اللعب على الذقون . |
الخميس, 16 فبراير 2012 20:51 |
لا أعرف أصلا لهذه الكلمة إلا أني أعرف أن المشارقة يقولونها كناية عن من يحاول أن يقنع الناس بأحابيله و قصصه الكاذبة التي لا تقنع أحدا، بل مجرد محاولته إقناع الناس بها يعد نوعا من اللعب على ذقونهم و استصغارا لعقولهم و أفهامهم ، و أعرف كذلك أنه ما نسمعه كثيرا عند الكتيبة البرلمانية التي تجندها الحكومة للدفاع عن برامجها و خططها المشبوهة. هذه الكتيبة التي يتطوع فيها جل القادمين للبرلمان من أحزاب المعارضة ، و لعله يكون نوعا من قطع العلاقة مع المعارضة و إقناع الموالاة بانتمائهم الحقيقي لها . يحاول هؤلاء تسويغ بعض الأفكار كأنها حقائق ، و يداومون على سردها و تكرارها حتى يحسبون أنها غدت مسلمات , و كأن القضايا تكتسب صدقيتها من تكرارها ، متناسين أن الحق لا يتحول كذبا و أن اليقين لا ينقلب شكا مهما كرره البعض و دافع عنه . المقدمة المفضلة لدى هؤلاء و التي يظنون أنهم من خلالها سيوقفون الربيع العربي على مشارف بلادنا دون أن تتأثر به ، فيقولون إن الرئيس ولد عبد العزيز هو صاحب أول ثورة ربيعية لأنه طالب بالحوار و مكافحة الفساد ، متناسين أن الجيش في موريتانيا اختطف الثورة الشعبية التي كانت الظروف مهيأة لها و الاحتقان على أشده ، فآثر أن يضحي بمعاوية و ينجو بجلده ، فوجدت فيه الطبقة السياسية متنفسا مما كانت تعيشة ، و تعاملت معه بحسن نية متناسية أن الجيش لا يعرف إلا طريقا واحدا هو طريق الدبابة و راجمة الصواريخ . و أن للديمقراطية و إدارة الشعوب أهل غير هؤلاء .أما الانقلاب الثاني فلم يكن ربيعا و إنما جاء في حمارة القيظ و لأتفه سبب قيم بانقلاب من أجله في التاريخ . يتشدق هؤلاء بمكافحة الفساد و يعدون الكثير من الخطوات التي قيم بها من أجل ذلك ، و عندما تتابعهم في طرحهم تجد أن جميع من سلطت إليه سهام الفساد و دعاواه كان بعض المسؤولين المعارضين أو القريبين من ذلك ، أو بعض رجال الاعمال من المعارضة من مجموعة واحدة و من جهة واحدة و من اتجاه سياسي واحد ، أما المفسدين الذين شن عليهم الرئيس حملة أيام قدومه إلى القصر فكلهم الآن في حزبه أو الاحزاب التي يحاور . إنه نوع من مكافحة الفساد بفساد آخر ، يحل محله و يبني انقاضه عليه . أما حجتهم القوية فهي حول المشاركة السياسية ، فهم يرون أن وسائل الاعلام مفتوحة أمام الجميع و بالتساوي فيكتشف المتابع لوسائل الاعلام أن ما يتكلمون عنه هو محاولة لإدارة ندوة بين المعارضة و الموالاة استدعوا لها النائب بدر الدين و القاسم ولد بلال ،( أيام كان معارضا ) و نتيجة خطوات غير متفق عليها جمد الموضوع ، عدى ذلك لا يمكن لأي كان أن يرى أحد زعماء المعارضة أو أحد كوادرها أو مثقفيها في التلفزيون الوحيد للبلد ، و الذي لا يجد ما يقدمه لمشاهديه سوى برامج ذابلة تتم إعادتها عشرات المرات . أما المشاركة في الصفقات و التعيينات فلا يمكن لأحد ( و لو كان من الكتيبة إياها ) أن يقول إن رجال أعمال المعارضة حصلوا على صفقة أم تمويل مشروع و لو قل ، أما التعيينات فقد عين منذ الانتخابات الأخيرة حتى اليوم قرابة 300 شخص لا ينتمي أي منهم للمعارضة ، و كأن أطر و مثقفي المعارضة في دولة أخرى أو لم يبقى لهم الحق في التعيين _ و هذا ما يسمونه المشاركة ، إنها مشاركة طرف واحد لنفسه . إنهم يعيدون نفس الخطوات التي قادوا بها معاوية إلى الانقلاب ، فهم يقفلون طريق النصح السليم و التقويم و يصفون الحالة لسيادة الرئيس بأنها مثالية فما قاموا به أكثر من ممتاز ، ويحلفون له أن الدول المجاورة ترسل وفودها للاستفادة من تجربتهم و كما يضحكون على ذقوننا يضحكون على ذقنه مع الفارق . كل هذا يقولونه و يفعلونه ، و نسكت عنهم لأنهم سبق و فعلوه أيام كانوا مع معاوية و قبله مع ول هيدالة ، إلا أن الشيء الذي لا يمكن الصبر عليه ، و لا السكوت عنه ، هو أنهم صاروا يقولون إنهم معروفون بالصدق و عدم التزلف و أن الشعب يعرف أنهم لا يطبلون و لا يصفقوان لأحد ، هذه ثالثة الاثافي التي لا يمكن السكوت عنها ، فهم ربما لا يعرفون أن الذاكرة الجمعية للشعوب قوية و لا يتسرب إليها النسيان و أن التوثيق الحي صار سهلا جدا ، و أنه في دول الجوار بدأ الناس يحاكمون على مواقف مضى عليها عشرات السنين ، و كما أن الثورة لا راد لها ، فإنهم بأسلافهم لاحقون . على من يحسبون أنهم يحسنون صنعا أن يتعاملوا مع الوضع الراهن للبلد بجدية ، و أن يكفوا عن الجري وراء مصالح شخصية ضيقة _ لا أظنها ما زالت متوفرة _ و أن لا يرهنوا البلد في أكاذيب ، عليهم أن يوجهوا الرئيس و الحكومة حتى يتم تدارك ما يمكن تداركه ، فالوضع حرج ، و الأزمات تحيط بنا من كل مكان ، و المد الثوري قادم ، و عليهم أن يعرفوا أن ما عجر مبارك و زين العابدين و الاسد و صالح عن وقفه ، لا يمكن لنا نحن أن نوقفه ، خصوصا أنه سيأتينا من كل مكان ، فاليهتموا بالشأن الداخلي لتلافيه ، و يكفوا عن تصدير مشاكلهم للجيران ، فلا الجيران سيقبلون ذلك و لا المشاكل ستقبل التصدير . بقلم : محمد سالم ولد الشيخ . |