أنقذوا صوت الشاعر محمد الحافظ ولد أحمدو
السبت, 13 نوفمبر 2010 15:15

أبو اسحاق الدويري

اعتدت أيام التسكع بعاصمة الذهول أن أعوج إلى بيت الشاعر الفحل محمد الحافظ ولد أحمدو باحثا عن شهوات السمع والبصر, ففي بيته ما يجلو غشاوة الأبصار من دواوين العرب , وأسفار الأدب ,وفي حديثه من طريف الذكريات , ودقيق الملاحظات, ما يشحذ الخاطر, ويضحك الهرم الناسك, لاسيما إن حدث عن أيام بغداد وذكرياته في شارع مولانا الشيخ أبي الطيب –طيب الله ثراه-حيث  أم كلثوم تشدو في طرف منه وعبد الباسط عبد الصمد يرتل في الطرف الآخر.

 

فبغداد حينها كالبصرة أيام الحريري كما في المقامة الحرامية :
بها ما شئت من دين ودنيا    وجيران تفانوا في المعاني
فمشغوف بآيات المثاني     ومفتون برنات المثاني
ومن تلك الأيام عشق شاعرنا الصوت الحسن, وقد لاحظ أن حسن الصوت في بلاد أوروار كعنقاء مُغرِب حتى فيمن يرجى ذلك منه كالغواني والمؤذنين , ومن طريف أحاديثه صداقته مع الشيخ البركة الدكتور محمد الأمين ولد مزيد–أطال الله بقاءهما –فمحمد الحافظ كما يقول عن نفسه صوفي ينحو منحى ابن عربي وابن الفارض وذا حساسية مفرطة من ابن تيمية ويرى أن  الشيخ مزيدا يميل إلى ابن الشيخ الحراني ومن تبعه, ويشبه صداقتهما بصداقة الشاعرين الكميت والطرماح  تلك الصداقة التي قال عنها صديقنا الجاحظ في البيان والتبيين :"قال أبو عثمان الجاحظ ولم ير الناس أعجب حالا من الكميت والطرماح وكان الكميت عدنانيا عصبيا وكان الطرماح قحطانيا عصبيا  وكان الكميت شيعيا من الغالية, وكان الطرماح خارجيا من الصفرية وكان الكميت يتعصب لأهل الكوفة , وكان الطرماح يتعصب لأهل الشام, وبينهما مع ذلك من الخاصة والمخالطة ما لم يكن بين نفسين قط ولم تجر بينهما جفوة ولا إعراض ولا شيء مما تدعو هذه الخصال إليه".
وذكر صاحب الأغاني أنهما اتفقا مع تباين المذهب على بغض العامة , وإن أنس  من الأشياء لا أنسى ذلك اليوم الذي زرت فيه الحافظ الشاعر مع قوم أعزة أنْعِمْ بهم أدبا ومروءة فنلنا ما يلقى الضيوف عند بيت حاتم, وما ينال العفاة عند معنِ بن زائدة ,مع حديث لا يُمل سماعه فلما دنت الشمس للغروب أردنا الانصراف فدخل الشاعر إلى خزانته وأخرج قمطرا فيه أشرطة (كاسيت)كبيرة كأنها جفان عبد الله بن جدعان, وقال لأحدنا بالله عليك إلا أنقذت هذه من يد الضياع وعبث السنين , وقال لنا هذه هي الأشرطة التي كانت إذاعتنا تسجل عليها برامجها , وكأني بالقارئ لما ذكرت الإذاعة تذكر أيام محمد الحافظ فيها تلك الأيام المملوءة شعرا وأدبا  يوم مع (الصورة المشمومة والمسموعة والمرئية من شعر علقمة الفحل) ويوم مع الملك الضليل في مجونه وطلبه للثأر , وحينا مع زهير في حكمه المحلقة ومدحه للجواد هرم بن سنان , وتارة مع أبي تمام في فتح عمورية أو رثاء المجاهد محمد بن حميد وطورا مع المتنبي أشعر الإنس والجن, هو تاريخ ناطق من الشعر والأدب والنقد الطريف مضاف إليه صوت محمد الحافظ وذوقه وتفاعله.
مصيره ذلكم القمطر الحزين على أرض الشعر والشعراء تحية من اللامبالاة وسلام من العقوق, إن ذلك التراث الذي أنفق عليه شاعرنا من دمه ولحمه فسمعناه غضا طريا كما نزل به الشيطان اللعين من وادي عبقر على أخيلة الذين يقولون ما لا يفعلون يؤول بين أيدينا إلى الضياع , صبرا يا صاحب الصوت الندي إنا أحفاد الذين عاش التوحيدي بين ظهرانيهم أحقا أنا لا نستحق الإمتاع والمؤانسة  ولا المقابسات ولا عودة الهديل, مسكينة أنت أيتها الإذاعة مسكين من يمر أمامك مسكين من يعرف مكانك طبّلْتِ لمُعاوية عشرين عاما ولم تستفيدي من حكمته الخالدة حين قال لأهل كنكوصه لما رأى طماطم هم الحمراء : ضعوا هذا في الشبكة العنكبوتية (الانترنت) , ألا يستحق عليك هذا الرجل الذي أنفق عليك شبابه وبح صوته في جنبا تك أن تصدري قراءاته النقدية في كتاب مع أسطوانات مسموعة تقديرا لجهوده وتعميما للفائدة عفا الله عنك أيتها الإذاعة , وسلام على الشاعر محمد الحافظ وسلام على المضنون به على غير أهله وسلام على الناقد الألماني (تيشط)  .
محبك أبو إسحاق الدويري

أنقذوا صوت الشاعر محمد الحافظ ولد أحمدو

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox