رسالة إلى الشيخ صالح المغامسي ... حول الرق في موريتانيا |
السبت, 28 أبريل 2012 11:03 |
بقلم: الهادي بن محمد المختار النحوي فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته لا يفوتني استهلالا أن أسجل إعجابي بعلمكم وأسلوبكم في الدعوة وفقا لمتابعاتي من وقت لآخر لمحاضراتكم وأحاديثكم التلفزيونية وخاصة حصص تفسير القرآن الكريم. قرأت في بعض المواقع الموريتانية خلال الأيام الماضية أن إذاعة القرآن الكريم الموريتانية بثت لكم قبل أيام محاضرة تحدثتم في جانب منها عن الرق في موريتانيا وحسب الخبر الذي قرأت – ولم استمع للمحاضرة مباشرة – فقد طلبتم أن يبادرأصحاب الكفارات في السعودية والخليج عموما إلى شراء العبيد من موريتانيا وعتقهم وحسب الخبر أيضا فقد حددتم السعر ب 10 آلاف ريال للعبد. لن أناقش هنا فضيلة الشيخ موضوع إثبات الرق من عدمه في الشرع الحنيف لأن هذا ليس هو الموضوع إنما الهدف من هذه السطور تنبيهكم إلى بعض الجوانب السياسية والاجتماعية والإنسانية التي غابت عنكم على الأرجح.. والراجح لدي أن حديثكم جاء في سياق تاريخي لم تطلعوا على تفاصيله وغاب عنكم كذلك الواقع السياسي والاجتماعي في موريتانيا اليوم. إن تاريخ العبودية في موريتانيا أقل ما يقال فيه إنه مظلم وشائك لكن الذي لا تخطئه العين فيه هو الظلم الذي وقع على شرائح واسعة من أبناء المجتمع ولدتهم أمهاتهم أحرارا.. إن ديننا كما تعرفون فضيلة الشيخ جاء ليكرم الإنسان لا ليهينه ومسؤولية العلماء والمشايخ أكبر من غيرهم في التنبيه على ذلك .. فقد حرم ربنا جل وعلا الظلم على نفسه ونهى عباده عن الظلم كما ورد في الحديث القدسي وكما ورد في كثير من الأحاديث الشريفة أنتم أدرى بها.. لن أجادلكم فضيلة الشيخ ببعض القواعد الأصولية مثل درء المفاسد وارتكاب أخف الضررين فأنتم في مقام المعلم في هذا المجال. فضيلة الشيخ الرق في موريتانيا يصعب وفقا للسياقات التاريخية لممارسته و تبريره من الناحية الشرعية وإن كان بعض من مارسه تأولوا ولم ينتبهوا إلى أبعاده الإنسانية والشرعية عن حسن نية أو استغفال والأمر يخص فترات تاريخية لا نتحمل نحن أجيال هذا العصر مسؤوليتها ( تلك أمة قد خلت ) لكن ذلك لا يعفينا من التنبيه لخطورة ما حصل من تجاوزات وظلم ضد إخوة لنا في الدين والإنسانية.. فضيلة الشيخ العبودية في موريتانيا ألغيت رسميا في موريتانيا منذ السنوات الأولى لاستقلال البلاد وتم تأكيد إلغاء العبودية سنة 1981م بقانون بعد استشارة واسعة للعلماء، وأصدر البرلمان قانونا جديدا بتجريم العبودية سنة 2007م خلال ولاية الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.. مع الاعتراف بوجود مساحة واسعة بين سن القوانين وتطبيقها. ودعوني أكون صريحا لأقول لكم إن من يتحدث عن شراء العبيد في موريتانيا اليوم إنما يسهم بقصد أو عن غير قصد في إثارة الفتنة وتعميق الشرخ الاجتماعي في النسيج الاجتماعي الموريتاني. لا يوجد في موريتانيا اليوم عبيد للبيع أو الشراء، ومن يتحدثون عن وجودهم من أبناء موريتانيا ويعرضون بيعهم يخشى عليهم أن يكونوا ممن يبحثون عن السحت، ويأكلون أموال الناس بالباطل ويأكلون في بطونهم نارا، فالآثار الباقية من الرق – إن وجدت – هي آثار ظلم وجهل. ... إنما يوجد اليوم عقلاء من أبناء البلد يسعون لإطفاء ومحاصرة الفتنة في البلاد وإنصاف الأرقاء السابقين ورد المظالم لبناء مجتمع العدل والمساواة مجتمع لا يفرق بين عربي أو أعجمي ولا بين أحمر وأسود إلا بالتقوى.. فضيلة الشيخ، لا أخفيكم أن المقطع الذي تعرضتم فيه للعبودية في موريتانيا – حسب الخبر المنشور- استقبل بكثير من الإحباط وعدم التفهم من مختلف شرائح الموريتانيين مع احترامهم لكم كداعية يبين للناس شرع الله .. لقد اعتبر ذلك المقطع إساءة للمجتمع الموريتاني بل اعتبروه إساءة لكم أنتم قبل غيركم .. نحن بحاجة إلى علمكم لإنصاف المظلوم وإخماد الفتن وتبيان مقاصد الشرع في سد أبواب الفتن التي تعصف اليوم بمجتمعاتنا من أقصاها إلى أقصاها.. ونحن بحاجة لعلمكم لتبينوا للناس في موريتانيا وفي غيرها أن الظلم ظلمات وأن هذا الدين العظيم دين الحرية والكرامة والعدل ... ونحن بحاجة لعلمكم لتنصحوا العلماء والدعاة والفقهاء في موريتانيا للمشاركة بصدق وتجرد انطلاقا من مقاصد الشارع ،في إزالة بقايا مخلفات الاسترقاق في موريتانيا – وكما ذكرت فولاة الأمر في البلاد قد أعلنوا في أكثر من مناسبة إلغاء الرق في موريتانيا بغض النظر عن التزام أو عدم التزام بعض ممارسي الاسترقاق بهذه القرارات .. فضيلة الشيخ ، نحتاج منكم اعتذارا أو كلمة طيبة تصححون بها ما نسب لكم في قضية بيع العبيد في موريتانيا ، فأنتم بذلك تعززون وحدة المجتمع الموريتاني وتبعدونها عن فتنة نسأل الله أن تبقى بعيدة عن بلدنا وعن جميع بلاد المسلمين، وأنتم بذلك تدرؤون عن الملة الحنيفية السمحة سهام المغرضين، وكثير ما هم.. وفقكم الله .
|