الخميس, 28 أكتوبر 2010 15:45 |
عند ما لا تكون للحرية حدود...عند ما تكون كلمات رب العالمين غرضا للأقلام العابثة المشبوهة تحريفا وتعديلا، بل إلغاء وتعطيلا ...... عند ما ينال جائزة "الحياة" من لا يستحقها ، مكافأة له على أن أوقع "الموت" بمن لا يستحقها...
فيا موت زُر إن الحياة ذميمة **** ويا نفس جدِّي إن دهرك هازل.
أقول هذا – ولست بخير من يقوله – بعد أن امتلأت مسامعنا في الأيام الأخيرة بأصوات تنعِق مطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام ، تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان ، وتسعى بزعمها إلى تجديد الدين وقراءة جديدة للنصوص ، وتستنجد بالحوادث التاريخية والوقائع الحالية.
ولا تعجب أيها القارئ لما ينشره هؤلاء إذا رأيت ما يقع فيه من أعرض عن تدبير اللطيف الخبير من تخبط وتذبذب في المعايير ، هل من العدالة في شيء أن نقف مع حقوق الانسان الظالم الذي يدفع بلسانه ويبطش بيده ، ونخذل حقوق أخيه المظلوم الضحية المعتدى عليه ، فالإنسانية نسبة تواطؤية ، يستوي فيها جميع "ماصَدَقَاتِها" كما يقول المناطقة ، فليس إنسان بأكثر إنسانية من الآخر .
إن الإنسان الذي يسطو عمدا عدوانا على أخيه لَيستحق أن ينتصف منه لأولياء المظلوم ، وللمجتمع الذي يهدم ركنا من بنيانه ، ولنفسه التي هي بحاجة إلى بعد هذ الإثم إلى التمحيص والتطهير (....فمن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له ) .
يقول من ينعقون بهذا الهراء : نحن بحاجة إلى تجديد وفكر يواكب العصر الذي نحن فيه ، وكأنهم فد فات على أذهانكم الحديدة أن أسمى مايصل إليه الفكر درجة الاجتهاد المطلق ، وتلك مرتبة تبقى مكفوفة العمل مكتوفة الأيدي أمام قوة وصلابة النص ( بمعناه الأصولي الذي لا يحتمل أكثر من معنى واحد ) والذي اتسمت به الآيات في هذا المجال (....كتب عليكم القصاص ....النفس بالنفس ....) فما هذا بميدان الاختلاف والاجتهاد والترجيح.
ولا ينسى القوم وهم يراوغون ويستنجدون أن يحتجوا بأن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عطل حد السرقة عام الرمادة ، وهي قضية طالما افتُريَ عليها وأسيء استخدامها في غير موضعها ، فلم يكن ما فعله الخليفة – على فرض صحته-تعطيلا للحدود حسب الفقهاء العارفين ، إنه ببساطة رفعٌ للحد من أجل الشبهة القائمة ، فإن الناس في مجاعة ، والإنسان قد يأخذ الشيء للضرورة إليه لا للتشبعٍ به ، ومعلوم أن المضطر إلى الطعام يجب على المسلمين إطعامه ؛ فخشي عمر رضي الله عنه أن يكون هذا السارق مضطراً إلى الطعام ومُنع منه ، فتحيّن الفرصة فسرق.
لقد كان ذلك عام الرمادة (عام 17-18 هـ) وما أدراك ما هو ، يصفه الإمام الطبري فيقول : "كانت الرمادة جوعاً شديداً أصاب الناس بالمدينة وما حولها، حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنه لمُقفر".
فلم تصل أوطاننا إلى هذا الحد من الأزمات بفضل الله .
و غنيٌّ عن التنبيه إلى أن هذه الأزمات إنما تأتي بسبب الابتعاد عن المنهج الرباني الذي ارتضاه الله لعباده ، فالانصياع لتطبيق شرع الله بما في ذلك حدوده من أهم أسباب الرخاء والعمران : ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ).
ثم نرى هؤلاء القوم يتباكون على أن من قطعت يده أو رأسه ثم ثبت بعد ذلك أنه لم يسرق فهل يرد له ما قطع ؟ فلا رقأت تلك الدموع السواجم..
فهل خفيت على أصحاب هذه القلوب الرحيمة قاعدة: درء الحدود بالشبهات ، وهي قاعدة كبرى تنتظم أبواب الحدود من أولها إلى آخرها ، وإذا انتفت الشبهة وتمحضت الخيانة ونال كلٌّ جزاء عمله فــ"على أهلها جنَت بَراقش" ويقال لليد المبتورة :
عز الأمانة أغلاها ، وأرخَصَها **** ذل الخيانة فافهم حكمة الباري.
ولا ينبغي لكم أيها الإخوة أن تعلقوا آمال النجاة على العفو فذلك مبدأ إسلامي راسخ لا جدال حوله ، لكنه مع ذلك يأتي متأخرا ومبنيا على امتلاك ولي الدم السلطان والقدرة والنصرة على القصاص مثلا بمثل : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا).
لا أرى هذه الدعوة المنتنة الناشزة بين مجتمعنا نابعة من رقة قلب إيمانية أو إنسانية ، ولا أظنها كذلك صادرة عن فقه تجديدي في الدين ، أوفهم عميق لواقع المسلمين ، فعلى حماتها ورعاتها الكشف عن وجههم الحقيقي ، وعما وراء تلك الأكمة.
محمد المصطفى ولد زين
Mostaphazein@maktoob.com
|