الأمن الاجتماعي في الحج
السبت, 06 نوفمبر 2010 22:24

حرص الإسلام في مجمل تشريعاته على الأمن الاجتماعي؛ فنهى عن الظلم والحيف، والكبر والاستعلاء، والغيبة والبهت، والسخرية والاستهزاء، وأمر بالعدل والقسط، والتواضع والرحمة، والصدق والإحسان..

وقد جعل الله الحج دعيمة من دعائم الإسلام التي يقوم عليها بناؤه "بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" (صحيح البخاري)

والحج دورة أخلاقية وفكرية، من بين الجوانب التي تركز عليها الأمن الاجتماعي، يلاحظ ذلك المتتبع لتشريعات الحج ومناسكه.

التجرد من المخيط:

 

من الأمور البارزة التي يميز الناس بها بعضهم من بعض الملابس؛ فهي تميز الغني من الفقير، والعسكري من المدني، والرئيس من المرؤوس، والشرقي من الغربي، وقد أمر الإسلام الرجل المحرم بنزع ملابسه العادية ولبس ملابس خاصة هي ملابس الإحرام التي تعرف في المصطلح الفقهي  بـ(التَّجَرُّدَ مِنْ الْمَخِيطِ) ، كما أمر المرأة المحرمة ببعض التغييرات في ملابسها، كـ(نهيها عن لبس النقاب والقفازين) كما في حديث عبد اللهِ بْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : "لاَ تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ ، وَلاَ الْعَمَائِمَ ، وَلاَ الْبَرَانِسَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ ، وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ ، وَلاَ الْوَرْسُ ، وَلاَ تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ ، وَلاَ تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ." (صحيح البخاري)

وفي هذا التشريع ما فيه من تأمين مجتمع الحجاج من الآثار السيئة الناشئة عن تكبر الأغنياء على الفقراء، والنظر إليهم بنظرة الازدراء ، وترفع الكبراء على عامة الناس و التسلط عليهم.

 

منع  الصيد:

عندما يبدأ الحاج مراجعته لأحكام الحج سوف يمر ـ ضمن محرمات الحج ـ بتحريم الصيد البري على المحرم  كما سوف يمر عرضا على تحريم الصيد ، وقطع الشجر، والاتقاط اللقطة داخل حدود الحرم على الجميع، محرمين كانوا  أو غير محرمين، قال الله تعاليى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة : 96] وعَنِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي ، وَلاَ لأَحَدٍ بَعْدِي أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا ، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ" (صحيح البخاري)

وتحريم الصيد ـ وإن كان في الوقت الحاضر غير متوفرـ فإنه يشعر المحرم بحرمة زائدة لمجتمع الحجيج، والأرض التي يمارس فيها نسكه، لأن المنع من قتل أو تنفيربهائم وعجماوات لا تعقل ولا تدرك، والمنع من قطع أشجار هي جمادات لا تحس ولا تشتكي، وقطعها حلال في غير هذا المكان يثير ـ لا محالة ـ شعورا عند الحاج يدرك من خلاله مدى الخطورة الكبيرة في انتهاك حرمة الإنسان الحاج الذي كان مأمورا باحترامه ومنهيا عن انتهاك كرامته والبغي عليه، وتظهر الأهمية الكبيرة لإدراك الحاج لهذا المعنى عند الزحام في مناسك ومشاعر تعتبر مركزية  في عملية الحج: كالطواف، والسعي، ورمي الجمار.. وبهذا يكون تحريم الصيد نوعا آخر من أنواع الأمن الاجتماعي للحجاج.

 

فلا رفث ولا فسوع ولا جدال في الحج:

أما منع الرفث على المحرم فيدخل دخولا أوليا في الأمن الاجتماعي في الحج، فبمنع الحاج من الرفث ينقطع طمعه في ما كان مباحا له أصلا من زوجه؛ إذإن لام النفي في قوله تعلى: {فلا رفث} تدل على المبالغة في النهي، و"الرفث كلمة جامعة لما يريده الرجل من أهله... قال ابن العربي: المراد بقوله" فَلا رَفَثَ" نفيه مشروعا لا موجودا" (تفسير القرطبي - 2 / 407) ولا يجوز للمحرم مجرد عقد النكاح، بل ولا الخِطبة؛ فقد قَالَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم- "لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطبُ" (صحيح مسلم). وفي هذا احتياط واضح لأمن مجتمع الحجيج.

ولعل الحجاج هم أكثر الناس إدراكا للحاجة الماسة إلى والوازع الذاتي عند الحاج، في تلك الأيام التي يحصل فيها الاختلاط في المناسك والمساكن والمرافق بين الرجال والنساء، في جو يجمع الأعمار المختلفة، والأشكال المتعددة، والألوان المتنوعة، إن هذا الوازع هو الذي يمنع الحاج ـ وهو يتذكر قو رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"(صحيح البخاري) ـ من خيانة إخوانه الحجاج وانتهاك أعراضهم، ويدفعه إلى المحافظة عليها والذود عنها.

وأما الفسوق فهو الخروج عن طاعة الله تعالى بارتكاب أي معصية من المعاصي ، كما قال مجاهد والزهرى، ولا يخفى ما للبعد من المعاصي من جلب الأمن، قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}  [الأنعام : 83] وكان  حبر الأمة ابن عباس يفسرالفسوق في الأية بـالسباب ، وهو تفسير وجيه لما في عملية الحج من خلطة تدعو الذين لا يملكون أنفسهم بخير إلى السب والشتم والوقيعة في الآخرين.

وأما الجدال فقال ابن عباس : هو أن تمارى صاحبك حتى تغضبه . وقال طاوس : هو جدال الناس . والجدال مظنة لإثارة الغضب في النفوس، ولا يملك نفسه عند الغضب إلى الأقوياء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ" (صحيح البخاري) ولذلك كان منع الجدال في الحج من أصله من الاحتياطات الأمنية اللازمة لمجتمع الحجاج.

 

إعداد عبد الله أحمد منيا

menneyya@gmail.com

الأمن الاجتماعي في الحج

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox