ساستنا والحطيئة: حروف في علم الرجال |
الاثنين, 06 فبراير 2012 10:37 |
فالأمور العامة لا ينبغي أن يليها في عرف الشعوب المتزنة فكرا، والمستقيمة رأيا، إلا من كان له حظ من علمٍ يزن به المواقف، وعقل يرتب به الأولويات، وخُلُقٍ يَقِيهِ بوائق التصرفات، وحِلمٍ يعتصم به من استفزاز الخصوم، وقناعة تحفظه من الدوران مع المصالح الشخصية الضيقة، وحياءٍ يصونه من ذُلِّ التزلف، وعزة نفس تحول بينه وبين فضيحة النفاق، وإنَّا قاطني بلاد السيبة لم نعد بعد استفحال كارثتنا الأخلاقية، ورسوب ساستنا في جميع الامتحانات؛ نشترط من تلك الصفات، أو نطلب على الأصح من قادتنا المحترمين إلا عفة اللسان، وأدب التعبير؛ فمن تراثنا الخالص أن " قول مالا ينبغى لا ينبغي......."، ومن تصوُّفِ امرئ القيس الجاهلي:إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ...............، وقياما بفرض الكفاية عمن آذته أساليب ساستنا الساقطة، وخطاباتهم المتهاوية، أردت تبيين قدر هؤلاء العظماء، مقارنا لهم مع غيرهم من ساسة الدنيا،ورعاة الأمم، وقد أضناني البحث في كتب التاريخ، ومعاجم التراجم، وأسفار الأدب عَلِّي أعثر على رجال أقارن بهم زعماءنا العظماء، وساستنا المحنكين، وقادتنا التاريخيين، _معارضة وموالاة _ حتى استبد بي اليأس في الوقوف لهم على شبيه، ثم أسعفني الأصفهاني –لا عدمتُ أغانيَه- بنصٍّ بديع ذكره في ترجمة جَرْوَلْ بن أوس المعروف بالحطيئة سلف ساستنا؛ فقد جاء في الأغاني من صفته أنه "كان ذا شَرٍّ وسَفَهٍ، ونسبُه متدافع بين قبائل العرب، وكان ينتمي إلى كل واحدة إذا غضب على الآخرين، وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام؛ فأسلم ثم ارتد". الأغاني،ج2/ 149. فهل رأيت أخي القارئ -أبقاك الله- وصفا لساستنا الموقرين أبلغ من وصف الأصبهاني لسلفهم هذا. مع الاختلاف طبعا في مفهوم الجاهلية والإسلام والردة والقبيلة من مفهوم شرعي إلى مفوم سياسي جديد يقترض المصطلحات الشرعية؛ لتوظيفها في مرادفاتها السياسية المحدثة. متع الله الجميع بنعمة الإسلام وختم له بالحسنى. وإلى المقارنة المخجلة الشر والسفه: إن من شر الشر فى الديمقراطية أن تكره الناس على ما لا يريدون، أو تفرض عليهم رأيا لايقتنعون به، وهذا ما اعتاده ساستنا الموقرون في المواسم الانتخابية لاختيار حطيئة لا يقول الشعر، أو أيام الانتساب لحزب جديد الاسم قديم الأشخاص والأساليب؛ باسم الحسب والنسب، والدين والطين، وهذا ينبوع من ينابيع الشر أفسد القيم، وأهلك الحرث والنسل، وزرع النفاق وبذر الشقاق، وأبعد الأخ عن أخيه، وللسفه معنيان أحدهما ساد بعكسه الأحنف رحمة الله عليه، والثاني معنى شعبي يقصد به تبذير المال وتاريخ القوم مع المال العام "شرحه إملال سامع وإفناء زمان"كما يقول شيخ المعرة. وأقبح التبذير قضاء ليال الله أعلم بها، أوشراء الخيل المسومة، والأنعام المتنوعة، وتفجير الأرض ينابيع لها فى البيد، مع عطش الناس وجوعهم، علما أن الحطيئة –قدس قريضه- من بخلاء العرب الأربعة كما في سند ذهبي عند أبي الفرج. مخضرمون أدركوا الجاهلية والإسلام: جاء في ترجمة الشيخ جرول الحطيئة أنه متصرف في جميع فنون الشعر إلا أنه اشتهر بالهجاء فقد هجا نفسه ومن حوله قَرُبَ أو بَعُدَ. وإن طريق ساستنا في التعبير عن خلافاتهم غير المبدئية طبعا أسلوب جرولي بامتياز؛ فبعد الانقلاب الارتدادي الأخير أحيا ساستنا من فاحش القول وبذيء التعبير ما يسك المسامع، ويخجل أصحاب النقائض؛ فالرمز مسعود كان يعير الجنرال بقلة احترامه للكبار، وقد هجاه بكل شيء حتى شملت رائعته البديعة التي كتب أيام الحملة الأخيرة بطن الرئيس، وحطب الرئاسة، وخالاته المصونات بالحي الساكن، كما تكلم الجنرال أيضا عن أشياء من هجو الشيخ مسعود أستحيي من ذكرها، وكان الجنرال فارسَ الَحلْبَةِ في سباق الهجاء هذا؛ فقد عيَّرت قوافيه أقران أبيه من قادة الجبهة الوطنية حينها بخفة اليد، كما وصم ابن عمه الأكبر بالجبن، والنوم الثقيل ليلة الثالث من أغسطس عام 2005.وقد أبدع الجنرال حين اشترط على وزير سجين أكل مُدٍّ من الأرز الفاسد؛ ليخرجه من الظلمات إلى النور، وإنصافا لتاريخ الهجاء أقول: إن في مهاجات رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية لطرافة في المواضيع، وتحليق فى التعبير. وقد اقتدى بفخامته أحد أعضاء كتيبته البرلمانية، فجعل أحزاب المعارضة بلحمها وشحمها فسيفساء، وقد ساء الأدبَ أحدُ وزرائه الانقلابيين فوصف الشيخ الوقور مولانا سيد محمد ولد الشيخ عبد الله -قُدِّسَ سره- بالحالم يقظة؛ لأنه أعلن تمسكه بخِيَار الشعب، واحترام الدستور. لكن النصوص الهجائية التي أعيا النقادَ فهمهُا تلك التي جادت بها قريحة طبيب الأدباء وأديب الأطباء الشيخ ولد حرمة في هجاء المعارضة وتقريظ قُطْبِ انواكشوط الأكبر أمير المؤمنين رجل المساجد والمصاحف عزيز، وسبب غموض نصوص الطبيب المادح والوزير الشامت أن الناس تربأ به عن هذا الأسلوب الهاجي المُقرِّظ، فلدى معاليه من الوعي التاريخي ما يعلم به أن الأيام دول، وأن الطريق طويل، وأن من قال ما في صدره لم يبق في صدره شيئ، فإن كان و لا بد من متابعة الشيخ جرول حذْوَك النعل بالنعل؛ فيكفي من القلادة ماأحاط بالعنق. أما وقد ترك الطبيب المحترم شجون المعامل، وتغَافَل عن أنات المرضى، وتشاغل بتقريظ العسكر، وهجاء المعارضة بطويلات عريضات لا يراها الرفاق من بنات فكره، وأتى بمعلقة مطلعها: زعم الفرزدق ......فإن المعارضة أتت بأخرى مطلعها: كم خالة لك ياجرير. ثم أخذت الأغلبيةَ العزةُ بالإثم والاستبداد فأنشدت: هذا ابن عمي في دمشق خليفة. فتثاءبت المعارضة وحَدَت بصوت أشج: بيت زرارة محتب بفنائه. فاختفى الفرق بين قريض الفرزدق وقوافي جرير، كما ضاعت أخلاقنا في هذه المعركة الحطيئية الجبانة التي أسفرت عن هزيمة منكرة للقيم والأخلاق، وكانت نتيجتها تاريخا مشوها، كما كان الفداء سمعة بلد، والقلوب بيد الله. وكأني بمن يقرأ من الأغلبية يأخذ عليَّ عدم ذكري لقصائد المعارضة في هجائها فأقول: هل للمعارضة في جميع الآفاق عملٌ إلا هجاء الحكومة وما يدور في فلكها من الشامتين الواعظين، والمطبلين المزمرين، سَيِّمَا وقد وَجَدَتْ مكان القول ذا سعة، ووجَدَتْ ألسنة قائلة كلسان العميد بدر الدين والنواب الأحرار حفظهم الله. فاللهم إنا نسألك عفةً في اللسان، واستقامةً في الخلق ، وسلامةً في الصدر، وأمانةً في اليد، ووعيا في التاريخ، وثباتا على المبادئ، وقناعة بما قسمت، وتعَفُّفاً عن أقوات الشعوب، وشهامة عن الارتهان لكائن من كان، ووفاءً.............................. بقلم : ابو اسحاق الدوبري |