق العوام ، او يتهانف أو يتخالع أو يتتايع في العنود ، أو يفارق سمت الربانيين وزي الناسكين ، فقد جمع الرحمن فيه المعانيا والمعاليا والمغانيا !!
على أن الناس لا يعلمون أن مذهب الدكتور مدبر بأمور: 
على عصامية أزلية ، وهي غير الجدلية الأزلية .
وعلى طموح يصعد في السماء ؛ يحاول ثأرا عند بعض الكواكب 
وعلى طارف المجد وتالد الحسب ، وعلى الحظ والجاه والأنفة والكبرياء ؛ 
لا يألف مستوخما ولا يقيم على عجز. وعلى عقل لا يحمل على شيء إلا نفذ فيه! 
ولئن لج في التغضب والخصام، أولهج بالجدل والمراء ، فتلك سجية نفس ما تزال مضيمة مهينة .. وللحديث بقية تحت الطبع ! في ( مذكرات الدكتور )
 
إلى الدكتور محمد إسحاق الكنتي

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox