أحلام ليلة باردة
الأربعاء, 16 مايو 2012 10:18

بقلم: الهادي بن المنير بن الطلبه

صوت خافت من شاب وديع يحاول بكل أدب أن يوصل لرجل طاعن في السن محدودب الظهر فكرة ساذجة أمره طفل صغير يلعب هناك عند رأس الشارع طلب منه أن يعرضها، يقف بكل هدوء ليلقي السلام، ويبدأ بالعرض المشوق الهادئ.. الشيخ في سكينة يرفع بصره الضعيف إليه ويغرس عصاه في الأرض لتحمل ما تبقى من جسمه النحيل.. ويستمر العرض بلا تعليق أو مقاطعة..

***

طفل بائس حافي القدمين، في يوم صافية سماؤه وقد توسطتها شمس محرقة.. يجرجر رجله العرجاء حافية على لهيب أرض شارع مسفلت، خلق الثياب.. يطرق نوافذ السيارات المكيفة على أصحابها حين يحمر ضوء الإشارة.. تتفحصه الأبصار وتجمد الأيادي فيد العون حين تمتد له قد تأخذ من نسيم الهواء نصيبا في يوم يعز فيه البرد.. تخضر الإشارة فيسرع متثاقل الخطى ليفسح الطريق وليتفيأ من ظلال أحد الجدران ما يحجب عنه وجه الشمس... ولكنها كانت أسرع منه..

***

كل شيء من حوله يغلي ويثور؛ إنها عاصفة هوجاء تقتلع الأشجار العظيمة من جذورها، لا صوت يعلو على هديرها وصراخ ضحاياها تعشق سحق كل شجر علا على ما حوله.. ولا يسلم منها من الأشجار إلا من تخفف من أوراقه، أو تصاغر حتى صار نجما يحنو للأرض بلا كبر ولا مكابرة... وهو فيها يرى الهالكين ومصارعهم فلا يعتبر ويحنو على النجم لعله ينجو معه، بل لعله ينجو به.. يُعجب بالهالكين، ولا يتعجب من الناجين.. وتستمر العاصفة..

***

حلم بوطن اقتصاده الإنسان.. قيمته الإنسان.. وثروته الإنسان.. وطن لأبنائه كل أبنائه، لهم وطن وهو بهم وطن.. فيه حضارة القيم وقيم الحضارة.. فيه تربية العلم والرقي، ورقي التربية والعلم.. فيه من كل شيء جميل شيء جميل.. فيه الصوت مهما صخب وارتفع والإنسان مهما تقدم وارتفع يحنو على ذلك الشيخ الأصم  المتحامل على عصاه، والطفل الذي أفقده الزمن أحلام الحياة، وتلك المتسرعة ما تبقى من أمل في الحياة.

***

قلعة كانت للعلم تبني مجد وطن.. هي له فخر تحاول إحياء ما اندثر من تاريخه، وربط قادم أجياله بما بسالف أجدادهم.. روادها العلماء منها يكون الإرشاد وإليها يأوي الإيمان والفكر، ومنها يصدر الاعتدال والوعي.. ترددت أسماؤهم بين جدرانها حتى صار للجدران فيها معنى.. وتحولت تلك القلعة من المجاز للحقيقة؛ فصارت فعلا قلعة.

***

هي أحلام ليلة باردة في صيف ساخن وربيع أحمر قان، وأمل بفجر قريب.. يشرق على الأفق كل الأفق فيسعد كل من بالوطن, ويبتسم كل من تلوى من بؤس الحياة..

هي أحلام من خيالات تلك الأحلام التي يفكر فيها النائمون في أوقاتهم القصيرة التي يستيقظون فيها مجازا..

هي أحلام من واقع الحياة ننام عليها ونصحوا.. فنبئوني بتأويلها إنكم للأحلام تقرأون.

 

 

أحلام ليلة باردة

إعلان

السراج TV

تابعونا على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox