النار التي تكلم العلماء تحرر العبيد/ جبريل جالو
الخميس, 10 مايو 2012 11:20

 

بديهي  أن الله سبحانه وتعالى خلق النار ليستفيد منها البشر وحدهم دون الخلائق كلها 

 النار، هذه المرة، أسالت حبرا واحترقت النار ذاتها من شدة التملق للسلطان.إن التملق أكثر تجذرا لدي الموريتانيين من الدين نفسه. إنها ثقافة الزحف علي البطون لنيل الرغيف و شحن الجيوب!

 خرج الرئيس عزيز متوعدا وطالب المتفيقهون بإعدام بيرام. وتكلم شيوخ طالما كانت ألسنتهم تحت الفراش و الظلم يطحن بصولاته ظهور الضعفاء و المغلوبين علي أمرهم في بلاد يعتز فيها بالمنارة و الرباط كل يوم أربعين مرة.

 إن الانتقام حاضر بقوة في ردود الفعل الإنفعالية التي ووجه بها  إحراق "كتب" في الرياض. و إن كنا ممن لا يري خيرا في ذلك الفعل لأنه، و ببساطة، يخدش مشاعر يجب إحترامها مهما كان موقفنا مما حوته تلك الكتب من حط لقيم الحرية و المساواة و تسويغ لممارسات عبودية نردد جميعا كفرنا بها.

الوقت عصيب!! لكن القضية، في النهاية، ستنتصر... لإنها قضية إنسانية عادلة بإمتياز. و لإنها، بكل بساطة، مطالبة واضحة برفع الظلم عن المستعبدين من أبناء الوطن و رفع الظلم عن الطبقات و الشرائح الإجتماعية المطحونة بنظرات الدونية و تطليق الممارسات العنصرية و الإستعلائية التي يؤسس لها فقه النخاسة و الخنوع و عبادة السلطان من دون الله الواحد الأحد!! و بعبارة أخري، إنها دعوة- و لو كانت صاخبة و حارقة – ليفتح "المهيمنون" عيونهم قبل فوات الأوان علي الجميع. إن دولة العبودية و مؤسسات العرق المنفرد بالسلطة و الفقه و الجيش و المال و الهوية علي حساب الآخرين من بني الوطن إلي زوال. إن الشيئ إذا بلغ حده...إنتهي!

  لا،  بيرام لم يحرق كتبا فحسب. إنما دعا لمراجعات كبرى في الفقه والفهم والتصور والتأويل. بيرام حاصر، بفعله "المنكر" السياسة والسطلة. و حشر العلماء قي زاوية حولتهم إلي مهرجين في جوقة ساسة الأغلبية و شاشتها و أظهر المعارضة في صورتها الحقيقية: رديف للأغلبية في الذود عن نظام الجور و الغلبة و العنصرية و العبودية. و بذلك وضع بيرام الجميع في الزاوية الصعبة.

 لقد تصور المفكر الإسلامي  محمد المختار الشنقيطي مصير "الحرق" حتميا لكل ما يحول بين الناس ومحكم التنزيل .وبادر فقهاء الإذاعة والتلفزة الرسميتين إلى تأصيل "العبودية شرعا" واعتبروها من  ثوابت الدين. أخرس الله فقه إذاعة موريتانيا الوطنية و مفتيي تلفزتها المتملقتين!!
 القصر يحرض. والرئيس، يتوعد.  وأغلبيته تجمع الجمر، علي طريقة حمالة الحطب، لإحراق بيرام. والمعارضة، المحنكة دائما و أبدا عندما يأتي وقت التولي عند الزحف، بريئة براءة الذئب من دم يوسف من محرقة الكتب !!

هكذا حاولت السياسة تسييس العبودية وفقهها و تمجيد عادات الإستغلال و الهيمنة في بلاد الإسلام. 
إن الحقوقي  بيرام لن  يجن شيئا من وراء "محرقته" عندما يعود الجميع إلي رشده و ترتفع الغمامة غير حرية العبيد وعتق المضطهدين و تقزيم الفقه القديم. ونعم  الثمرة. و يستحضر الفقهاء، بعد طول سهو، أن الفقه هو الفهم! فالزمن أيضا يحرق الفهم القديم..

بيرام أحرق الكتب بعد أن صلى الجمعة. كيف يفكر من يطالبون بإعدامه بعد تطليقه بمنطق فقه يكفر  هو بظلم فتاويه المؤسسة علي سلب الإنسانية من أمثاله؟ إنهم "صوفية" بلبوس الجماعات التكفيرية لأن مركزهم الظالم بدأ يهتز. نعم، كم هم مستعدون حتي النشوة ليموت الآبقون من الخارجين علي فقههم الظالم للعباد؟؟ المسألة لا تتعلق بالكتب ولا بالحرق ذاته .حقيقتها أن الأمر يتعلق  ببيرام و هو محسوب علي قوم "الدونية" حيث لا نسب و لا قبيلة و لا جاه و لا دين. ولأنه بيرام، فهم ينتقمون!! السادة الإقطاعيون، بكتائبهم الأمنية و نياشينهم العسكرية وولاياتهم السياسية و عمائم فقهائهم و قضاتهم و أقلام صحافة الموز التي يمولون و بصيحات عبيدهم الخانعين و الراضين بفتاة السادة العفن، يحركون وسائل الإنتقام و آلته. ينتقمون من العبد الذي يجهر بحرية العبيد و يفضح عنصرية السادة و ساديتهم و كذبهم!

وتحية للرفاق المعتقلين مع بيرام إذ اظهروا للظالم أنه من العسير الانتقام من المظلوم و لو في منطق فقههم. و هنا أقول إن الانتقام هو اعتقال الانعتاق . و هل يمكن إعتقال الحرية؟

 الحرية لبيرام ورفاقهّّ!!

 

سفهاء المعارضة  اتهموا"إيرا "بخدمة نظام ولد عبد العزيز! هنا، و للوهلة الأولي، ظهر الفرق، واضحا، بين من يعارض شخصا ينفرد بفعل الفساد ومن يعترضون على نظام فاسد بأكمله. نسيت المعارضة كل خلافاتها مع السلطة و عادت في لحظة خوف ووهن أمام رغاث حماة المدرسة الفقهية الإستعبادية علي "الخط" في خندق السلطة لحماية المصالح العليا "للمجموعة" المشكلة لنظام الجور و التخلف الجاثم علي موريتانيا.

  من جانبها، حاولت السلطة استغلال محرقة الكتب وحشد الرأي العام العالمي والوطني لتمرير عقوبة صارمة يتوعد بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز خصمه اللدود، ضاربا عرض الحائط إدعاءاته بإستقلالية قضائه. لكن الشارع بدأ يستيقظ لمناصرة قضية  "حارقي" الكتب الفقهية والمطالبة بالإفراج عنهم بعد ما تأكد أن ما نسب إليهم ليس إلا مجرد فعل أو رأي "يؤخذ منه و يرد" و لا يرقي إلي مستوي الكفر الذي سارع غلمان فقه الخنوع إلي الإفتاء به.

 لقد حاولت "الدولة" بوسائل إعلامها وعلمائها أن تصور  إحراق الكتب على أنه فعل ضد الدين..لقد تجاهلوا صلاة الجمعة التي أقيمت علي مسرح "الجريمة"  وبثت التلفزة الموريتانية مرارا عنصرا يقول فيه بيرام إن هذه الكتب ليست من عند الله.هذه كتب تمجد العبودية . و نسيت التلفزة و الإذاعة أن تبث إعتذار المكتب  التنفيذي لإيرا. ربما لأن فقهاء التلفزة و الإذاعة أفتوا ان توبة العبد لا تقبل، و خاصة إن جاهر بإبقه قبل "ردته". و ليت مدير التلفزة يستحضر أن العبد بالعبد "قد" يقتل!
 الدكتور محمد اسحاق الكنتي اختار أن يدرج   محرقة الرياض في  سياق الغضب و الحرق عبر التاريخ.  إن النار كانت دوما تنتصر وتدمر، لكنها  كلما حاصرت الناس بألسنتها وخنقتهم بدخانها دفعتهم إلى التفكير. قد تكون نار الرياض روضة للعقول إذا ما غاب الانتقام  وانتفت القدسية عن الفهم. إن كلام الناس لا يكتسب القدسية من القدم إلا في المجتمعات الجاهلية الظالمة في بنيتها و أسس قيامها.

في موريتانيا سكت أهل العلم عن قتل المسلمين الزنوج في شهر رمضان و في غير رمضان من أشهر الله الحرم. وسكتوا حين حررت "إيرا" سعيدا ويركا وبنت أساتيم و أخواتها وغيرهم. سكتوا حين وصف كتاب الله "بالهدية المتواضعة" و  قدم لمعاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع حين كان سلطانا.و أكل علماء موريتانيا ألسنتهم حين هدد وزير- و هو فقيه منهم- متوعدا بتحويل المساجد إلى مخابز. علماء موريتانيا-إلا من رحم ربك- أكثر جناية من السلاطين على المجتمع.


جبريل جالو

النار التي تكلم العلماء تحرر العبيد/ جبريل جالو

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox