عن الإسلاميين والرق واستجلاب الربيع
الأربعاء, 09 مايو 2012 11:47

 أحمد ولد الوديعة 

عن الإسلاميين والرق واستجلاب الربيع

   الإسلاميون قوة رجعية تغطي على الاسترقاق بل ربما تمارسه.. الإسلاميون مخترقون من حركة الحر ومن حركة إيرا،و هم من صنع بيرام وحركة لاتملس جنسيتي، الإسلاميون قوة متطرفة لافرق  بينهم وبين قاعدة المغرب الإسلامي.. الإسلاميون أكثر علمانية من العلمانيين وأكثر يسارية من اليساريين وأكثر افرانكفونية من الافرانكوفيليين.. الإسلاميون ليسوسوى " الطبعة المتدينة من نخبة البيظان " الإسلاميون ينفذون أجندة عالمية ويريدون الاكتساح، الإسلاميون قوة هامشية يائسة.. الإسلاميون يستجدون الربيع إلى موريتانيا.. الإسلاميون يريدون تحسين وضعهم الإنتخابي ليس إلا

 

 تلك بعض العناوين المتضاربة التي ينتجها المشتبكون مع التيار الإسلامي لاعتبارات سياسية مفهومة في سياق حالة التدافع القوية التي يعرفها البلد مع تجدد أزمة الحكم المزمنة، ولأن التضارب بين العناوين السابقة كبير حد التناقض، وتقديرا للرأي العام  صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الحكم على هذا الطرف أو د  الإسهام في هذا النقاش من  موقع العارف بالتيار الإسلامي؛ بنياته وتوجهاته، وسأقتصر  اليوم على موضوعي الموقف من الرق، وقصة استجلاب الربيع على أن أعود في وقت لاحق لمواضيع أخرى من مواضيع الاشتباك المشار إليها آنفا أو ما قد يستجد من مواضيع فالمؤشرات متضافرة على أن لاحق الاشتباك لن يكون أقل سخونة  من مقدماته.

 حول  ظاهرة الرق

 بات من المتفق عليه داخل الكثير من الأوساط العلمية والفكرية أن الإسلام لم يأت بالرق، ومن باب أولى لم يات للرق، بل وجد الظاهرة منتشرة أمامه فعالجها معالجة جمعت بين تهذيب الموجود ومحاصرته، وفتح الأبواب واسعة أمام التخلص منها بشكل تدريجي، وهي مقاربة أثبتت الأيام نجاعتها  رغم محاولات الالتفاف التي قامت بها القوى المتسفيدة من الظاهرة، ولسنا هنا بحاجة للحديث أكثر فموضعنا ليس عن تاريخ الاسترقاق ولاعن موقف الإسلام من الرق خاصة وقد كفانا الأستاذ الشنقيطي مهمة  ذلك في مقاله الرائع المنشور يوم أمس تحت عنوان " قضية العبودية في كتب المالكية " أما ما أريد إضافته فيتعلق بحقيقة  موقف الإسلاميين في موريتانيا من هذه الظاهرة التي عرفها الفضاء الموريتاني منذ قرون وعانا منها وما زال يعاني عدد كبير من سكان هذه الأرض من مختلف الأجناس والجهات.

  إن العودة إلى أدبيات ومواقف التيار الإسلامي الموريتاني منذ نشأته منتصف السبعينات تظهر أنه اهتم مبكرا بقضية شريحة لحراطين، وكرس لها جزء كبيرا من عمله الميداني، وهو ما ظهر في المرحلة الأولى نشاطا دعويا وخيريا وثقافيا لأن العمل الإسلامي في موريتانيا كانت بدايته كذلك في مختلف المجالات ولم يبرز اهتمامه السياسي إلا نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات، وهنا تمكن الإشارة إلى الجهود العلمية لشخصيات بارزة في التاريخ الدعوي والفكري للتيار الإسلامي في موريتانيا مثل  الأستاذ محمد ولد سيدي يحي  و الشيخ محمد فاضل ولد محمد الأمين والأستاذ أبوبكر ولد أحمد، لقد ساهم هؤلاء كلهم بجهود دعوية وفكرية وتربوية في مواجهة ظاهرة الرق، وكشف الغطاء الديني عنها ويوجد في المكتبات الصوتية أشرطة تعود  إلى الثمانينات يجهر فيها هؤلاء بعدم شرعية الموجود في موريتانيا من الرق، وبإنكار الطريقة التي يعامل بها من يعتبرون أنفسهم حملة لواء الشرع الأرقاء والأرقاء السابقين.

 أما منذ  أن بلور الإسلاميون في موريتانيا مشروعهم السياسي مع نهاية الألفية الماضية فقد ظلت محا ربة الرق ومخلفاته من قضاياهم الجوهرية التي يطرحها ساستهم، ويهتم بها إعلامهم، ويدافع عنها نوابهم، وتعمل على محاربتها ميدانيا جمعياتهم ومبادراتهم الأهلية، واعتقد أن هذه الحقيقة واضحة لكل من بقي عنده من الموضوعية ما يستطيع التمييز به بين الليل والنهار، على أية حال أعرف أنها واضحة لنوعين من الناس؛  ضحايا الاسترقاق الذين يتابعون جيدا  كل ما يهم قضيتهم، والضالعين في ممارسات الاسترقاق المنزعجين من مواقف تواصل التحررية، والمنخرطين اليوم بقوة في حملة التشوية التي يتعرض لها الحزب ويستخدم فيها كسلاح أساسي موقف الحزب من واقعة حرق الكتب  وخاصة تجديده لموقفه الصارم من ظاهرة الاسترقاق في موريتانيا، وتذكيره بموقف مبدئي جليل لإمام دار الهجرة يضبط العلاقة بين الثابت والمتغير الملزم وغير الملزم " كل كلام يؤخذ منه ويرد إلا كلام صاحب هذا القبر عليه أفضل الصلاة وأزكى  التسليم.

 إن مما تنبغي الإشارة إليه هنا بشكل واضح أن موقف تواصل من قضية الرق  يحتمل كل تفسير إلا أن يقال إنه موقف انتخابي فالناخبون التقليديون لحزب تواصل  حتى  الآن هم في أغلبهم من المجتمع المحافظ المتحفظ على النقاش العلني لقضية الرق والمراهن على الزمن لتسوية هذه القضية التي تحبذ الأوساط المحافظة عادة أن تصفها بأنها شائكة لتدلف من ذلك  إلى فرض حظر حولها وبالتالى تأبيد الوضع القائم وتحصينه من  التغيير والتطوير، ورغم هذه الحقيقة الانتخابية تبنى الحزب موقفا تاريخيا جزم بعدم شرعية الظاهرة في أصلها وبانحرافها في ممارستها عن ضوابط الشرع وأخلاقه، وبأولوية القضاء عليها، ونصرة ضحاياها ضمن  أجندة الحزب وسياقه الدعوي والجمعوي.

 يراهن عدد ممن أسميتهم في مقال سابق حراس القطعية على أن التهييج الذى  تقوم  به وسائل إعلام النظام ضد الإسلاميين في واقعة حرق الكتب قد يدفعنا إلى التراجع عن خطنا الاستراتيجي في العمل على إنصاف شريحة لحراطين وتحريرها من الظلم الذي مورس عليها تحت أغطية مختلفة وظف فيها الفقه والمال والجاه والسلطة والسلاح ووو.. وسيكتشف هؤلاء  - وأظن أنهم  بدأو اكتشاف ذلك بالفعل -  أن رهانهم خاسر كما خسر رهانهم يوم جند مدير الديوان الحالي طلابا بيظانا وزنوجا للتناحر في الجامعة وحاول – فاشلا – تصوير الأمر على أنها  معركة بين الإسلاميين وطلاب زنوج لكن مسعاه خاب وخسر تماما كما خاب مسعاه الأخيرة فيما بات يعرف بفضيحة القصر.

 إن الحملة المشنونة اليوم في وسائل الإعلام الحكومية هي حملة منفلته من كل أخلاق وقانون وهي حملة تحريض مكشوفة على مجموعة لحراطين والتيار الإسلامي وعموم القوى " المارقة على إرادة الجنرال التائه"و تذكر هذه الحملة  بتلك  التي دبرتها ونفذتها جماعات حراس القطيعة قبيل أحداث 89 المؤلمة، وهي وإن بذل جهد استثنائي لإلباسها لبوسا شرعيا لكنها أبعد ما تكون عن ذلك  فالذى يحرك جموع هياكل تهذيب الجماهير، وخلايا الحزب الجمهوري ولجان التحسيس في الاتحاد من أجل الجمهورية ليس الشريعة  ولا الفقه المالكي ولاطريقة الجنيد ولاهم يحزنون.. إنها نفس الماكينة التي حركتهم لحملات الكتاب ومحو الأمية وأفران المصلحة، والتشجير مع فرق وحيد هو أنها هذه المرة تؤسس على بعد وجداني غائر، وتستفيد من طبيعة الأشخاص المشهر بهم الذين لاتذب عنهم قبيلة نافذة ولاينتمون لوسط اجتماعي شريك في دوائر المال والنفوذ،  دعونا نطرح السؤال بصراحة، ما ذا لو أن واقعة حرق الكتب قامت به جهة حليفة للنظام، أو من وسط اجتماعي مؤثر هل كانت فعلا ستحظى بكل هذا الزخم والتهييح والتجييش، هل كان منكرها سينكر بهذه القوة من طرف مجموعات شب أغلبها وشاب في التعايش مع مختلف أشكال المنكرات ؟

 استجلاب الربيع

  لايفتأ أنصار الجنرال ومن يلف لفهم  يتحدثون عن إصرار الإسلاميين في موريتانيا على استجلاب الربيع، محاكاة منهم لدول أخرى أو تنفيذا لأجندات إخوانية عالمية، أو لتحقيق رغبة جامحة في الوصول إلى السلطة بأي ثمن وعبر أي طريقة، وتستحق هذه القصة تعليقا على ثلاث مستويات :

    -  حقا إن المستبدين يستخفون الناس..  وإلا كيف يمكن اتهام الإسلاميين أنهم من يستجدي ويستجلب الربيع وهم آخر قوة من القوى السياسية الفاعلة في الحراك اليوم التحقت بديناميكية القطيعة مع النظام وتبني استراتيجية ترحيله.. قد يكون من الموضوعي القول إن التحاقهم بالمنسقية أعطاها زخما إضافيا، أو أعطي إشارة لبعض القطاعات المترددة أن فرص نجاح مسار الترحيل باتت أكبر.. لكن القول إنهم من اختلق التصعيد واستورده هو قول يستخق بعقول الموريتانيين المتابعين بشكل جيد لحراك المشهد السياسي.

   -  من طرائف الممارسة السياسية في حكم الجنرال التائه أن من يعتبرون أنفسهم أغلبية سياسية حاكمة يمضون أغلب وقتهم في ذم السياسة و التهجم على من يريدون الوصول إلى السلطة.. وحتى في قبة البرلمان تستمع لقائد الكتيبة البرلمانية يمد حباله الصوتية ليقول إن  ما يقوله نواب المعارضة هو "  تسييس للعمل البرلماني وتعبير عن رغبة جامحة في الوصول إلى السلطة.. " هل يريد  ناس الموالاة منا أن نشتغل بالتجارة تحت قبة البرلمان، أوأن نؤسس فرقا للترفيه أو وحدات للجمالة مثلا.

 إن الإسلاميين أصحاب مشروع سياسي يسعون للوصول إلى السلطة بالطرق الديمقراطية، ويعتقدون أن موريتانيا التي تعاقب على حكمها حفنة من العسكر الأغبياء تستحق أن تجد فرصة ليحكمها أصحاب مشاريع سياسية رزينة وللموريتانيين في وقت يفتكون فيه حريتهم تقرير من يكون أصحاب تلك المشاريع؛ إسلاميون علمانيون، مستقلون..  لايهم

و الإسلاميون يؤكدون دائما – من منطلق قناعة راسخة  - أنهم يميلون للشراكة مع كل القوى الوطنية في المراحل القادمة كما كان دأبهم خلال العشرين سنة الماضية التى تحالفوا فيها مع القوى اليسارية والقومية والوطنية والديمقراطية في رحلة بحثنا الدائبة عن عملية سياسية جدية متحررة من أحذية العسكر الخشنة.

عن الإسلاميين والرق واستجلاب الربيع

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox