بقلم: محمد ولد امود

يثير إقدام مناصري حركة إيرا الحقوقية المختصة في الدفاع عن مظالم لحراطين الكثير من الاستغراب حيث إن الحركة بدأت خلال السنوات الأخيرة تتجه لإنتاج مواقف سياسية أكثر شمولا واهتماما بالمشاكل والقضايا الوطنية الكبرى وما فتئ قائد الحركة بيرام ولد الداه ولد اعبيدي يطلق مبادرات وتصريحات سياسية تقدمت بالحركة نحو الهم الوطني العام  بعدما صورتها وسائل الإعلام المعادي لها بصور "نمطية" كتلك التي كثيرا ما أنتجتها الآلة الدعائية للأنظمة القمعية الموريتانية ووصمت بها خصومها السياسيين باستمرار.

إنني أدرك أن هذا السلوك جاء لمعالجة العديد من المشكلات والملابسات السياسية فهو يريد أن يسجل ردا على تصريحات وفتاوى المنكرين للعبودية ويريد أن يعيد الحيوية الإعلامية للحركة بعدما غابت لأسابيع عن واجهة الحدث الحقوقي والسياسي كما يجتهد في التأكيد على الخط الراديكالي الساعي لتثبيت الخط النضالي في وجه موجة الانشقاقات المفتعلة التي روجت لها الأجهزة الأمنية خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة.

 
وما كان للحركة وهي تتقدم باتجاه قيادة النضال الوطني الجامع وتتصدره أن تقبل بأي حال أن تسمح للآلة الدعائية أن تعيدها لنقطة الصفر "كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا" فمن الواضح لكل مدرك للسياق السياسي لهذا الفعل أنه أخطأ في الوقت وأخطأ في الأسلوب وفتح المجال لتراكمات وردات فعل من طرف الأروستقراطية البيظانية.

إن حركة إيرا بهذا الموقف قد شوشت من حيث أرادت تحقيق أهدافهاالجزئية التكتيكية الخاصة بها وساعدت النظام على تحقيق مآربه في شغل الرأي العام بقضايا هامشية للتأثير والضغط على شعار الرحيل لحشره في الزواية وإبراز العديد من القضايا المؤثرة على الرأي العام الوطني.

خطة أمنية

ومع إدراكي للدوافع الحقيقية التي لموقف الحركة فإنها في هذه اللحظة ظهرت كما لو كانت تنفذ أجندة النظام الذي احتفى بهذه الخطوة واتخذ قرارا ببثها على التلفزيون الرسمي كما تؤكد العديد من المؤشرات أن ابن عم الرئيس الناشط في مخابرات النظام والذي هو منتج لمكتب إحدى القنوات الهامة قد اتخذ قرارا بتغطية هذا الحدث بشكل خاص لأن هدف النظام من هذه التغطية يتجاوز قيمة الحدث ذاته خصوصا وأن هذه القناة معروفة بتهميش بيرام وحركته وقليلة هي المرات التي يحضر فيها ابن عم الرئيس لتغطية أنشطة إيرا إلا إذا كانت في صالح النظام.

ومن تناقضات عمل هذا المنتج المكشوفة أنه حضر لتغطية انشقاق الشاب لحبوس ولد سالم ولكن لحبوس انقلب على مجنديه كاشفا النقاب عن أكبر فضيحة لجهاز أمن الدولة الموريتاني الذي عجز عن تجنيد الرجل ولم يكتشف أنه يقوده لفخ وفضيحة مدوية لا تزال آثارها سارية فقام هذا المنتج بالتعتيم على الخبر ولم تنبس حوله القناة ببنت شفة.

إن النظام الموريتاني يعمل الآن على خلق فتنة اجتماعية بين مكونات شعبنا مستغلا العاطفة الدينية الجياشة لدى الشباب من أجل التأثير على الرأي العام الشعبي الذي نجحت المعارضة في تعبئته خلال الأشهر الأخيرة وقد نجحت خطته جزئيا لحد الساعة في جعل عملية حرق كتب المذهب المالكي وسيلة للتعبئة والحشد الاجتماعي المناهض لهذا الفعل.

إن الجماهير للأسف لا تدرك أن المنكرات التي يرعاها النظام وحاشيته كل ليلة في كازينوهات نواكشوط أكثر بكثير من مجرد عملية حرق الكتب والتي قد تكون مكروهة ومستبشعة ولكنها ليست أمرا محرما بنص شرعي كما هو حال السرقة والزنى الذين تواتر ولوغ قادة النظام فيهما بأشكال مختلفة.

الاحتماء بالقبيلة

بعد ما عجزت أغلبية أحزاب الموالاة عن الدفاع عن نظام الغدر والخيانة تداعت شرذمة قبلية وأشتات جهوية من مصاصي الدماء المستفيدن من نظام الرئيس ولد عبد ولد عبد العزيز وبدؤوا حملة "أكلنا عزيز" واتضح لهم من أول لحظة أنها كانت باهتة وفاشلة فاتجه زعيم زمرة الفساد وزبانيته لإنتاج مهزلة حرق الكتب التي أحرقها في الحقيقة محمد ولد عبد العزيز أما بيرام فقد كان مجرد عود الثقاب الذي أشعل الفتيل.

إنما أحرق في الرياض ليس كتب "المذهب المالكي" وإنما أكلت ألسنة اللهب أيضا معها مساعي الخيرين من أبناء هذا البلد لتخليصه من شرذمة الفساد والاستبداد عملاء الصهيونية العالمية القابضين الآن على مقاليد الأمور يتاجرون بالشعب الموريتاني ينهبون ثرواته ويزجون بأبنائه في حروب الغير ويوظفون مواقف الدولة الموريتانية لصالح أنظمة متهالكة كالقذافي والأسد ويجدون سندا في مجموعات اللجان الثورية وبقايا وأنذال حركات القومية العربية الفاشلة.

ولكن مهما دبرت شرذمة الفساد والاستبداد فإن لكل ليل فجر ولكل محنة نهاية ولن تمر أيام قليلة حتى يفضح الله أهل الفسوق والفجور الذين يرتكبون في كل لحظة أكبر الكبائر دون أن يحاسبهم أحد من الثائرين الآن غضبا لحرق نسخ محدودة من كتب الفقه المالكي الذي نكب بعلماء السوء الذين استغلوه وسيلة للدعاية السياسية وجمع المال قبح الله سعيهم.