صناعة الأزمات
السبت, 12 مايو 2012 12:29

 

بقلم: سيديا ولد أحمدناهبقلم: سيديا ولد أحمدناهيعج العالم  بثورة صناعية لا نظير لها في التاريخ تنمو وتتسع في كل حين منها ما يسلط على العقول والمشاعر والوجدان لكسب الود والحنان والعطف ومنها ما يسخر للآلة لجلب المال والنفوذ والجاه والقوة وبقدر تطور هذه الصناعة واتساعها ووفرة عوائدها يسعد الإنسان ويعيش الحياة الكريمة غير أن هناك صناعة أخرى قد لا تقل أهمية ولا تأثيرا ألا وهي صناعة الأزمات والفواجع لكسر شوكة العدو واستنزاف ثرواته ومقدراته  لإلهائه وشغله بالصراعات والخصومة والشحناء.

فالحدود التى رسمها الاستعمار فى النفوس وفى الجغرافيا وحراسة هذه الحدود والسعي الحثيث والعمل الدؤوب على بقائها ورعايتها  ووسائل الدعاية المختلفة والمؤثرات العقلية والنفسية فن أصيل وسياسة ثابتة وسنة متبعة
والأزمة من حيث الشكل والمضمون لها أشكال كثيرة وأوزان وتجليات حسب القائمين عليها والتربة التى تنبت فيها والبيئة التى تحتضنها ومدى شعور الناس بخطورتها وإدراكهم لمآلاتها وما تقود إليه فى عاجل الأمر وآجلة فلو أن بني أمية أصاخوا السمع لقول شاعرهم المشهور
أرى تحت الرماد وميض جمر     فأحر بأن يكون لها ضرام
إذا لم يطفها عقلاء قو        م      يكون وقودها جثث وهام
فإن النار بالعودين   تذكى        وإن الحرب مبدؤها الكلام
أقول من التحسرليت شعرى     أأيقاظ أمية أم نيا        م
فلربما امتد ملكهم إلى حين وتجنبوا تلك النهاية السيئة ولكن الأقدار جارية على الخلق وإن كان المذهب الصحيح فيها هو العمل الجاد والفرار من قدر الله إلى قدر الله وهى سنة عمر رضي الله عنه ثم إن الأزمة من حيث واقع الناس المعيش لا يخلو منها مجتمع مهما أشرب الفضيلة وتشبع من روحها فزائد القوة أو زائد الضعف من دواعي الأزمات فالأول يثير غريزة حب السيطرة والتمكين فى الأرض والتشفي بالخصوم فينشأ عن ذلك تراكم العداوات والإنفاق الهائل وبدون حساب فإذا اجتمعت كل هذه العوامل خارت القوى وانحلت القبضة فاختل النظام وفى المقابل زائد الضعف يقتضى ضعف المناعة والتر
 هل فلا يتحمل جسم الأمة الكثير من الأذى ويكون عرضة لنوبات قد تؤدى فى النهاية إلى ما لاتحمد عقباه وللأمانة فإن زائد الضعف وزائد القوة مقتبستان من محاضرة للشيخ سلمان العودة وإذا كان العالم الطموح للسيادة والسيطرة يجهد فى التأثير على النفوس وتشكل قناعاتها لسلاسة لجامها ولين خطامها فإن المجتمعات الضعيفة بدل تقدير الأمور حق قدرها والسعى الحثيث لجبر الكسر ولم الشتات قبل أن يتسع الخرق على الراقع فإنها تنظر إلى الأزمة على أنها قدر لا مرد له وقد تسعى إلى ديمومتها وانتشار لهيبها غفلة أوانحناء أمام العاصفة أوركوبا للموجة نكاية بالنظام القائم ومن هذا فإن ثقافة الكراهية التى استحكمت فى مجتمعنا أو كادت وتجاوزت كل الحدود منذ فترة ليست بالقصيرة إلى أن أفاق الناس أخيرا على ما وقع من حرق لأقدم أمهات الكتب المالكي كمدونة سحنون التى استنسخها فى ليلة واحدة من الشيخ المجاهد أسد بن الفرات بعد أن ضن عليه  بها ثم عرضها سحنون على ابن القاسم واسطة عقد تلاميذ مالك ومن أجل الرواة عنه ليست وليدة الصدفة ولم تكن على حين غرة وإنما ظلت نبتتها تسقى وترعاها جهات عديد ة حتى استوت على سوقها وأصبحت عصية على الاجتثاث والاستئصال ما لم يدرك الجميع أنهم فى مركب واحد وأن الجاني لو لم يجد سوقا رائجة وحضنا دافئا لما أقدم على هذا الفعل الشنيع والتصرف البغيض ومع أنني لا أتهم أحدا بسوء النية أو الكيد لوطنه والعمل الدؤوب على زرع الفتنة والشقاق بين أبناء المجتمع الواحد إلا أن السياسة لامكان فيها لحسن النوايا وطيب السريرة وإنما المعول عليه فى فنها المتلاطم الأمواج ما ينشؤ عن تصرفات الأفراد والجماعات وما تؤدى إليه أعمالهم فى حياة الناس ومعيشتهم وأمنهم القومي والنفسي  وحتى لانبقى فى الدائرة الرمادية فإننا نقف بقدر يسير من التحليل لأداء بعض الأطراف المؤثرة في المشهد السياسي والإعلامي
1-      الإعلام لما يملكه من قدرة وتأثير
تقول هذا مجاج النحل تمدحه    وإن ذممت فقل قيء الزنابير
مدح وذم وذات الشيء واحدة     سحر البيان يرى الظلماء كالنور
ومع أن سحر البيان زاحمته طريقة المطاعم الأمريكية التى تقدم لروادها الوجبة خلال 5 دقائق فقط إلا أن الكلمة سوف يبقى لها وقعها وتأثيرها وقدرتها الفائقة على صياغة العقول أو إفراغها مما خالطها واستوطن مجاهلها وغنى عن القول إنني أجل صاحبة الجلالة وأقدر المتاعب الجمة التى يتلقاها رواد هذه المهنة وعشاقها فحديثي ليس من باب الشتم والسباب وإنما الدافع الغيرة على هذه المهنة والحرص على أن تتبوأ مكانتها السامية فتقدم للقارئ الكريم الخبر الصائب والكلمة الطيبة والدراسة الرصينة التى تجمع ولا تفرق وتبنى ولا تهدم   بعيدا عن الإثارة وما يهدد السلم الأهلي والنسيج الاجتماعي الحساس ثم إن هناك قضية أخرى بالغة الأهمية أن نفرق بين معارضة النظام ونقد سياساته وتتبع عثراته وتقييم أدائه ورصد هفواته وهو أمر مشروع إنما قامت هذه الصناعة لأجله وبين النكاية به والتشهير بأفعاله حتى ولو كان الوطن الضحية الأولى وكينونة الأمة معرضة للتحلل والتمزق وذهاب الريح وإهدار الكرامة أمام الملإ لقد جنينا على أنفسنا وقدمنا للعالم أمتنا على أنها سبة ومحونا طواعية ما كان لها من أثر طيب ويد بيضاء على شعوب كثيرة بتركيزنا على همجيتها وسوء صنيعها بملء صفحات كثيرة بكل ما هو قبيح ودنى ء عن مجتمعنا فلا غرو إذا أصدر  الشيخ السعود
 ي فتواه التى جمع فيها بين الشواذ والشدائد والغرائب وهناك ظاهرة أجدني عاجزا عن إدراك كنهها تتمثل فى التسابق المحموم لإدانة هذا المجتمع وتجريمه باللوث والشائعة  والشبهة بدل نفى التهمة والدفع بالبراءة والطعن فى الخصم وأدلته التى تكون أحيانا أوهن من بيت العنكبوت من جانب من يفترض أنهم الحماة والمنافحون عن العرض والحرمات فهل الأمر يعود إلى شرخ بعيد الأثر والغور وتحلل فى روابط المجتمع أم هى طريقة جديدة في العلاقات العامة والنشر وتناول الشأن العام لم تأخذ حظها من التقييم والنظر فضلت سبيلها عن عقول  الكثيرين  ومشاعرهم وهل هي كبوة جواد في حلبة لاتخلو من نتوء وعوائق وضباب كثيف حجب الرؤية عما وراء الأفق البعيد أم أن الأمر لا يعدو أن يكون حيادا خارجا عن السياق والمألوف حتى مراسلي القنوات الأجنبية من أبناء هذا الوطن عندما يتعلق الخبر ببعض القضايا يحرصون على أن تكون مراسلاتهم من أماكن البؤس وكأن الشرائح الأخرى تعيش فى رغد العيش وسعة تحسد عليها إن هذه الصور هي الحكم في النهاية ودليل الإدانة الذي لا يقبل الريبة ولعل المراسل الكريم قد غاب عنه ما يكتنف الخبر أحيانا وما يقتنصه كل طرف من عموم الصورة وأجزائها المختلفة
إنما اصطلح عليه بالإرث الإنساني يعرض على الناس بطريقة لا تراعي فيها كامل المهنية إن لم نقل المهنية كاملة فالصحافي يمثل الرأي الغائب ويضع نفسه  خصما ومنافحا عن الطرف الغائب  ليقدم الصورة الصحيحة بأبعادها الثلاثة وبدون ذلك تكون الصورة مشوهة والخبر معلولا إنني لا أطالب الإعلام فى هذه الحالة بما تقوم به صفحات الاستقصاء لما يقتضيه ذلك من أسفار وجهد مضن وأموال وفيرة كما لا أدعو إلى غلق باب المظالم تحت أي ظرف من الظروف فذلك مناف لركن من الأركان التى أسس عليها هذا الفن وأرسى قواعده لكن القضايا الشائكة يجب أن تطبخ على نار هادئة وأن تفحص وتشرح قبل أن
 تقدم إلى الملأ ويتم تداولها بين الناس فالعلاقة المعقدة بين المجتمعات التقليدية مهما كانت تجلياتها ومسالكها الملتوية والساذجة أحيانا أرى أن يترك الحكم فيها للقضاء وهو معزز عندنا بترسانة من القوانين ولا عذر له فالجميع يلح على أن هذه الأزمة طال أمدها وآن الأوان لطي ملفها إلى الأبد لتتفرغ أمتنا للمعركة الحقيقية بين الجهل والتخلف والهوية المعلقة  وترهل مجتمعنا وثقافة الكسل والعزوف عن العمل اليدوى ويمتاز القضاء باعتماده على النظر الدقيق والتحقيق الشامل والروية وجمع الأدلة وغربلتها والقرينة عند الالتباس وإشكال الأمر
2 رجال الأحزاب السياسية خلال 20 سنة الماضية ظلت قصة الرق وآثاره ومخلفاته تملأ الآذان والأبصار وبعد أن كان الحديث عنها على نطاق ضيق أصبحت على كل لسان وتفنن الناس في طرحها وأخذها السلف عن الخلف وكانت من المواضيع محل الاتفاق حضرت مرة لقاء انتخابيا لأحد المرشحين فأشرت إليهم بعدم جدوى الفائدة عن الرق حسب رأيي فانبرى شاب من بين الحضور وقال كل الأحزاب تناولت هذا الموضوع فتذكرت قول المرحوم المختار ولد الميداح عندما أوقف له شخص حافلة ولربما ما كان يرغب ركوبها فقال على بديهته السريعة إذا قالت العرب بيس فقل بيس  فالذي يستعيد ذاكرته أو ينظر فى أرشيف الحملات الانتخابية فى 2007على سبيل المثال لا يخامره شك بأن موريتانيا عادت إلى المربع الأول وأن الرق وصمة عار على جبين مجموعة محددة وعقلية متخلفة مبنية لا تؤثر فيها العوامل المدنية التى تواضع الناس عليها هذا هو لحن أقوالهم  وصريحها  بينما الواقع أن مجتمعنا أكثر المجتمعات قدرة على أن يلبس لكل حالة لبوسها وأن باقي الشرائح الأخرى كان لها نصيبها وأن الرق كان ضمن مظالم عديدة فى الأموال والدماء والأعراض تجاوزها الناس وبنوا على أنقاضها دولة القانون والحقوق والواجبات شأنهم فى ذلك شأن كافة الأمم والشعوب ولكن لشيء ما جدع قصير أنفه
وهنا ك أطراف أخرى عديدة وهي تتحمل من اللوم بقدر ما ساهمت به  فى إشعال هذه الفتنة ولعل المقام لا يتسع للحديث عنها أما الدوائر الأجنبية التى تحشر أنفها فى كل فتنة فمن السذاجة أن نلومها وما تخفى صدورهم أكبر
ختاما لعل من حسن الحظ أن الشريحة التى هي الشق الثاني من مجتمعنا الثرى في تنوعه شريحة كريمة فيها خير كثير وتواضع جم وطيبة نفس عز نظيرها وتدين وكان الإمام المرحوم بداه عندما يرى المنتسبين من هذه المجموعة لجماعة التبليغ يقول تعلموا الخشوع من هؤلاء ويشير إليهم بالبنان و هي تدرك  بصفة عامة أن الذين يحاولون سلخها من عمقها الاستراتيجي إنما يقطعون الجسم الواحد والمصير الواحد والتاريخ المشترك وروابط الدين ولحمة النسب  والفرع عن الأصل وهم من العقلاء الذين يرون أن تنوع المجتمعات كما يقول طارق اسويدان ممتع ولو كان المجتمع لونا واحدا وصورة واحدة لكان
 مملا ويقول رينان بأن القومية لاتبنى على العرق لأنه لايوجد بين البشر عرق نقى فالبشر تختلف حياتهم عن الحيوان أما الذين بنوها على العوامل الأخرى كاللغة المشتركة والعرق الواحد ..فأى ذلك لا ينطبق علينا
 

صناعة الأزمات

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox